مناقب آل ابی طالب المجلد 1

اشارة

عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.

مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.

مشخصات ظاهری:12ج

وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت:ج.9. (چاپ اول)

شماره کتابشناسی ملی:2481606

ص: 1

اشارة

مناقب آل ابی طالب

تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب

تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدمة المحقق

الحمد للّه الذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين ، المدبّر بلا وزير ، ولا خلق من عباده يستشير ، الأوّل غير موصوف ، والباقي بعد فناء الخلق ، العظيم الربوبية ، نور السماوات والأرضين وفاطرهما ومبتدعهما ، بغير عمد خلقهما ، فاستقرت الأرضون بأوتادها فوق الماء ، ثم علا ربّنا في السَّماواتِ الْعُلى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ، فأنا أشهد بأنّك أنت اللّه ، لا رافع لما وضعت ، ولا واضع لما رفعت ، ولا معزّ لمن أذللت ، ولا مذلّ لمن أعززت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت(1) .

اللَّهُمَّ واجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِك ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتك عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولك ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ ، وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الأَضَالِيلِ ، كَمَا حُمِّلَ ، فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ ، مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِك ،َ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ، وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ ، حَافِظاً لِعَهْدِكَ ، مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ ، حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ

ص: 5


1- بحار الأنوار : 83/332 باب 45 .

الْقَابِسِ ، وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ ، وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالآثَامِ ، وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلامِ ، وَنَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الَْمخْزُونِ ، وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ(1) .

وصلّي اللّهم وسلّم على « النذير المبين ، الصادق الأمين ، خاتم النبيين ، ورسول ربّ العالمين .

والنجم الثاقب ، الرفيع المراتب ، الكثير المناقب ، غالب كلّ غالب ، علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

وزوجته الغراء ، الإنسية الحوراء ، البتول العذراء ، المزوّجة في السماء ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

والسند المعصوم، والسيد المسموم، الرضا المؤتمن، أبو محمد الحسن عليه السلام .

والسيد الأمين ، الواضح الجبين ، الركن الركين ، المبرأ من كلّ شين ، أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام .

وعصمة المسلمين ، وإمام الصابرين ، ورئيس البكائين ، و أفضل القانتين ، وسيد المجتهدين ، علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .

والقمر الباهر ، والنجم الزاهر ، والبحر الزاخر ، والنور الظاهر ، والإمام الطاهر ، محمد بن علي الباقر عليه السلام .

والفرع الباسق ، واللسان الناطق ، قامع كلّ مارق ، جعفر بن محمدالصادق عليه السلام .

ص: 6


1- نهج البلاغة : 101 خ72 .

والسيد العالم ، والعادل الحاكم ، والسيف الصارم ، القادر القائم ، موسى بن جعفر عليهماالسلام الكاظم .

والشرف والحجى ، والضياء المستضا ، والنور المصفّى ، قتيل طوس بالقضا ، علي بن موسى عليهماالسلام الرضا .

والنور المضي ، والبطل الكميّ ، والفارس الجري ، والسمح الزكي ، والمهل الروي ، محمد بن علي عليهماالسلام التقي .

والإمامين العادلين ، وارثي المشعرين ، وإمامي الحرمين ، المدفونين بسر من رأى ، علي والحسن عليهماالسلام .

والخلف المفضال ، أكرم الأخيار ، ومبيد عصبة الكفار ، الحجّة بن الحسن الهادي المهدي عليه السلام(1) .

اللّهم وضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيك العترة الضائعة الخائفة المستذلّة ، بقية الشجرة الطيّبة الزاكية المباركة ، وأعل - اللّهم - كلمتهم ، وأفلج حجّتهم ، واكشف البلاء واللأواء ، وحنادس الأباطيل والعمى عنهم ، وثبّت قلوب شيعتهم وحزبك على طاعتهم وولايتهم ونصرتهم وموالاتهم ، وأعنهم وامنحهم الصبر على الأذى فيك، واجعل لهم أياما مشهودة ، وأوقاتا محمودة مسعودة ، توشك فيها فرجهم ، وتوجب فيها تمكينهم ونصرهم ، كما ضمنت لأوليائكفي كتابك المنزل ، فإنّك قلت - وقولك الحقّ - : « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 7


1- المناقب باب الإمامة .

مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً »(1) .

والعن اللّهم أوّل ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد ، وآخر تابع له على ذلك ، اللّهم واهلك من جعل يوم قتل ابن نبيك وخيرتك عيدا ، واستهلّ به فرحا ومرحا ، وخذ آخرهم كما أخذت أولهم ، وأضعف اللّهم العذاب والتنكيل على ظالمي أهل بيت نبيك ، واهلك أشياعهم وقادتهم ، وأبر حماتهم وجماعتهم(2) .

وصلّى اللّهم على « الشهيد السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه ، المتحقّق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقاة اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه ، الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم ، الإمام الشهيد ، الولي الرشيد ، الوصي السديد ، الطريد الفريد ، البطل الشديد ، الطيب الوفي ، الإمام الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام .

منبع الأئمة ، شافع الأمّة ، سيد شباب أهل الجنة ، وعَبرة كلّ مؤن

ومؤنة ، صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعَبرة المؤنين في دارالبلوى، ومن كان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلاء، ثاني السيد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا عليهماالسلام ، الحسين بن علي المرتضى عليهماالسلام .

ص: 8


1- مصباح المتهجد : 785 .
2- مصباح المتهجد : 785 .

زين المجتهدين ، وسراج المتوكّلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيد المرسلين صلى الله عليه و آله ، نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ،

وشرف غرس الأحساب الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البرية ، سبط الأسباط ، وطالب الثأر يوم الصراط ، أكرم العتر ، وأجلّ الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظّم ، مكرّم ، موقّر ، منظّف مطهّر ، أكبر الخلائق في زمانه في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق ، قطعة النور ، ولقلب النبي صلى الله عليه و آله سرور ، المنزّه عن الإفك والزور ، وعلى تحمّل المحن

والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور ، مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1) » . .

الذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل ، الإمام القتيل ، الذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل « الحسين مصباح الهدى، وسفينة النجاة » ، الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء(2) عليه السلام .

الذي ذكره اللّه في اللوح الأخضر ، فقال : . . وجعلت حسينا خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامّة معه ، والحجّة البالغة عنده ،وبعترته أثيب وأعاقب(3) . .

ص: 9


1- المناقب باب إمامة الإمام الحسين عليه السلام .
2- معالي السبطين : 61 .
3- كمال الدين : 2/290 ح1 .

الذي قال فيه جدّه المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه و آله : حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا(1) .

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو الصادق الأمين : إنّ حبّ علي قذف في قلوب المؤنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المؤنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّا(2) .

فمن أيّ المخلوقات كان أولئك المردة العتاة ، وأبناء البغايا الرخيصات ، الذين قاتلوه بغضا لأبيه ، وسبوا الفاطميات ، ولم يحفظوا النبي صلى الله عليه و آله في ذراريه .

قال الإمام سيد الساجدين عليه السلام : . . أيّها الناس ، أصبحنا مطرّدين مشرّدين شاسعين عن الأمصار ، كأنّا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم إجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، « إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ » .

فواللّه لو أنّ النبي صلى الله عليه و آله تقدّم في قتالنا كما تقدّم اليهم في الوصاية بنا لما إزدادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للّه وإنّا اليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها ، وأفجعها ، وأكظّها ، وأقطعها ، وأمرّها ، وأفدحها ،فعند اللّه نحتسبه فيما أصابنا ، وما بلغ بنا ، إنّه عزيز ذو إنتقام(3) .

ص: 10


1- بحار الأنوار : 45/314 .
2- المناقب : 3/383 ، بحار الأنوار : 43/281 باب 12 .
3- بحار الأنوار : 45/147 .

ولكنّ اللّه لهم بالمرصاد ، فإنّ دمه الزاكي الذي سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلّة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع ، والأرضون السبع ، وما فيهن ، وما بينهن ، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا ، وما يرى وما لا يرى ، سوف لا ولم ولن يسكن ، لأنّه قتيل اللّه وابن قتيله ، وثار اللّه وابن ثاره ، ووتر اللّه الموتور في السماوات والأرض(1) حتى « يبعث اللّه قائما يفرج عنها الهمّ والكربات » .

قال الحسين عليه السلام : يا ولدي ، يا علي ، واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث اللّه المهدي(2) . .

فذلك قائم آل محمد عليهم السلام يخرج ، فيقتل بدم الحسين عليه السلام بن علي . . وإذا قام - قائمنا - انتقم للّه ولرسوله ولنا أجمعين(3) . .

وقد بشّر بذلك رسول ربّ العالمين صلى الله عليه و آله فقال : لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي - جلّ جلاله - فقال : يا محمد ، إنّي اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها ، فجعلتك نبيا ، وشققت لك من اسمي اسما ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا ، وجعلته وصيّك وخليفتك ، وزوج ابنتك ، وأبا ذريّتك ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العلي الأعلى ، وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمعرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين .

ص: 11


1- انظر بحار الأنوار : 98/151 باب 18 .
2- المناقب : 4/93 .
3- بحار الأنوار : 52/376 .

يا محمد ، لو أنّ عبدا عبدني حتى ينقطع ، ويصير كالشنّ البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتهم ، فما أسكنته جنّتي ، ولا أظللته تحت عرشي .

يا محمد ، تحبّ أن تراهم ؟

قلت : نعم يا ربّ .

فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، وإذا أنا بأنوار علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، و« م ح م د » بن الحسن القائم في وسطهم ، كأنّه كوكب درّي .

قلت : يا ربّ ، ومن هؤاء ؟

قال : هؤاء الأئمة ، وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ، ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللاّت والعزى طريين فيحرقهما ، فلفتنة الناس - يومئذٍ - بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري(1) .

وروى عبد اللّه بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللّون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤؤالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ،ممّ بكاؤ ؟ لا أبكى اللّه عينيك .

ص: 12


1- كمال الدين : 1/252 باب 23 ح2 ، بحار الأنوار : 52/379 ح185 .

فقال لي : أو في غفلة أنت ؟! أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟!

فقلت : يا سيدي ، فما قولك في صومه ؟

فقال لي : صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعزّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا - يومئذٍ - حيّا لكان صلى الله عليه و آله هو المعزّى بهم .

قال : وبكى أبو عبد اللّه عليه السلام حتى اخضلّت لحيته بدموعه . .

ثم علّمه آداب يوم عاشوراء ، وآداب الزيارة في ذلك اليوم الى أن قال : ثم قل :

اللّهم عذّب الفجرة الذين شاقّوا رسولك ، وحاربوا أولياءك ، وعبدوا غيرك ، واستحلّوا محارمك ، والعن القادة والأتباع ، ومن كان منهم فخب وأوضع معهم ، أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا .

اللّهم وعجّل فرج آل محمد صلى الله عليه و آله ، واجعل صلواتك عليه وعليهم ، واستنقذهم من أيدي المنافقين المضلّين ، والكفرة الجاحدين ، وافتح لهم فتحا يسيرا ، وأتح لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنك علىعدوّك وعدوّهم سلطانا نصيرا . .

ص: 13

اللّهم إنّ كثيرا من الأمّة ناصبت المستحفظين من الأئمة ، وكفرت بالكلمة ، وعكفت على القادة الظلمة ، وهجرت الكتاب والسنة ، وعدلت عن الحبلين اللّذين أمرت بطاعتهما ، والتمسّك بهما ، فأماتت الحقّ ، وجارت عن القصد ، ومالأت الأحزاب ، وحرّفت الكتاب ، وكفرت بالحقّ لمّا جاءها ، وتمسّكت بالباطل لمّا اعترضها ، وضيّعت حقّك ، وأضلّت خلقك ، وقتلت أولاد نبيك ، وخيرة عبادك ، وحملة علمك ، وورثة حكمتك ووحيك .

اللّهم فزلزل أقدام أعدائك ، وأعداء رسولك ، وأهل بيت رسولك .

اللّهم وأخرب ديارهم ، وافلل سلاحهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفتّ في أعضادهم ، وأوهن كيدهم ، واضربهم بسيفك القاطع ، وارمهم بحجرك الدامغ ، وطمّهم بالبلاء طمّا ، وقمّهم بالعذاب قمّا ، وعذّبهم عذابا نكرا ، وخذهم بالسنين والمثلات التي أهلكت بها أعداءك ، إنّك ذو نقمة من المجرمين .

اللّهم إنّ سنتك ضائعة ، وأحكامك معطلة ، وعترة نبيك في الأرض هائمة ، اللّهم فأعن الحقّ وأهله ، واقمع الباطل وأهله ، ومنّ علينا بالنجاة ، واهدنا إلى الإيمان ، وعجّل فرجنا ، وانظمه بفرج أوليائك ، واجعلهم لنا ودّا ، واجعلنا لهم وفدا(1) .* * *

ص: 14


1- مصباح المتهجد : 784 ، بحار الأنوار : 98/305 باب 24 .

المؤلف

اشارة

الحافظ أبو عبد اللّه محمد على بن شهرآشوب بن كياكي ، المكنّى بأبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني ، الفقيه ، المحدّث ، المفسّر ، المحقّق ، الأديب البارع ، الجامع لفنون الفضائل ، اشتهر بلقب « شيخ الطائفة » .

وكان معظّما عزيز الجانب عند المخالف والمؤالف .

ذكره صلاح الدين الصفدي في « الوافي بالوفيات(1) » قائلاً :

محمد بن علي بن شهرآشوب ، أبو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين ، الشيعي ، أحد شيوخ الشيعة ، حفظ القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وأثنى عليه كثيرا .

وذكره ابن أبي طي في تاريخه ، وأثنى عليه ثناء بليغا .

وكذلك الفيروزآبادي في كتاب « البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة » ،وزاد : إنّه كان واسع العمل ، كثير العبادة ، دائم الوضوء .

ص: 15


1- الوافي بالوفيات : 1/164 .

ثم قال : إنّه عاش مائة سنة إلاّ عشرة أشهر ، ومات سنة 588 ه(1) .

وقال شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي المالكي تلميذ عبد الرحمن السيوطي في « طبقات المفسرين » :

محمد بن علي بن شهرآشوب ابن أبي نصر ، أبو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين ، أحد شيوخ الشيعة ، اشتغل بالحديث ، ولقي الرجال ، ثم تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه ، ونبغ في الأصول حتى صار رحلة ، ثم تقدّم في علم القرآن والقراءات والتفسير والنحو ، وكان إمام عصره ، وواحد دهره ، أحسن الجمع والتأليف ، وغلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتّفقه ومتفرّقه ، إلى غير ذلك من أنواعه ، واسع العلم ، كثير الفنون ، مات في شعبان سنة 588 ه .

قال ابن أبي طي : ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الحنبلي وابن بطة الشيعي حتى قدم الرشيد ، فقال : ابن بطة الحنبلي بالفتح ، والشيعي بالضمّ(2) .

وذكره السيوطي في « بغية الوعاة » في باب المحمدين ، وأثنى عليه ثناء حسنا(3) .

ص: 16


1- خاتمة المستدرك للنوري : 3/59 .
2- طبقات المفسرين : 2/251 .
3- بغية الوعاة : 3/181 .

وذكره ابن حجر العسقلاني في « لسان الميزان(1) » نقلاً عن ابن أبي طي في تاريخه قائلاً : اشتغل بالحديث ولقي الرجال ، ثم تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت عليهم السلام ، ونبغ في الأصول ، ثم تقدّم في القراءات والقرآن والتفسير والعربية ، وكان مقبول الصورة ، مليح العرض على المعاني ، وصنف في المتّفق والمفترق ، والمؤتلف والمختلف ، والفصل والوصل ، وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة - يعني أهل السنة والشيعة - كان كثير الخشوع ، مات في شعبان سنة 588 ه .

وذكره الشيخ الحر العاملي في « أمل الآمل » في باب المحمدين قائلاً : رشيد الدين ، محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني السروي ، كان عالما فاضلاً ثقة محدّثا محقّقا عارفا بالرجال والأخبار أديبا شاعرا جامعا للمحاسن ، له كتب . . .

وأورده الزركلي في الأعلام في باب المحمدين ، وكذا عمر كحالة في معجم المؤلفين ، وترجمه أيضا كلّ من الشيخ آغا بزرگ الطهراني في مؤلفاته ، الذريعة ، ومصفّى المقال ، والثقات والعيون في سادس القرون ، والشيخ عباس القمّي في سفينة البحار ، وفي الكنى والألقاب ، والشيخ ميرزا محمد الاسترآبادي في منهج المقال ، والشيخ أبو علي الحائر في منتهي المقال ، والسيد مصطفى التفريشي في نقد الرجال ، وذكر في « نامه دانشوران ناصري » ، وذكره محمد علي التبريزي المدرّس في ريحانةالأدب ، والخوانساري في روضات الجنات ، وغيرهم .

ص: 17


1- لسان الميزان : 5/310 .

هاجر رحمه الله في أواخر عمره المبارك من العراق ، وسكن حلب من بلاد سوريا ، وذلك في عهد أمراء آل حمدان ، واشتغل هناك بالتأليف والوعظ والإرشاد والتدريس في علوم شتّى الى أن وافاه الأجل ، وتخرّج عليه جماعة من الأعلام .

تلامذته

حضر في مجلس درسه فطاحل العلماء في العراق وفي حلب ، واستفادوا من علمه الفيّاض ، واستجازوا منه الرواية ، وقد ذكرهم أرباب المعاجم ، ومن مشاهيرهم :

أبو حامد ، نجم الدين السيد محمد بن أبي القاسم عبد اللّه بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، المتوفى بعد سنة 585 ه ، وهو صاحب كتاب الأربعين الذي ألفه في حقوق الإخوان .

الشيخ جمال الدين ، أبو الحسن علي بن شعرة الحلّي الجامعاني ، وقد كتب له بخطّه إجازة برواية جميع مؤلفاته ، وتاريخ الإجازة « 15 جمادى الثانية سنة 581 ه » .

أساتذته

تلمّذ على كثير من علماء زمانه وأساتذتهم ، وأشهرهم :

جار اللّه الزمخشري المعتزلي المولود سنة 467 ه ، والمتوفى سنة 538 ه ، فقد قرأ عليه مؤلفاته التي منها « تفسير الكشاف » ، و« الفائق في غريبالحديث » و« ربيع الأبرار » ، وقد أجازه أستاذه المذكور بروايتها عنه .

ص: 18

أبو عبد اللّه ، محمد بن أحمد النطنزي ، صاحب كتاب « الخصائص العلوية على سائر البرية والمآثر العقلية لسيد الذرية » .

السيد ناصح الدين ، أبو الفتح عبد الواحد التميمي الآمدي ، المولود سنة 510 ه صاحب كتاب « غرر الحكم ودرر الكلم » .

ومن مشايخه الذين ذكرهم هو في « معالم العلماء » :

أبو منصور، أحمد بن علي بن طالب الطبرسي ، صاحب «الاحتجاج» .

أبو الحسين ، سعيد من هبة اللّه المعروف ب-« القطب الراوندي » ، المتوفى سنة 573 ه .

أبو علي ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، صاحب « مجمع البيان » ، المتوفّى سنة 548 ه .

الشيخ جمال الدين أبو الفتوح ، الحسين بن علي الرازي صاحب « تفسير روض الجنان وروح الجنان » الفارسي .

أبو علي ، محمد بن الحسن الفتال ، الواعظ النيشابوري ، صاحب كتاب « روضة الواعظين » ، المتوفى سنة 508 ه .

مشايخ الرواية

ومن مشايخه الذين روى عنهم وأجازوه :

الشيخ أبو منصور ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب« الاحتجاج » .

ص: 19

قال تلميذه ابن شهرآشوب في « معالم العلماء » : شيخي أحمد بن أبي طالب الطبرسي ، له الكافي في الفقه حسن ، الاحتجاج ، مفاخر الطالبية ، تاريخ الأئمة عليهم السلام ، فضائل الزهراء عليهاالسلام .

الشيخ أبو جعفر ، محمد بن الحسن الشوهاني نزيل مشهد الرضا عليه السلام ، فقيه صالح ، ذكره الشيخ منتجب الدين في الفهرست ، والحر العاملي في أمل الآمل .

الشيخ محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، قال الشيخ الحر في « أمل الآمل » : كان فاضلاً ماهرا من مشايخ ابن شهرآشوب .

الشيخ ركن الدين، أبوالحسن، علي بن علي بن عبدالصمد السبزواري النيسابوري التميمي ، المحدّث ، وهو الذي تنتهي إليه رواية حرز الإمام الجواد عليه السلام المشهور ، ذكره الحر في « أمل الآمل » قائلاً : الشيخ أبو الحسن

علي بن عبد الصمد النيسابور التميمي ، فاضل عالم ، يروي عنه ابن شهرآشوب .

الشيخ محمد بن علي بن عبد الصمد النيسابوري ، ترجمه الحر العاملي في « أمل الآمل » قائلاً : فاضل جليل من مشايخ ابن شهرآشوب .

والده الشيخ علي بن شهرآشوب ، العالم الفاضل الفقيه المعروف ، قال في « أمل الآمل » : فاضل عالم يروى عنه ولده محمد ، وكان فقيها محدّثا ، وقد سمع من أبيه في صغره ، ما ذكره هو للسيد حيدر بن محمد زيد الحسيني الراوي عنه ، وذكره السيد حيدر في إجازته سنة 629 لتلميذهالشيخ حسن بن محمد بن يحيى .

ص: 20

جدّه الجليل شهرآشوب كما نصّ عليه في أول كتابه المناقب ، وجدّه هذا يروي عن الشيخ الطوسي شيخ الطائفة محمد بن الحسن المتوفي سنة 460 ه ، وعن الشيخ أبي المظفر عبد الملك السمعاني صاحب كتاب الفضائل المشهور ، كما يستفاد من كتابه « المناقب » .

الشيخ أبو الفتاح ، أحمد بن علي الرازي ، في « أمل الآمل » : كان عالما فاضلاً فقيها ، روى عنه ابن شهرآشوب .

الشيخ أبو سعيد ، عبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي صاحب كتاب « مراتب الأفعال » نقض كتاب « التصفّح » لأبي الحسين .

الشيخ أبو المحاسن ، مسعود بن علي بن محمد الصواني ، ذكر ه في الأمل .

الشيخ أبو علي ، محمد بن الفضل الطبرسي .

الشيخ حسن بن أحمد بن طحال المقدادي ، ذكره الحر في « أمل الآمل » .

الشيخ أبو علي ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المفسّر صاحب « تفسير مجمع البيان » .

الشيخ جمال الدين ، أبو الفتوح ، الحسين بن علي بن محمد بن أحمد الخزاعي الرازي النيسابوري ، المفسّر الأديب ، المعروف بأبي الفتوح الرازي .

الشيخ أبو الحسين ، سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي المعروف ب-« القطب الراوندي » صاحب « الخرائج والجرائح » .

الأستاذ أبو جعفر بن كميح .الأستاذ أبو القاسم بن كميح .

ص: 21

قال في كتاب المناقب : وأمّا أسانيد كتب المفيد ، فعن أبي جعفر وأبي القاسم ابني كميح عن أبيهما عن ابن البراج عن الشيخ . .

وقد أورد ابن شهرآشوب في مقدّمة كتابه « المناقب » طرق رواياته لكتب أهل السنة الستة ، وغيرها من كتبهم ، كما أورد طرق رواياته لكتب علماء الشيعة كالشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والسيدين الشريفين الرضي المرتضى ، وابن بابويه الصدوق ، والكليني ، وابن شاذان ، وابن فضال ، وابن الوليد ، وابن الحاشر ، وعلي بن إبراهيم ، والحسن بن حمزة ، والصفواني ، والعبدكي ، والفلكي ، وغيرهم . .

ومن رجع إلى مقدّمة كتاب المناقب اطلع على كثير من مشايخ ابن شهرآشوب ، واتّضح له سعة اطلاعه على فنون العلم .

مؤلفاته

أورد ابن شهرآشوب رحمه الله أسماء مؤلفاته التي كان قد ألّفها قبل « معالم العلماء » في ترجمة نفسه في « باب الميم » وهي :

مناقب آل أبي طالب ، وهو هذا الكتاب ، وسيأتي الكلام عنه .

مثالب النواصب ، قال الشيخ في الذريعة « القسم المخطوط » : توجد نسخته المخطوطة في خزانة السيد ناصر حسين الهندي ، وهي بحجم مناقبه ، وتوجد نسخة أخرى مخطوطة في طهران في مكتبة السيد محمدالمحيط ، على ما في بعض الفهارس .

ص: 22

المخزون المكنون في عيون الفنون نقل عنه مؤلفه في كتابه المناقب .

الطرائق في الحدود والحقائق ، ذكره الشيخ في الذريعة بعنوان « إعلام الطرائق . . »

مائدة ، ذكره مؤلفه في بعض إجازاته ، كما ذكره الأفندي في « الرياض » .

المثال في الأمثال ، ذكره مؤلفه في بعض إجازاته ، كما ذكره الأفندي في « الرياض » .

معالم العلماء ، يتضمّن « 1021 » ترجمة ، وفي آخرها « فصل فيما جهل مصنّفه » ، و« باب في بعض شعراء أهل البيت عليهم السلام » ،

الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول ، ذكره الشيخ في الذريعة .

الحاوي ، ذكره الشيخ في الذريعة .

متشابه القرآن ، طبع هذا التفسير بطهران 1369 ه بعنوان « متشابه القرآن ومختلفه » في جزأين .

الأوصاف ، ذكره الشيخ في الذريعة .

المنهاج ، ذكره الشيخ في الذريعة في القسم المخطوط .

الفصول في النحو ، ذكره له السيوطي في بغية الوعاة ، وكذا الفيروز آبادي في البلغة .

كتاب الجديدة ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : جمع فيه فوائد وفرائد جمّة .وغيرها من الكتب التي ذكرها المترجمون له .

ص: 23

شعره

قال التفريشي في كتاب « نقد الرجال » : إنّ ابن شهرآشوب : كان شاعرا بليغا منشئا(1) .

فهو كما يبدو من كتابه المناقب من الشعراء المقلّين وليس من المكثرين ، لأنّه كان مشغولاً عن الشعر بالعلوم الأخرى ، ويلاحظ أنّ شعره ليس من الطبقة العليا ، شأنه شأن سائر العلماء الذين لا يتّخذون الشعر ديدنا لهم ، فهم ليسوا من المتخصّصين فيه ، فلا يجيدوا كلّ الإجادة ، وستمرّ عليك نماذج من شعره منثورة في ثنايا كتابه هذا . .

وفاته

عاش المؤلف رحمه الله في بغداد ، ثم هاجر في عهد أمراء آل حمدان الى حلب من بلاد سوريا ، وسكن بها الى أن توفي هناك في « 22 شهر شعبان سنة 588 ه 1192 م » وله من العمر تسع وتسعون سنة وشهران .

ودفن في سفح جبل هناك يسمّى « جوشن » ، وهي مقبرة دفن فيها كبار علماء الشيعة في حلب ، وهو مشهد « المحسن السقط » ابن الإمام أبي عبد اللّه الحسين ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام .

قال الحموي في معجم البلدان مادة « جوشن » :« جوشن » بالفتح ثم السكون وشين معجمة ونون . . جبل مطلّ على

ص: 24


1- نقد الرجال للتفريشي : 4/276 .

حلب في غربيها في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة ، وقد أكثر شعراء حلب من ذكره جدا . .

ثم قال : جوشن جبل في غربي حلب ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي عليهماالسلام ونساؤ ، وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزا وماءا فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم فمن الان من عمل فيه لا يربح ، وفى قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمى مشهد الدكة ، والسقط يسمّى « محسن بن الحسين »(1) .

ص: 25


1- معجم البلدان للحموي : 2/186 .

ص: 26

الكتاب وعملنا فيه

اشارة

قال الشيخ الآقا بزرگ الطهراني في الذريعة(1) :

« مناقب آل أبي طالب » في مجلدين طبع في سنة 1313 في بمبئي ، وفي خزانة الحاج علي محمد نسخة كتب عليها أنّ المستنسخ منها كان بخطّ أبى القاسم بن إسماعيل بن عنان الكتبي الوراق الحلّي في سنة 658 .

والكتاب للشيخ رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني ، المتوفى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة 588 ، وقد أثنى عليه الصفدي في « الوافي » ، والفيروز آبادي في « البلغة » ، والسيوطي في « البغية » .

ويأتي منتخبه الموسوم ب-« نخب المناقب » .

أول المناقب : « الحمد للّه الذي خلقني فهو يهدين » .

وقد طبع كتاب المناقب في بمبي ، سنة 1313 في أربعة أجزاء طبعة رديئة جدّا ، ثم طبع في إيران مرّتين في جزءين سنة 1317 ه طبعة غير خالية من الأغلاط .

ص: 27


1- الذريعة : 22/318 رقم 7264 .

ثم بادر الشيخ محمد كاظم الكتبي رحمه الله فجدّد طبعه بمطبعته الحيدرية في ثلاثة أجزاء ، قام بتصحيحه ومقابلته على نسخ خطّية لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، وذلك سنة 1375 ه سنة 1956 م ، وكانت أقرب النسخ المطبوعة الى النسخة المخطوطة ، ولذلك اعتمدناها في العمل كأصل . .

ثم طبع بعد ذلك عدّة مرّات في أجزاء في إيران وبيروت ، وكانت الطبعات كلّها لا تخلو من أغلاط مخلّة أحيانا .

كما أنّ الملاحظ في جميع الطبعات السابقة للكتاب أنّها أهملت التبويب وفرز العناوين وتمييز المطالب والمناقب الواردة في الكتاب ، فجاء الكتاب متداخلاً في مواضيعه ، مرتبكا في تصنيفه ، يصعب على من يرده أن يصل الى مراده بسهولة .

والذي يظهر من كلام المؤلف في مقدّمته حيث يقول : « وافتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء والمرسلين ، ثم بذكر الأئمة الصادقين عليهم السلام ، وختمته بذكر

الصحابة والتابعين » ، أنّ كتاب المناقب يتضمّن أحوال الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام ، إلاّ أنّ الموجود منه في الأيدي هو في أحول الأئمة

عليهم السلام إلى الإمام العسكري عليه السلامفقط .

قال العلامة الميرزا النوري رحمه الله في خاتمة مستدرك الوسائل : « لم نعثر على أحوال الحجّة عليه السلام منه ، ولا نقله من تقدّمنا من سدنة الأخبار كالمجلسي والشيخ الحرّ وأمثالهما » .

وربما يتوهّم أنّه لم يوفق لذكر أحواله عليه السلام إلاّ أنّ عبارة المؤلف رحمه الله تؤكد أنّه ذكر أحوال الصحابة والتابعين أيضا حيث يقول : « وختمته

ص: 28

بذكر الصحابة والتابعين » ، وفي ذلك إشارة واضحة أنّه قد فرغ من ذكر الأئمة عليهم السلام جميعا والصحابة والتابعين ، كما هو ظاهر من قوله « ختمته » .

* * *

منهج الكتاب

وقد امتاز الكتاب بمنهجيته وترتيبه إلاّ أنّ طبعاته السابقة كانت متداخلة متشابكة الى حدّ أفقدته ترتيبه وتسلسل المطالب فيه نتيجة عدم تقطيعها وفرزها .

وقد ذكر المؤلف في مقدّمته منهجه في الكتاب وأسانيده ومصادره وطريقة عمله بتفصيل أغنانا عن التعرّض لذلك في مقدّمتنا .

ونكتفي هنا بالإشارة الى أنّ الكتاب قائم على إلزام الخصم بما يلتزم ، فربما نقل فيه ما لا ينسجم مع عقائد الشيعة أحيانا ، أو لا ينسجم مع الذوق الشيعي الإمامي ، إلاّ أنّ حجّته فيه ما ذكرناه من المخاصمة والإلزام .

وقد تعرّضنا - في الغالب - الى تلك الموارد في الهامش بشكل مقتضب بمقدار الإشارة الى الحقّ ، وربما فاتنا شيء أو غفلنا عن التعليق على مورد رغم مخالفته للعقائد الحقّة ممّا ورد في ثنايا الكتاب من أخبار العامّة ، لضخامة العمل وقلّة البضاعة ، فما ورد في هذا الكتاب ممّا يرضي اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله والأئمة الطاهرين عليهم السلام ، فهو رضا لنا ، وما لم يرضهم ، فنحن والمؤلف منه براء .

* * *

ص: 29

أكّد المؤلف رحمه الله في كتابه « المناقب » على جانب الولاية ، واحتجّ للموالف

والمخالف على وجوب المودّة والتولّي لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله ، وترك الكلام عن الجانب الآخر للعقيدة ، وهو البراءة ، الى كتابه « المثالب » ، ولهذا قد ترى في بعض المواضع ما يتصوّره القارى ء نقصا في الكتاب ، بيد أنّه ليس نقصا ، وإنّما هو مراعاة لنظم الكتاب ومنهجه ، وتعويلاً على ما في كتابه المثالب .

* * *

الآيات

كان المؤلف رحمه الله حافظا للقرآن منذ صباه ، وقد استفاد من هذه النعمة في كتابه ، حيث تراه غالبا ما يبدأ الباب أو الفصل أو الموضوع الذي يريد الدخول فيه بالآيات ، ثم يذكر الأخبار ، ثم الأشعار .

وربما وظّف عددا كبيرا من الآيات واسترسل في تلاوتها في كلّ المواضيع التي أراد الاستشهاد بها بطريقة تثير إعجاب القارى ء ، بل تفاجئه أحيانا ، كما سترى في استخراج أسماء النبي صلى الله عليه و آله من القرآن ، وغيره من المواضع .

ولمّا كان المؤلف رحمه الله يعتمد على حفظه للقرآن فربما استبدل الواو بالفاء أو الفاء بالواو في بداية الآية ، وربما استدلّ لكلامه بمجموع آيتين توحي للقارى ء كأنّها آية واحدة ، وقد ميّزنا ذلك وأمثاله من خلال حصر كلّ جزء بين قوسين منجمين ، ليبقى الكلام على ما هو عليه وفي نفس الوقت يتميّز كلّ جزء من أجزاء الآية عن الآية الأخرى ، ولعلّ المؤلف رحمه الله فعل ذلك غير أنّ يد النسّاخ أسقطته .

ص: 30

ثم إنّنا تركنا ارجاع الآيات ، وذكر مواضعها من القرآن الكريم ، وذلك لأنّنا حصرناها بين قوسين منجمين ، وميّزناها في نوع الخطّ ، وقد كثرت في هذه الأيام المعاجم والأقراص المضغوطة والفهارس القرآينة بحيث يسهل على كلّ راغب أن يصل الى الآية التي يريدها بسرعة .

ثم إنّنا لو استخرجناها وذكرنا ذلك في متن الكتاب بين معقوفتين سيظهر متن الكتاب مزدحما ، وإذا أنزلناها الى الهامش ، فستجعل الهامش مكتظّا ، إضافة الى ما تقتضيه من مساحات واسعة من الكتاب .

* * *

الشعر

يجد القارى ء كمية ضخمة جدّا من الشعر ، وظّفها المؤلف رحمه الله أجمل توظيف في كلّ موضع احتاج فيه الى الاستشهاد به ، وغالبا ما يختم الفصول والمواضيع بما يناسبها من الأبيات .

وقد تركنا التدقيق في الشعر وتخريجه إلاّ في موارد خاصة ، وذلك لأنّ كتاب المناقب يعدّ مصدرا لها ، وما هو موجود في الدواوين منقول عنه ، أو لإنّنا لم نعثر على بعض الدواوين . . .

* * *

التخريج والتوثيق

أكدّ المؤلف رحمه الله في مقدّمته على ذكر المصادر والأسانيد ليخرج كتابه عن حدّ المراسيل ، ويثق القارى ء بما يسمع منه ، ولكي يتحقّق مراده رحمه الله

ص: 31

حاولنا أن نخرّج ما رواه في الكتاب ، ونذكر المصادر تخريجا وتوثيقا ، ونذكر ذلك في الهامش ، والتزمنا أن لا نخرّج إلاّ من المصادر التي سبقت المؤلف رحمه الله ، أو من كتب المعاصرين له ، سوى بعض المواضع النادرة .

وكان التخريج صعبا شاقا لأنّ المؤلف رحمه الله لا يلتزم نقل النصّ حرفيا دائما ، وربما نقل بالمعنى أو المضمون .

ولا يخفى أنّ بعض مصارده مفقودة اليوم ، أو أنّها موجودة ولكنّها بعيدة المنال ، أو لم نوفق للوصول اليها مع إمكان الحصول عليه .

وقد حصلنا على بعض المصادر بعد أن أشرف عملنا على الانتهاء ، فتركنا مراجعتها للتسريع في إخراج العمل . . .

ثم إنّنا لم نكثر من التوثيق حتى لو وجدنا للخبر مصادر كثيرة .

وتركنا ترميم النصوص إلاّ في المواضع الضرورية التي تؤثر على فهم النصّ مثلاً ، وذلك لأنّنا لو شئنا ترميمها وتتميمها يلزم أن نضع كتابا أضعاف هذا الكتاب من جهة ، ومن جهة أخرى نخرج عن غرض المؤلف من تأليف الكتاب ، حيث لاحظنا أنّ أغلب الموارد التي اختصر فيها المؤلف ، أو نقل بالمعنى ، كان يهدف الى غرض ما ، كأن يكون الخبر يحتوي على ما لا يرتضيه المؤلف في عقيدته ، أو أنّ فيه ما يثير الخصم المخاطب إثارة تبعده عن التزام الحقّ ، وتقرّبه الى التعصّب للباطل ، أو ما شاكل ، ولعلّه يروي بالمضمون أحيانا لاعتماده على الذاكرة والحفظ .

* * *

ص: 32

العناوين

كانت مواضيع الكتاب متداخلة بحكم الإخراج والطباعة في الطبعات السابقة ، وقد قطّعناها بحسب المواضيع والمطالب التي ذكرها المؤلف رحمه الله ونظمناها تحت عناوين أصلية وفرعية وضعناها بين معقوفتين [ ] ، وربما جعلنا لكلّ خبر أو موضوع عنوانا مستقلاً حتى لو كان سطرا واحدا ، بحيث صارت العناوين فهارس موضوعية للكتاب ، كما سترى ذلك من خلال تصفّح أجزاء الكتاب كلّه .

* * *

النسخ

اعتمدنا على نسختين خطّيتين تفضّل بأحدهما سماحة العلامة السيد أحمد الأشكوري ، وكانت من درر مكتبه « ذخائر التراث » ، وهي من أنفس النسخ ، وقد تمّ الفراغ من استنساخها سنة « 589 ه » ، وقد تضمّنت الجزء الأول « نبوّة النبي صلى الله عليه و آله » والثاني « الإمامة وبداية إمامة أمير المؤمنين عليه السلام » حسب ترتيب الناسخ .

والنسخة الثانية تفضّل بها سماحة السيد حسن الموسوي البروجردي حفظه اللّه ورعاه ، وهي تشترك مع نسخة مكتبة الذخائر في الجزئين الأولين وتزيد عليها بباقي الأجزاء ، ولكنّها تختلف عنها في بقية الأجزاء بتاريخ النسخ ، وكان فيها شيء من الإرتباك في أرقام الصفحات ومطالب الكتاب تقديما وتأخيرا .

* * *

ص: 33

لم نلتزم بما ورد في الكتاب عند ذكر النبي صلى الله عليه و آله وآل البيت عليهم السلام بالصلوات والتسليم ، فهو قد يذكر النبي صلى الله عليه و آله بالسلام فقط ، وقد يذكر بعض الآل دون ذكر السلام .

* * *

ختاما

حاولت جهد الإمكان أن يكون العمل جادّا يخرج الكتاب في حلّة جديدة ، تمتاز بالتوثيق والتحقيق والعناوين التي تسهّل على المراجع والقارى ء الوصول بيسر وسهولة الى ما يريده من الكتاب باعتباره مرجعا مهمّا ، ومصدرا ثرّا لا يكاد المؤلّف والمحقّق والخطيب والمثقّف وطالب الحقّ والباحث في مجال موضوع الكتاب يستغني عنه .

وقد استغرق العمل فيه سنوات عديدة ، والذي هوّن عليّ العمل وجعله سهلاً لذيذا أنّه تحليق في عالم المناقب ، وسماع لكرامات أفضل البشر أجمعين من الأولين والآخرين ، وهو أفضل العبادات ، كما وردت به الأخبار عن النبي الأمين صلى الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام .

وإنّما صرفت فيه سنوات من عمري رغبة في رضا الربّ الرحيم والرسول الكريم والأئمة المعصومين ، سيما سيدنا وحبينا سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة أجمعين ، الإمام الغريب والعطشان السليب ، الحسين الحبيب عليهم السلام .

ص: 34

وأقول كما قال المؤلف رحمه الله : « ونظمته للمعاد لا للمعاش ، وادخرته للدين لا للدنيا ، فأسأل اللّه - تعالى - أن يجعله سبب نجاتي ، وحطّ سيئاتي ، ورفع درجاتي ، إنّه سميع مجيب » .

* * *

وأخيرا

أتقدّم بالشكر لأخي الأستاذ الحاج محمد صادق الكتبي - حفظه اللّه ورعاه - على ما بذله من اهتمام في سبيل طبع هذا الكتاب ، وليس ذلك بجديد عليه ، فقد ورث هذا الحظّ الوافر في نشر آثار آل محمد صلى الله عليه و آله من أبيه المرحوم الشيخ كاظم الكتبي الذي ساهم في نشر الكثير من تراثنا الثرّ ، وكانت الطبعة الأولى من كتاب المناقب في النجف الأشرف على يديه المباركتين ، جزاهم اللّه خيرا .

ثم أشكر ولدي وقرّة عيني السيّد حسن أشرف على ما بذله من جهد كبير في إخراج الكتاب بهذه الحلّة القشيبة الجميلة ، شكر اللّه سعيه ، وتقبّل منه ، وجعله ذخرا له في الدنيا والآخرة .

* * *

وأسأل اللّه الرؤوف الرحيم أن يتقبّل منّا هذا القليل - على ما فيه - ، ويرفعه الى سيدنا ومولانا وجدّنا سيد الخلق أجمعين ، وأخيه سيد الأوصياء أمير المؤمنين ، وأمّنا فاطمة الزهراء سيدة العالمين ، والأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلوات أجمعين ، ويجعله لنا ولمن قرأه مؤمنا ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون .

ص: 35

اللّهم لا تفرّق بيننا وبين سيد الشهداء الحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا ، واجعل وجه الحسين عليه السلام آخر وجه نراه في الدنيا ، وأول وجه نراه في القبر ويوم يقوم الناس لربّ العالمين ، وارحمني به وأولادي وأزواجي ووالديّ ومن ولدهما ومن ولدا ، والمؤمنين والمؤمنات .

اللّهم وعجّل لوليّك الفرج والنصر والعافية ، واجعلنا من أعوانه وأنصاره والمسلّمين له والمستشهدين بين يديه ، واغفر لنا ولوالدينا ومن ولدوا ، « إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » .

السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني

9/3/1431

ص: 36

[ المقدمة ]

ص: 37

ص: 38

[ وبه الثقة (1)]

الحمد للّه « الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ » .

وصلّى اللّه على سيدنا نبيه محمد صلى الله عليه و آله خاتم النبيين ، وعلى أخيه ووصيّه

وبعل ابنته أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .

سبب تأليف الكتاب

قال محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني : لمّا رأيت كفر العداة والشراة(2) بأمير المؤمنين عليه السلام ، ووجدت الشيعة والسنة في أمامته(3) مختلفين ، وأكثر الناس عن ولاء أهل البيت ناكصين(4) ، وعن ذكرهم

ص: 39


1- من المخطوطة .
2- الشراة كقضاة هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب صفين ، وإنّما لزمهم هذا اللقب لأنّهم غضبوا ولجّوا ، وأمّا هم فقد زعموا أنّهم شروا دنياهم بالآخرة التي باعوا . مجمع البحرين مادة « شري » .
3- في نسخة « النجف » : « فيه مختلفين » .
4- النكوص : الإحجام ، ونكص عن الأمر : أحجم ، ونكص على عقبيه : رجع عمّا كان عليه من الخير .

هاربين ، وفي علومهم طاعنين ، ولمحبّتهم كارهين ، انتبهت من نومةالغافلين ، وصار لي ذلك لطفا إلى كشف الأحوال ، والنظر في اختلاف الأقوال ، فإذا هو ممّا روته العامة من أحاديث مختلفة ، وأخبار مضطربة ، عن الناكثين والقاسطين والمارقين ، والخاذلين والواقفين ، والضعفاء والمجروحين ، والخوارج والشاكين .

« وما آفة الأخبار إلاّ رواتها »

فإذا هم مجتمعون على إطفاء نور اللّه تعالى ، ألا ترى أنّ أزكاهم قد ألغى(1) حديث الخاتم ، وقصة الغدير ، وخبر الطير ، وآية التطهير(2) .

وأنّ أنصفهم قد كتم حديث الكهف ، والإجابة ، والتحف ، والارتقاء .

وأنّ خيرهم قد طعن في حديث : أنا مدينة العلم ، وحديث اللوح .

وأنّ أشهرهم قد توقّف عن حديث الوصية ، وتأويل : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » ، ونعم المطية .

فقلت : « إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ » ، « أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ » ، « فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ » .

ووجدت جماعة يؤولون الأخبار المجمع عليها نحو : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وإنّي تارك فيكم الثقلين « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » ، « وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ » .

ص: 40


1- في نسخة « النجف » : « القى » .
2- سيأتي تخريج كلّ ما ذكره في المقدمة في مواضعه من الكتاب .

وجماعة جعلوا مقابل كلّ حقّ باطلاً ، وبإزاء كلّ مقال قائلاً ، مثل :الحسن والحسين عليهماالسلام سيدا شباب أهل الجنة ، وكان أحبّ الناس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الرجال علي عليه السلام ، ومن النساء فاطمة عليهاالسلام .

وغروا(1)(2) الجاهل بمقالات باطلة « وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ » و « قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً » « وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ » .

وجماعة زادوا في الأخبار أو نقصوا منها ، نحو : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ولا يقولون ما بعده من الدعاء ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، ولا يذكرون : ولو كان لكنت ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ولا يروون : وأبوهما خير منهما .

وروى بعضهم عن علي عليه السلام أنّه قال لعمر بن الخطاب : أما علمت أنّ القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ(3) . فترك أول الحديث وهو :

إنّ عمرا همّ أن يقيم الحدّ على مجنونة زنت ، وترك الخبر ، وهو قول عمر : قد كدت أهلك بحدّ هذه المجنونة « فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ » .

ص: 41


1- في « المخطوطة » : « غرور » .
2- غرّه : خدعه وأطمعه في الباطل .
3- البخاري : 8/21 ، سنن أبي داود : 2/339 رقم 4400 ، السنن الكبرى للبيهقي : 8/264 ، مسند ابن الجعد : 120 .

وجماعة نقلوا مناقبهم إلى غيرهم ، كحديث سدّ الأبواب ، وصالحالمؤمنين ، والاسم المكتوب على العرش ، وتسليم جبرئيل عليه السلام .

يروي مناقب فضلها أعداؤها

أبدا ويسندها إلى أضدادها

« الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآْخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ "وَيَبْغُونَها عِوَجاً" أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ » .

وجماعة يجرحون رواة المناقب ، ويطعنون في ألفاظها ، ويقدحون في معانيها ، ويعدّلون الخوارج فيما حملوا من فضائل أعدائهم ممّا لا يقبلها العقل ، ولا يضبطها النقل .

إذا ما روى الراوون ألف فضيلة

لأصحاب مولانا النبي محمد

يقولون هذا في الصحيحين مثبت

بخطّ الإمامين الحديث فسدّد

ومهما روينا في علي فضيلة

يقولون هذا من أحاديث ملحد

« سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ » .

وجماعة يذكرون أكثر المناقب ، مثل : حديث الحباب والثعبان والأسد والجان والسفرجل والرمان ، فيقولون : « هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ »و « بُهْتانٌ عَظِيمٌ » .

إذا في مجلس ذكروا عليا

وسبطيه وفاطمة الزكيه

يقول الحاضرون ذروا فهذا

سقيم من حديث الرافضيه

« وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ » .

ص: 42

وجماعة جعلت الأمّة من آل محمد صلى الله عليه و آله ، والصحابة من العترة ، والنساءمن أهل البيت ، وأنكرت أن يكون أولاد الرسول عليهم السلام ذريّته وآله .

قال الباقر عليه السلام : « فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا » في آل محمد صلى الله عليه و آله « قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ »(1) .

وزلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها(2) ، بل إذا زلّ العالم يزلّ بزلّته العالم(3) .

وجماعة من السفساف(4) حملهم العناد على أن قالوا : كان أبو بكر أشجع من علي عليه السلام ، وأنّ مرحبا(5) قتله محمد بن مسلمة(6) ، وأنّ ذا الثدية(7) قتل بمصر ، وأنّ في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميرا

ص: 43


1- الكافي : 1/423 ح58 .
2- غرر الحكم : 47 ح233 ، التعجب للكراجكي : 30 .
3- المبسوط للسرخسي : 16/62 ، تاريخ دمشق : 47/460 ، ذم الكلام وأهله للهروي : 4/284 .
4- السفساف : هو الرديء من كلّ شيء .
5- مرحب : يهودي من خيبر ، يعدّ من أبطال اليهود وفرسانها ، برز شاكي يدعو للمبارزة ، فخرج اليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وعجّل به الى جهنم على حدّ سيفه البتار .
6- هو محمد بن مسلمة الأوسي المدني الأنصاري ، صحابي من المخضرمين ، أسلم على يد مصعب بن عمير ، وشهد بدرا وما بعدها إلاّ تبوك ، وتخاذل عن نصرة الحقّ في الجمل وصفين ، فلم يشهدهما . .
7- في الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي : 2/248 : ذو الثدية : كسمية لقب حرقوس بن زهير ، كبير الخوارج ، قتل يوم النهروان . روى أهل السير كافة أنّ عليا عليه السلام لمّا طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا ، وقلّب القتلى ظهرا لبطن ، فلم يقدر عليه ، فساءه ذلك ، وجعل يقول : واللّه ما كذبت ولا كذبت ، اطلبوا الرجل ، وإنّه لفي القوم ، فلم يزل يتطلّبه حتى وجده ، وهو رجل مخدج اليد كأنّها ثدي في صدره . وروى عن حبّة العرني رحمه الله قال : كان رجلاً أسود منتن الريح ، له يد كثدي المرأة ، إذا مدّت كانت بطول اليد الأخرى ، وإذا تركت اجتمعت وتقلّصت وصارت كثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شوارب الهرة . فلمّا وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ، ثم جعل علي عليه السلام ينادي : صدق اللّه وبلّغ رسوله ، لم يزل يقول ذلك وأصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت . روى الخطيب في تاريخ بغداد ما ملخصه : إنّه لمّا فرغ أمير المؤنين عليه السلام من قتال أهل النهروان قفل أبو قتادة الأنصاري ، فبدأ بعائشة ، قالت : ما وراءك : قال : فأخبرتها أنّه لمّا تفرقت المحكمة من عسكر أمير المؤنين عليه السلام لحقناهم فقتلناهم ، قالت : قصّ عليّ القصة ، فقلت : يا أم المؤنين ، تفرّقت الفرقة ، وهم نحو من اثني عشر ألفا ينادون : لا حكم إلاّ للّه ، قال علي عليه السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل ، فقاتلناهم بعد أن ناشدناهم اللّه وكتابه ، فقالوا : كفر عثمان وعلي وعائشة ومعاوية ، فلم نزل نحاربهم وهم يتلون القرآن ، فقاتلناهم وقتلوا ، وولى منهم من ولى ، فقال علي عليه السلام : لا تتبعوا موليا ، فأقمنا ندور على القتلى حتى وقفت بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلي راكبها ، فقال : اقلبوا القتلى ، فأتيناه وهو على نهر فيه القتلى ، فقلبناهم حتى خرج في آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدي ، فقال علي عليه السلام اللّه أكبر ، واللّه ما كذبت ولا كذبت ، كنت مع النبي صلى الله عليه و آله ، وقد قسم فيئا ، فجاء هذا فقال : يا محمد اعدل ، فواللّه ما عدلت منذ اليوم ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : ثكلتك أمّك ، ومن يعدل عليك إذا لم أعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا رسول اللّه ألا اقتله ؟ فقال صلى الله عليه و آله : لا دعه ، فان له من يقتله . قال : فقالت عائشة : ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحقّ : سمعت النبي صلى الله عليه و آلهيقول : تفترق أمّتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة ، محلّقون رؤسهم ، محفون شواربهم ، أزرهم إلى انصاف سوقهم ، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم إليّ ، وأحبّهم إلى اللّه تعالى . قال : فقلت : يا أم المؤنين ، فأنت تعلمين هذا ، فلم كان الذي منك ؟ . .

ص: 44

على علي عليه السلام ! ! وربما قالوا : قرأها أنس بن مالك ، وأنّ محسنا ولدته فاطمة عليهاالسلام في زمن النبي صلى الله عليه و آله سقطا ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، وأنّ صدقة النبي صلى الله عليه و آلهكانت بيد علي عليه السلام والعباس ، فمنعها علي عليه السلام عباسا ، فغلبه عليها .

ومن ركب الباطل زلّت قدمه(1) « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْعَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ » .

وجماعة جاهروهم بالعداوة ، كما طعن النظّام(2) في أحكامه عليه السلام في كتابيه « الفتيا » و« النكت » .

وكقول الجاحظ : ليس إيمان علي بإيمان ، لأنّه آمن وهو صبي ، ولا شجاعته بشجاعة لأنّ النبي صلى الله عليه و آله قد أخبره أنّه يقتله ابن ملجم .

ونسبه جماعة إلى أنّ حروبه كانت خطأ ، وأنّه قتل المسلمين عمدا .

ص: 45


1- غرر الحكم : 71 ح1033 .
2- النظّام : هو إبراهيم بن سيار بن هانيء البصري ، أبو إسحاق النظام ، تبحّر في علوم الفلسفة ، واطلع على ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين ، وانفرد بآراء خاصة به تابعته عليها فرقة من المعتزلة سمّيت « النظامية » نسبة اليه ، توفي سنة 231 ه . انظر الأعلام للزركلي : 1/46 .

وقول هشيم(1) : كان لعلي ولد صغار وقد قتل الحسن عليه السلام ابن ملجم ولم ينتظر به .

وقول القتيبي : أول خارجي في الإسلام الحسين عليه السلام .

« فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » .

ولعمري إنّ هذا لأمر عظيم ، وخطب في الإسلام جسيم ، بل هو كما قال اللّه تعالى : « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ(2) الْمُبِينُ » ، فصار الغوغاء يزعقون(3) على المحدّثين والمذكرين في ذكرهم عليا عليه السلام حتى قال الشاعر :

إذا ما ذكرنا من علي فضيلة

رمينا بزنديق وبغض أبي بكر

وقال الآخر :وإن قلت عينا من علي تغامزوا

عليّ وقالوا قد سببت معاويه

« أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ » .

وبقي علماء الشيعة في أمورهم تائهين ، وعلى أنفسهم خائفين ، وفي الزوايا منحجرين ، بل حالهم كحال الأنبياء والمرسلين ، كما حكى اللّه - تعالى - عن الكافرين : « لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الُْمخْرَجِينَ » ، « لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ » ، « لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » ،

ص: 46


1- هشيم - بالتصغير - ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي ، أبو معاوية الواسطي ، كثير التدليس ، من السابعة ، مات سنة ثلاث وثمانين ، وقد قارب الثمانين .
2- في « المخطوطة » ونسخة « النجف » : « الضلال » .
3- الزعق : الصياح .

« وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » .

فقلت : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالِّينَ » .

فعلى من يعتمد ؟ والى رواية من يستند ؟ فالكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال(1) ، ولا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا يحبّون الناصحين(2) ، ولا خير في الكذابين ، ولا العلماء الأفّاكين(3)(4) ، لقد قلّ من يوثق به(5) ، وعزّ من يؤخذ عنه .

فنظرت بعين الإنصاف ، ورفضت مذهب التعصب في الخلاف ، وكتبت على نفسي أن أميز الشبهة من الحجّة ، والبدعة من السنة ، وأفرق بينالصحيح والسقيم ، والحديث والقديم ، وأعرف الحقّ من الباطل ، والمفضول من الفاضل ، وأنصر الحقّ وأتبعه ، وأقهر الباطل وأقمعه ، وأظهر ما كتموا ، وأجمع ما فرّقوا ، وأذكر ما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ، على ما أدّته الرواية ، وأشير إلى ما رواه الخاصة « أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ » .

ص: 47


1- نهج البلاغة : 391 خ31 ، تحف العقول : 69 .
2- غرر الحكم : 225 ح4557 .
3- غرر الحكم : 220 ح4384 .
4- الأفاك : الذي يأفك الناس ، أي يصدّهم عن الحقّ بباطله . « لسان العرب » .
5- غرر الحكم : 123 ح2149 ، وفيه : « قد كثر الكذب حتى قلّ من يوثق به » .

فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معا ، لأنّه إذا اتفق المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما ، وشاهد للمحقّ في اعتقاده منهما ، وإذا اعتقدت فرقة خلاف ما روت ، ودانت بضدّ ما نقلت وأخبرت ، فقد أخطأت ، وإلاّ فلم يروي الانسان ما هو كذب عنده ، ويشهد بما يعتقد فيه ضدّه ، وكيف يعترف بما يحتجّ به خصمه ، ويسطّر ما يخالفه علمه !

ولا عجب في رواياتهم ممّا هو حجّة عليهم ، فقد أنطقهم « اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » ، وإن كان الشيطان يثبت غروره ، فقد « يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ » .

فوفقت في جمع هذا الكتاب ، مع أنّي أقول : مالي وللتصنيف والتأليف ؟ مع قلّة البضاعة ، وعظم شأن هذه الصناعة ، إلاّ أنّني في ذلك بمنزلة رجل وجد جوهرا منثورا ، فاتخذ له عقدا منظوما ، وكم دنف نجا ، وصحيح [قد ] هوى(1) ، وربما أصاب الأعمى قصده ، وأخطأ البصير رشده(2) .

طرق المؤلف

وذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم والديانة بالسماع والقراءة

ص: 48


1- تحف العقول لابن شعبة : 84 .
2- تحف العقول : 84 ، نهج البلاغة : 403 ، وفيهما : « وربما أخطأ البصير قصده ،وأصاب الأعمى رشده » .

والمناولة(1) والمكاتبة والإجازة ، فصحّت لي الرواية عنهم بأن أقول : حدّثني ، وأخبرني ، وأنبأني ، وسمعت ، واعترف لي بأنّه سمعه ورواه كما قرأته وناولني من طرق الخاصة .

طرق العامة

وأمّا طرق العامة :

فقد صحّ لنا :

[ 1 ] إسناد البخاري عن أبي عبد اللّه محمد بن الفضل الصاعد الفراوي(2) ، وعن أبي عثمان سعيد بن عبد اللّه العيار الصعلوكي ، وعن الخبازي ، كلّهم عن أبي الهيثم الكشميهني عن أبي عبد اللّه محمد الفريري عن محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري ، وعن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجري عن الداودي عن السرخسي عن الفريري عن البخاري .[ 2 ] إسناد مسلم عن الفراوي(3) عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي النيسابوري عن أبي أحمد "بن" محمد بن عمرويه الجلودي عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه عن أبي الحسين مسلم بن حجاج النيشابوري .

ص: 49


1- ناوله : عاطاه ، وفي اصطلاح أهل الدراية : المناولة أن يناوله الشيخ كتابا ، وهي ضربان : مقرونة بالإجازة ، ومجردة عنها . انظر لسان العرب مادة : نول .
2- في نسخة « النجف » : « الفراري » . والفراوي : هو محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد ، أبو عبد اللّه الصاعدي الفراوي ، شافعي ، مولده ووفاته في نيسابور ، توفي سنة 530 ه ، له تصانيف .
3- نسخة « النجف » : « الفراري » .

[ 3 ] إسناد الترمذي عن أبي سعيد محمد بن أحمد الصفار الأصفهاني عن أبي القاسم الخزاعي عن أبي سعيد بن كليب الشاشي عن أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي .

[ 4 ] إسناد الدارقطني عن أبي بكر محمد بن علي بن محمد بن ياسر الجبائي عن المنصوري عن أبي الحسن المهراني عن أبي الحسن علي بن مهدي الدارقطني .

[ 5 ] إسناد معرفة أصول الحديث عن عبد اللطيف بن أبي سعد(1) البغدادي الأصفهاني عن أبي علي الحداد عن الحاكم أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه النيسابوري ابن البيع .

[ 6 ] إسناد الموطأ عن القعنبي وعن معن عن يحيى بن يحيى من طريق

محمد بن الحسن عن مالك بن أنس "الأصبحي" .

[ 7 ] إسناد مسند أبي حنيفة عن أبي القاسم بن صفوان الموصلي عن أحمد بن طوق عن نصر بن المرجى عن أبي القاسم الشاهد العدل البغار .

[ 8 ] إسناد مسند الشافعي عن الجياني عن أبي القاسم الصوفي عن محمد بن علي الساوي عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن محمد بنإدريس الشافعي .

[ 9 ] [ 10 ] إسناد مسند أحمد والفضائل عن أبي سعد بن عبد اللّه الدجاجي عن الحسن بن علي المذهب عن أبي بكر بن مالك القطيفي عن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن حنبل عن أبيه .

ص: 50


1- نسخة « النجف » : « سعيد » .

[ 11 ] إسناد مسند أبى يعلى عن أبي القاسم الشحامي عن أبي سعيد

الكنجرودي عن أبي عمرو الحيري عن أبي يعلى أحمد بن المثنى الموصلي .

[ 12 ] إسناد تاريخ الخطيب عن عبد الرحمن بن بهريق القزاز البغدادي

عن الخطيب أبى بكر ثابت البغدادي .

[ 13 ] إسناد تاريخ الفسوي(1) عن أبي عبد اللّه المالكي عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان عن درستويه النحوي عن يعقوب بن سفيان(2) الفسوي(3) .

[ 14 ] إسناد تاريخ الطبري عن القطيفي عن أبي عبد الرحمن السلمي

عن عمرو بن محمد بإسناده عن محمد بن جرير بن بريد الطبري .

[ 15 ] وهذا إسناد تاريخ أبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري .

[ 16 ] إسناد تاريخ علي بن مجاهد عن القطيفي عن السلمي عن أبي الحسن علي بن محمد دلوية القنطري عن المأمون بن أحمد عن عبد الرحمن بن محمد الدجاج عن ابن جريح عن مجاهد .

[ 17 ] [ 18 ] إسناد تاريخي أبي علي الحسن البيهقي السلامي وأبي علي مسلويه عن أبي منصور محمد بن حفدة العطاري الطوسي عن الخطيب أبي زكريا التبريزي بإسناده إليهما .

ص: 51


1- في نسخة « النجف » : « النسوي » .
2- في نسخة « النجف » : « صفوان » .
3- يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي « أبو محمد » ، محدّث ، حافظ ، مؤرخ ، رحّال ، توفي بفسا سنة « 277 ه » ، من آثاره التاريخ الكبير ، والمشيخة .

[ 19 ] [ 20 ] إسناد كتابي المبتدأ عن وهب بن منبه اليماني عن أبي حذيفة حدثنا القطيفي عن الثعلبي عن محمد بن الحسن الأزهري عن الحسن بن محمد العبدي عن عبد المنعم بن إدريس عنهما .

[ 21 ] إسناد الأغاني عن الفصيحي عن عبد القاهر الجرجاني عن عبد اللّه بن حامد عن محمد ابن محمد عن علي بن عبد العزيز اليماني عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني .

[ 22 ] وهذا إسناد فتوح الأعثم الكوفي .

[ 23 ] إسناد سنن السجستاني عن أبي الحسن الأبنوسي عن أبي العباس بن علي التستري عن الهاشمي عن اللؤلؤي عن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني .

[ 24 ] اسناد سنن اللالكائي عن أبي بكر أحمد بن علي الطرثيثى عن أبي القاسم هبة اللّه بن الحسن(1) الطبري اللالكائي(2) .

[ 25 ] إسناد سنن ابن ماجة عن ابن الناصر البغدادي عن المقريالقزويني عن ابن [ أبي ] طلحة بن المنذر عن أبي الحسن القطان عن أبي عبد اللّه الرقي عن أبي القاسم ابن أحمد الخزاعي عن الهيثم بن كليب الشاشي عن أبي عيسى الترمذي .

ص: 52


1- في نسخة « النجف » : « المحسن » .
2- هو هبة اللّه بن الحسن بن منصور الطبري ، الرازي ، الشافعي ، اللالكائي « أبو القاسم » ، محدث ، حافظ ، متكلّم ، إستوطن بغداد ، وتوفي بالدينور سنة « 418 ه » ، من آثاره « مذاهب أهل السنة » .

[ 26 ] وهذا إسناد شرف المصطفى عن أبي سعيد الخركوشي .

[ 27 ] إسناد حلية الأولياء عن عبد اللطيف الأصفهاني عن أبي علي الحداد عن أبي نعيم "أحمد بن عبد اللّه الاصفهاني" .

[ 28 ] إسناد احياء علوم الدين عن أحمد [ بن محمد ] الغزالي عن أخيه أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي .

[ 29 ] إسناد العقد عن محمد بن منصور السرخسي عمن رواه عن ابن

عبد ربّه الأندلسي .

[ 30 ] إسناد فضائل السمعاني عن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي جدّي عن أبي المظفر عبد الملك السمعاني .

[ 31 ] إسناد فضائل ابن شاهين عن أبي عمرو الصوفي عن القاضي عن

أبي محمد المرندي عن أبي حفص عمر بن شاهين المروزي .

[ 32 ] إسناد فضائل الزعفراني عن يوسف بن آدم المراغي مسندا إلى

محمد بن الصباح الزعفراني .

[ 33 ] إسناد فضائل العكبري عن أبي منصور ما شادة الأصفهاني عن مشيخته عن عبد الملك بن عيسى العكبري .

[ 34 ] إسناد مناقب ابن شاهين عن المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي

الجثي(1) الجرجاني عن الأجل المرتضى الموسوي عن المصنف .[ 35 ] إسناد مناقب ابن مردويه عن الأديب أبي العلا عن أبيه أبى الفضل الحسن بن زيد عن أبي بكر مردويه الأصفهاني .

ص: 53


1- في نسخة « النجف » : « الجثني » .

[ 36 ] إسناد أمالي الحاكم عن المهدي بن أبي حرب الحسني الجرجاني عن الحاكم النيسابوري .

[ 37 ] إسناد مجموع ابن عقدة أبى العباس أحمد بن محمد .

[ 38 ] ومعجم أبى القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بحقّ روايتي عن أبي العلاء العطار الهمداني باسناده عنهما .

[ 39 ] [ 40 ] إسناد الوسيط وكتاب الأسباب والنزول عن أبي الفضائل محمد اليهيني عن أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي .

[ 41 ] إسناد معرفة الصحابة عن عبد اللطيف البغدادي عن والده أبي سعيد عن أبي يحيى ابن منده عن والده .

[ 42 ] [ 43 ] إسناد دلائل النبوة والجامع عن الحسين بن عبد اللّه المروزي عن أبي النصر العاصمي عن أبي العباس البغوي عن أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي .

[ 44 ] [ 45 ] إسناد أحاديث علي بن أحمد الجوهري وأحاديث شعبة بن

الحجاج عن محمد البغوي عن الحراجي عن المحبوي عن ابن عيسى عمّن رواها منهما .

[ 46 ] إسناد المغازي عن الكرماني عن أبي الحسن القدوسي عنالحسين بن صديق الزورعنجي عن محمد بن إسحاق الواقدي .

[ 47 ] [ 48 ] إسناد البيان والتبيين والغرة والفتيا عن الكرماني عن أبي سهل الأنماطي عن أحمد ابن محمد عن أبي عبد اللّه بن محمد الخازن عن علي بن موسى القمي عن عمرو بن بحر الجاحظ .

ص: 54

[ 49 ] إسناد غريب القرآن عن القطيفي عن أبيه عن أبي بكر محمد بن عزيز العزيزي السجستاني .

[ 50 ] إسناد شوف العروس عن القاضي عزيزي عن أبي عبد اللّه

الدامغاني .

[ 51 ] إسناد عيون المجالس عن القطيفي عن أبي عبد اللّه طاهر بن محمد بن أحمد الخربلوي .

[ 52 ] [ 53 ] [ 54 ] [ 55 ] إسناد المعارف وعيون الأخبار وغريب الحديث وغريب القرآن عن الكرماني عن أبيه عن جده عن محمد بن يعقوب عن أبي بكر المالكي عن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة .

[ 56 ] إسناد غريب الحديث عن القطيفي عن السلمي عن أبي محمد

دعلج عن أبي عبد القاسم ابن سلام .

[ 57 ] وهذا إسناد كامل أبى العباس المبرد .

[ 58 ] إسناد نزهة القلوب عن القطيفي وشهرآشوب جدّي كليهما عن أبي إسحاق الثعلبي .

[ 59 ] إسناد أعلام النبوة عن عمر بن حمزة العلوي الكوفي عمّن رواهعن القاضي أبى الحسن الماوردي .

[ 60 ] [ 61 ] إسناد الإبانة وكتاب اللوامع عن مهدي بن أبي حرب الحسني عن أبي سعيد أحمد بن عبد الملك الخركوشي .

[ 62 ] [ 63 ] إسناد دلائل النبوة ، وكتاب جوامع الكلم عن عبد العزيز

ص: 55

عن أحمد الحلواني عن أبي الحسن بن محمد الفارسي عن أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي .

[ 64 ] إسناد نزهة الأبصار عن شهرآشوب عن القاضي أبى المحاسن

الرؤياني عن أبي الحسين(1) علي بن مهدي المامطيري .

[ 65 ] إسناد المحاضرات من باب المفردات عن الهيثم الشاشي عن القاضي عزيزي عن أبي بكر بن علي الخزاعي عن أبي القاسم الراغب الأصفهاني .

[ 66 ] إسناد الإبانة عن الفراوي(2) عن أبي عبد اللّه الجوهري عن القطيفي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عبد اللّه محمد بن بطة العكبري .

[ 67 ] إسناد قوت القلوب عن القطيفي عن أبيه عن أبي القاسم الحسن بن محمد عن أبي يعقوب يوسف بن منصور السياري .

[ 68 ] إسناد الترغيب والترهيب عن أبي العباس أحمد الأصفهاني عن

أبي القاسم الأصفهاني .

[ 69 ] إسناد كتاب أبى الحسن المدائني عن القطيفي عن أبي بكر محمد بن عمر بن حمدان عن إبراهيم بن محمد بن سعيد النحوي .

[ 70 ] [ 71 ] إسناد الدارمي واعتقاد أهل السنة عن أبي حامد محمد بن محمد عن زيد بن حمدان المنوجهري عن علي بن عبد العزيز الأشنهي .

ص: 56


1- في نسخة « النجف » : « الحسن » .
2- في نسخة « النجف » : « الفراري » .

[ 72 ] وحدثني محمود بن عمر الزمخشري بكتاب الكشف ، والفايق ، وربيع الأبرار .

[ 73 ] وأخبرني الكباشين وغير شهردار الديلمي بالفردوس .

[ 74 ] وأنبأني أبو العلاء العطار الهمداني بزاد المسافر .

[ 75 ] وكاتبني الموفق بن أحمد المكي خطيب خوارزم بالأربعين .

[ 76 ] وروى لي القاضي أبو السعادات الفضائل .

[ 77 ] وناولني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية .

[ 78 ] وأجاز لي أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي رواية كتاب ما نزل من القرآن في علي .

وكثيرا ما اسند(1) إليّ أبى العزيز كلاش العكبري ، وأبى الحسن العاصمي الخوارزمي ، ويحيى بن سعدون القرطي وأشباههم .

أسانيد التفاسير والمعاني

وأمّا أسانيد التفاسير والمعاني ، فقد ذكرتها في الأسباب والنزولوهي :

[ 79 ]تفسيرالبصري .

[ 80 ] والطبري .

[ 81 ] والقشيري .

ص: 57


1- في نسخة « النجف » : « استند » .

[ 82 ]والزمخشري .

[ 83 ] والجبائي .

[ 84 ] والطائي .

[ 85 ] والسدي .

[ 86 ] والواقدي .

[ 87 ] والواحدي .

[ 88 ] والماوردي .

[ 89 ] والكلبي .

[ 90 ] والثعلبي .

[ 91 ] والوالبي .

[ 92 ] وقتادة .

[ 93 ] والقرطي .

[ 94 ] ومجاهد .

[ 95 ] والخركوشي .

[ 96 ] وعطاء بن رباح .

[ 97 ] وعطاء الخراساني .

[ 98 ] ووكيع .

[ 99 ] وابن جريح .

[ 100 ] وعكرمة .

[ 101 ] والنقاشي .

[ 102 ] وأبى العالية .

ص: 58

[ 103 ] والضحاك .

[ 104 ] وابن عيينة .

[ 105 ] وأبى صالح .

[ 106 ] ومقاتل .

[ 107 ] والقطان .

[ 108 ] والسمان .

[ 109 ] ويعقوب بن سفيان .

[ 110 ] والأصم .

[ 111 ] والزجاج .

[ 112 ] والفراء .

[ 113 ] وأبي عبيد .

[ 114 ] وأبى العباس .

[ 115 ] والنجاشي .

[ 116 ] والدمياطي .

[ 117 ] والعوفي .

[ 118 ] والنهدي .

[ 119 ] والثمالي[ 120 ] وابن فورك(1) .

[ 121 ] وابن حبيب .

ص: 59


1- في نسخة « النجف » : « فودك » .

أسانيد كتب الشيعة

فأمّا أسانيد كتب أصحابنا ، فأكثرها :

[ 122 ] عن الشيخ أبى جعفر الطوسي حدّثنا بذلك أبو الفضل الداعي بن

علي الحسيني السروي ، وأبو الرضا فضل اللّه بن علي الحسيني القاشاني ، وعبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي ، وأبو الفتوح أحمد بن علي عالم الرازي(1) ، ومحمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد النيسابوري ، ومحمد بن الحسن الشوهاني ، وأبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي ، ومسعود بن علي الصوابي ، والحسين بن أحمد بن طحال المقدادي ، وعلي بن شهرآشوب السروي والدي ، كلّهم عن الشيخين المفيدين أبى علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ، وأبى الوفا عبد الجبار بن علي المقرى الرازي عنه .

وحدّثنا المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي الحسيني الجرجاني ، ومحمد ابن الحسن الفتال النيسابوري ، وجدّى شهرآشوب عنه أيضا سماعا وقراءة ومناولة وإجازة بأكثر كتبه ورواياته .

[ 123 ] وأمّا أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواياتهما فعن السيد أبى الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسني المروزي عن أبي عبد اللّه محمد بن علي الحلواني عنهما ، وبحقّ روايتي عن السيد المنتهى عن أبيه أبي زيد ، وعن محمد بن علي الفتال الفارسي عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى ، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه أيضا .

ص: 60


1- في نسخة « النجف » : « الحسين بن علي بن محمد الرازي » .

وما سمعنا من القاضي الحسن الاسترآبادي عن ابن المعافى بن قدامة عنه أيضا ، وما صحّ لنا من طريق الشيخ أبي جعفر عنه ، وروى السيد(1) المنتهى عن أبيه عن الشريف الرضي .

[ 124 ] وأمّا أسانيد كتب الشيخ المفيد فعن أبي جعفر وأبي القاسم ابني كميح عن أبيه عن ابن البراج عن الشيخ ، ومن طرق أبي جعفر الطوسي أيضا عنه .

[ 125 ] وأمّا أسانيد كتب أبي جعفر بن بابويه عن محمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد عن أبيهما عن أبي البركات علي بن الحسين الحسيني الخوزي عنه ، وكذلك من روايات أبي جعفر الطوسي .

[ 126 ] وأمّا أسانيد كتب ابن شاذان .

[ 127 ] وابن فضال .

[ 128 ] وابن الوليد .

[ 129 ] وابن الحاشر .

[ 130 ] وعلي بن إبراهيم .

[ 131 ] والحسن بن حمزة .

[ 132 ] والكليني .

[ 133 ] والصفواني .

[ 134 ] والعبدكي .

ص: 61


1- في نسخة « النجف » : « السعيد » .

[ 135 ] والفلكي ، وغيرهم ، فهو على ما نصّ عليها أبو جعفر الطوسي في الفهرست .

[ 136 ] وحدّثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين .

[ 137 ] وأنبأني الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن وبكتاب إعلام الورى بأعلام الهدى .

[ 138 ] وأجاز لي أبو الفتوح رواية روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن .

[ 139 ] وناولني أبو الحسن البيهقي حلية الأشراف .

[ 140 ] وقد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم .

[ 141 ] ووجدت بخطّ أبي طالب الطبرسي كتابه الاحتجاج .

وذلك ممّا يكثر تعداده ، ولا يحتاج إلى ذكره لاجتماعهم عليه ، وما هذا إلاّ جزء من كلّ ، ولا أنا - علم اللّه تعالى - إلاّ معترف بالعجز والتقصير كما قال أبو الجوائز :

رويت وما رويت من الروايه

وكيف وما انتهيت إلى نهايه

وللأعمال غايات تناهى

وإن طالت وما للعلم غايه

منهج التأليف

وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار ، وعدلت عن الإطالة والاكثار ، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال

ص: 62

على فحواها ومعناها ، وحذفت أسانيدها لشهرتها ، ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها ، لتخرج بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحق بباب المسندات .

وربما تتداخل الأخبار بعضها في بعض ، أو نختصر منها موضع الحاجة ، أو نختار ما هو أقلّ لفظا ، أو جاءت غريبة من مظان بعيدة ، أو وردت مفردة محتاجة إلى التأويل ، فمنها ما وافقه القرآن ، ومنها ما رواه خلق كثير حتى صار علما ضروريا يلزمهم العمل به ، ومنها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعا ، ومنها ما نطقت به الشعراء والشعرورة(1) لتبذّلها ، فظهرت مناقب أهل البيت عليهم السلام باجماع موافقيهم وإجماعهم حجّة على ما ذكر في غير موضع ، واشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار ، ولا يقدرون على الانكار ، على ما أنطق اللّه به رواتهم وأجراها على أفواه ثقاتهم ، مع تواتر الشيعة بها ، وذلك خرق العادة ، وعظة لمن تذكّر ، فصارت الشيعة موفقة(2) لما نقلته ميسرة ، والناصبة مخيبة فيما حملته مسخرة ، لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها ، وحمل تلك ما هو حجّة لخصمها دونها ، وهذا كاف لمن « أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ »و « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ » ، وتذكرة للمتذكّرين ، ولطف من اللّه

- تعالى - للعالمين .

ثم وشّحت هذه الأخبار بشواهد الأشعار ، وتوّجتها بالآيات .

ص: 63


1- الشاعر الذي يتعاطى قول الشعر ، ثم شويعر مصغرا ، ثم شعرور .
2- في « المخطوطة » : « موافقة » .

فرحم اللّه امرءا اعتبر ، وأحسن لنفسه النظر ، فالرجوع إلى الحقّ خير من التمادي في الباطل(1) ، ولأن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون متبوعا للشرّ(2) ، وخير العمل ما أصلحت به رشادك ، وشرّه ما أفسدت به معادك(3) .

وافتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء والمرسلين ، ثم بذكر الأئمة الصادقين عليهم السلام ، وختمته بذكر الصحابة والتابعين .

اسم الكتاب والغرض من تأليفه

وسمّيته ب- :

« مناقب آل أبي طالب »

ونظمته للمعاد لا للمعاش ، وادخرته للدين لا للدنيا ، فأسأل اللّه - تعالى - أن يجعله سبب نجاتي ، وحطّ سيئاتي ، ورفع درجاتي ، إنّه سميع مجيب .

ص: 64


1- غرر الحكم : 68 ح947 .
2- غرر الحكم : 105 ح1881 .
3- غرر الحكم : 46 ح186 .

باب 1 : ذكر سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 65

ص: 66

فصل 1 : في البشائر بنبوته

اشارة

ص: 67

ص: 68

بشائر الأنبياء

منها : بشائر موسى عليه السلام في السفر الأول .

وبشائر إبراهيم عليه السلام في السفر الثاني ، وفي السفر الخامس عشر ، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود عليه السلام .

ومنها : بشائر عويديا(1) وحيقوق وحزقيل ودانيال وشيعا .

وقال داود عليه السلام في زبوره : اللّهم ابعث مقيم السنّة بعد الفترة .

وقال عيسى عليه السلام في الإنجيل : إنّ البرّ ذاهب والبار قليطا جاء من بعده ، وهو يخفّف الآصار ، ويفسّر كلم كلّ شيء ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتأويل(2) .

خبر كعب بن لؤي بن غالب

وكان كعب بن لؤي بن غالب(3) يجتمع إليه الناس في كلّ جمعة ، وكانوا

ص: 69


1- في نسخة « النجف » : « عويبنا » .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/166 باب 12 ح1 .
3- كعب بن لؤي بن غالب ، هو من قريش ، خطيب ، من سلسلة النسب النبوي صلى الله عليه و آله ، كان عظيم القدر عند العرب ، حتى أرخوا بموته الى عام الفيل ، وهو أول من سنّ الإجتماع يوم الجمع ، وكان اسمه « يوم العروبة » ، من نسله : « بنو سعد » ، و« بنو سهل » ، و« بنو العاص » ، و« بنو نفيل » ، من بطون قريش ، توفي سنة « 173 ق . ه » .

يسمّونها « عروبة » ، فسمّاه كعب يوم « الجمعة » ، وكان يخطب فيه الناس ، ويذكر فيه خبر النبي صلى الله عليه و آله ، وآخر خطبته كلّما(1) خطب ، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة ، فقال : أم - واللّه - لو كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصّبت(2)(3) فيها تنصّب الجمل ، ولأرقلت فيها إرقال(4) الفحل ، ثم قال :

يا ليتني شاهد فحوى(5) دعوته

حين العشيرة(6) تبغي الحقّ خذلانا(7)

خبر زيد بن عمرو بن نفيل

محمد بن إسحاق : إنّ زيد بن عمرو بن نفيل(8) ضرب في الأرض

ص: 70


1- في « المخطوطة » : « ما » .
2- في كتاب العين : النصب : الإعياء والتعب ، والنصب : رفعك شيئا تنصبه قائما منتصبا ، وكلّ شيء استقبلته فقد نصبته ، وناقة نصباء : منتصبة مرتفعة الصدر .
3- في « المخطوطة » : « تنضبت فيها تنضب » .
4- الإرقال : الإسراع .
5- في تاريخ اليعقوبي : « نجوى » .
6- في بعض النسخ : « العسيرة » .
7- ربيع الأبرار للزمخشري : 2/251 ، الأوائل للعسكري : 44 ، تاريخ اليعقوبي : 1/236 ، البداية والنهاية : 2/302 .
8- زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي ، أحد الحكماء في الجاهلية ، لم يدرك الأسلام ، وكان يكره عبادة الأوثان ، ولا يأكل ما يأكل ممّا ذبح عليها ، لم تستمله اليودية ولا النصرانية ، فعبد اللّه على دين إبراهيم عليه السلام ، وجاهر بعداء الأوثان ، توفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه و آله بخمس سنين ، وله شعر قليل .

يطلب الدين الحنيف ، فقال له راهب بالشام : إنّك لتسأل عن دين ذهبمن كان يعرفه ، ولكنّك قد أظلّك خروج نبي يأتي ملّة(1) إبراهيم الحنيفية ، وهذا زمانه .

فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم(2) عندوا(3) عليه فقتلوه .

وقال النبي صلى الله عليه و آله : زيد بن عمرو يبعث أمّة وحده .

ورثاه ورقة بن نوفل :

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما

تجنبت تنّورا من اللّه حاميا

بدينك ربّا ليس ربّ كمثله

وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وقد تدرك الإنسان رحمة ربّه

ولو كان تحت الأرض ستين واديا(4)

ص: 71


1- في المصادر : « بدين » .
2- لخم حي من اليمن ، ومنهم كانت ملوك العرب في الجاهلية ، وهم آل عمرو بن عدي بن نصر اللخمي . لسان العرب 12/538 مادة لخم .
3- في نسخة « النجف » : « عهدوا » .
4- سيرة ابن إسحاق : 2/99 ، كمال الدين : 199 باب 20 ح41 ، سيرة ابن هشام : 1/152 ، المعارف لابن قتيبة : 58 .

خبر تبع الأول

وكان تبع الأول من الخمسة التي كانت لهم الدنيا بأسرها ، فسار في الآفاق ، وكان يختار من كلّ بلدة عشرة أنفس من حكمائهم .

فلمّا وصل إلى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء ، فلم يعظّمهأهل مكة ، فغضب عليهم وقال لوزيره « عميا ريسا » في ذلك ، فقال الوزير : إنّهم جاهلون ، ويعجبون بهذا البيت .

فعزم الملك في نفسه أن يخربها ويقتل أهلها ، فأخذه اللّه بالصدام ، وفتح من عينيه واُذنيه وأنفه وفمه ماءا منتنا عجزت الأطباء عنه ، وقالوا : هذا أمر سماوي ، وتفرّقوا .

فلمّا أمسى جاء عالم إلى وزيره وأسرّ إليه : إن صدق الأمير بنيّته عالجته ، فاستأذن الوزير له ، فلمّا خلا به قال له : هل أنت نويت في هذا البيت أمرا ؟ قال : كذا وكذا ، فقال العالم : تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة ، فقال : قد تبت ممّا كنت نويت ، فعوفي في الحال(1) .

فآمن باللّه وبإبراهيم الخليل عليه السلام ، وخلع على الكعبة سبعة أثواب ، وهو أول من كسا الكعبة .

وخرج إلى يثرب ، ويثرب هي أرض فيها عين ماء ، فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على أنّهم يسكنون فيها ، وجاؤا إلى باب الملك ، وقالوا : إنّا خرجنا من بلداننا ، وطفنا مع الملك

ص: 72


1- في نسخة « النجف » : « الساعة » .

زمانا ، وجئنا إلى هذا المقام إلى أن نموت فيه ، فقال الوزير : ما الحكمة في ذلك ؟ قالوا : اعلم - أيّها الوزير - إنّ شرف هذا البيت بشرف محمد صلى الله عليه و آله صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر ، مولده بمكة ، وهجرته إلى هاهنا ، وإنّا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا .فلمّا سمع الملك ذلك تفكّر أن يقيم معهم سنة ، رجاء أن يدرك محمدا صلى الله عليه و آله ، وأمر أن يبنوا أربعمائة دار ، لكلّ واحد دارا ، وزوج كلّ واحد منهم بجارية معتقة ، وأعطى لكلّ واحد منهم مالاً جزيلاً(1) .

ابن بابويه في كتاب النبوة : إنّه قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ تبعا قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أمّا أنا لو أدركته لخدمته ، ولخرجت معه(2) .

وروي أنّه قال :

قالوا بمكّة بيت مال داثر

وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

بادرت أمرا حال ربّي دونه

واللّه يدفع عن خراب المسجد

فتركت فيه من رجالي عصبة

نجبا ذوي حسب وربّ محمد(3)

وكتب كتابا إلى النبي صلى الله عليه و آله يذكر فيه إيمانه وإسلامه ، وأنّه من أمّته فليجعله تحت شفاعته .

ص: 73


1- الطبقات الكبرى لابن سعد : 1/159 ، تاريخ دمشق : 11/10 ، الدر النظيم : 16 .
2- كمال الدين : 170 ح26 ، تفسير مجمع البيان : 9/111 .
3- كمال الدين : 169 ح5 ، تاريخ الطبري : 1/534 .

وعنوان الكتاب : « إلى محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين ورسول ربّ العالمين من تبع الأول » .

ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له ، ثم خرج منه وسار حتى مات ب-« غلسان » بلد من بلاد الهند .وكان بين موته ومولد النبي صلى الله عليه و آله ألف سنة .

ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى ، فوجد النبي صلى الله عليه و آلهفي قبيلة بني سليم ، فعرفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له : أنت أبو ليلى ؟ قال : نعم ، قال : كتاب تبع الأول ؟ فتحيّر الرجل ، فقال صلى الله عليه و آله : هات الكتاب .

فأخرجه ودفعه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدفعه النبي صلى الله عليه و آله إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقرأه عليه .

فلمّا سمع النبي صلى الله عليه و آله كلام تبع قال : مرحبا بالأخ الصالح ، ثلاث مرات ، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة(1) .

خبر سلمان الفارسي

إكمال الدين عن ابن بابويه ، وروضة الواعظين عن محمد الفتال : إنّه كان عند تربة النبي صلى الله عليه و آله جماعة ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام سلمان عن مبدأ أمره .

ص: 74


1- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 217 ، تاريخ دمشق : 11/13 .

فقال : كنت من أبناء الدهاقين(1) بشيراز ، وكنت عزيزا على والدي ،

فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا بصومعة ، وإذا فيها رجل ينادي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمدا حبيب اللّه .قال : فرصف(2) حبّ محمد صلى الله عليه و آله في لحمي ودمي .

فلمّا انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلّق من السقف ، فسألت أمّي عنه ، فقالت : لا تقربه(3) ، فإنّه يقتلك أبوك .

فلمّا جنّ الليل أخذت الكتاب فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا عهد من اللّه إلى آدم ، أنّه خالق من صلبه نبيا يقال له « محمد » يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه ، أنت وصي عيسى ، فآمن واترك المجوسية .

قال : فصعقت صعقة ، فأخذني أبي وأمّي ، وجعلاني في بئر عميقة(4) ، وقالا : إن رجعت وإلاّ قتلناك ، وضيّقوا عليّ الأكل والشرب .

فلمّا طال أمري دعوت اللّه بحقّ محمد صلى الله عليه و آله ووصيه أن يريحني ممّا أنا فيه ، فأتاني آت عليه ثياب بيض ، فقال : قم يا روزبه ، فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ،

ص: 75


1- الدهاقين : جمع دهقان ، وهو رئيس القرية أو الإقليم ، أو التاجر ، قال ابن منظور : فارسي معرب .
2- الرَّصْفُ : الشَّدُّ والضمُّ ، وعملٌ رَصِيفٌ وجَوابٌ رَصِيف أَي مُحْكَمٌ رَصينٌ .
3- في نسخة « النجف » : « نقربه » .
4- في نسخة « النجف »: « عتيقة » .

وأنّ محمدا حبيب اللّه ، فقال الديراني(1) : يا روزبه اصعد .

فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فقال : إنّي ميت ، أوصيك براهب أنطاكية ، فاقرأه منّي السلام ، وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحا .

فلمّا فرغت من دفنه أتيت الصومعة وقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّعيسى روح اللّه ، وأنّ محمدا حبيب اللّه ، فقال : اصعد يا روزبه .

فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فقال : إنّي ميت ، قلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا ، وإنّ ولادة محمد صلى الله عليه و آله قد حانت ، فإذا أتيته فاقرأه منّي السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .

فلمّا فرغت من دفنه صحبت قوما ، [ ف- ]-لمّا أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة فقتلوها بالضرب ، [ثم جعلوا بعضها كبابا ، وبعضها شواءا ، فامتنعت من الأكل] ، فقالوا : كل ، فقلت : إنّي غلام ديراني ، وإنّ الديرانيين لا يأكلون اللحم ، [فضربوني وكادوا يقتلونني ، فقال بعضهم : امسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم ، فإنّه لا يشرب ، فلمّا أتوا بالشراب] "فأتوني بالخمر" [قالوا : تشرب ؟] فقلت مثل ذلك ، فضربوني وكادوا يقتلونني ، فأقررت لواحد منهم بالعبودية .

فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من [رجل] يهودي ، فسألني عن قصّتي ، فأخبرته وقلت له : ليس لي ذنب سوى حبّي محمدا ووصيه عليهماالسلام ، فقال اليهودي : وإنّي لأبغضك وأبغض محمدا !

ص: 76


1- الديراني : الراهب المقيم في الدير .

ثم أخرجني إلى باب داره ، وإذا رمل كثير ، فقال : واللّه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كلّه من هذا الموضع لأقتلنك .

قال : فجعلت أحمل طول ليلي ، فلمّا أجهدني التعب سألت اللّه - تعالى - الراحة منه ، فبعث اللّه ريحا ، فقلعت(1) "ذلك الرمل" .فلمّا أصبح نظر إلى الرمل ، فقال : أنت ساحر قد خفت منك ، فباعني من امرأة سلَمية لها حائط ، فقالت : افعل بهذا الحائط ما شئت .

فكنت فيه فإذا أنا بسبعة رهط تظلّهم غمامة ، فلمّا دخلوا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، وأبو ذر والمقداد وعقيل وحمزة وزيد ، فأوردتهم طبقا من رطب ، فقلت : هذه صدقة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : كلوا ،

وأمسك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام .

ووضعت طبقا آخر ، فقلت : هذه هدية ، فمدّ يده وقال : بسم اللّه ، كلوا ، فقلت في نفسي : بدت ثلاث علامات .

وكنت أدور خلفه إذ التفت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا روزبه ، تطلب

خاتم النبوة ؟ وكشف عن كتفيه ، فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات .

فسقطت على قدميه اُقبلها ، فقال لي : ادخل على هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمد بن عبد اللّه : تبيعينا(2) هذا الغلام .

ص: 77


1- في نسخة « النجف »: « فنقلت » .
2- في نسخة « النجف »: « بيعينا » .

فلمّا أخبرتها قالت : قل له : لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة ، مائتي نخلة صفراء ، ومائتي نخلة حمراء ، فأخبرته بذلك ، فقال : ما أهون ما سألت ، قم يا علي واجمع هذا النوى كلّه ، فأخذه وغرسه ثم قال : اسقه ، فسقاه ، فلمّا بلغ آخره خرج النخل ، ولحق بعضه بعضا ، فقال : قل لها : خذي شيئك وادفعي الينا شيئنا .

فخرجت فقالت : واللّه لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة كلّها صفراء ، فهبط جبرئيل عليه السلام ، فمسح جناحه على النخل ، فصار كلّه أصفر ، فنظرت وقالت : نخلة من هذه أحبّ إليّ من محمد ومنك !! فقلت لها : واللّه إنّ يوما من محمد صلى الله عليه و آله أحبّ إليّ منك ومن كلّ شئ أنت فيه .

فأعتقني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسمّاني « سلمان »(1) .

* * *

قال نصر بن المنتصر :

من غرس النخل فجاءت يانعه

مرضية لبوسها من النوى

* * *

وله أيضا :

ومن غرس النوى فأتت بنخل

لذيذ طعمها للذائقينا

خبر سيف بن ذي يزن

ابن بابويه في تمام النعمة ، والثعلبي في نزهة القلوب عن ابن عباس :

ص: 78


1- كمال الدين : 163 باب 9 ح21 ، روضة الواعظين : 275 .

لمّا ظفر سيف بن ذي يزن(1) بالحبشة ، واسترجع ملك أبيه وقومه - وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه و آله بسنتين - أتته وفد العرب وشعراؤها(2)[ بالتهنئة ] ، وفيهم عبد المطلب ، فقال :

أيّها الملك إنّ اللّه - تعالى - قد أحلّك محلاً رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا ، وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزّت(3) جرثومته(4) ، ثبت أصله ، وبسق فرعه ، في أكرم معدن ، وأطيب موطن ، فأنت - أبيت اللعن(5) - ملك العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعقلها(6) الذي يلجأ إليه العباد ، سلفك خير سلف ، وأنت [ لنا ] منهم أفضل خلف ، فلن يجهل من أنت سلفه ، ولن يهلك من أنت خلفه .

ونحن - أيّها الملك - أهل حرم اللّه ، وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا ، فنحن وفد التهنئة لاوفد المرزئة(7).

ص: 79


1- سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو الحميري ، قيل : اسمه معديكرب ، من ملوك العرب اليمانيين ودهاتهم ، وهو آخر من ملك اليمن من قحطان .
2- في نسخة « النجف »: « وأشرافها » .
3- في نسخة « النجف »: « عذبت » .
4- الجرثومة : الأصل .
5- أَبيتَ اللَّعْنَ : كلمةٌ كانت العرب تُحَيِّي بها مُلوكها في الجاهلية ، تقول للملِك : أَبَيْتَ اللَّعْنَ ؛ معناه أَبيْتَ أَيُّها الملِك أَن تأْتي ما تُلْعَنُ عليه .
6- في « المخطوطة »: « ومعدنها » .
7- وفد المرزئة : وفد الرزء والمصيبة .

قال سيف : من أيّهم(1) أنت أيّها المتكلّم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم ، قال : ابن أختنا ؟ قال : نعم .

فأدناه وقرّب مجلسه ، ثم أقبل عليه وعلى القوم ، فقال : مرحبا وأهلاً ، وناقة ورحلاً ، ومستناخا سهلاً ، وملكا ونحلاً ، يعطى عطاءا جزيلاً ، قد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، فأنتم أهل الليل(2)وأهل النهار ، لكم الكرامة ما أقمتم ، والحبا(3) إذا ظعنتم(4) .

ثم استنهضوا(5) إلى دار الضيافة ، فأقاموا شهرا .

ثم أرسل إلى عبد المطلب ليلاً فأخلاه ، وقال : إنّي مفوّض إليك من سرّ علمي ، فليكن عندك مطويّا حتى يأذن اللّه فيه ، فإنّ اللّه بالغ أمره ، فقال عبد المطلب : مثلك أيّها الملك من سرّ وبرّ ، فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر ، فقال : إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة ، فقال : أيّها الملك قد أبت بخير ما آب بمثله وافد ، ولولا هيبة الملك واجلاله لسألته عن مساره إياي ما ازداد به سرورا ، قال : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ، اسمه « محمد » ، يموت أبوه وأمّه ، ويكفله جدّه وعمّه ، وقد ولد سرارا ، واللّه باعثه جهارا ، وجاعل له منّا أنصارا . . إلى آخر كلام له .

ص: 80


1- في نسخة « النجف »: « وأيّهم » .
2- في نسخة « النجف »: « البلد » .
3- الحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به .
4- يقال لكلّ شاخص لسفر في حجّ أو غزو أو مسير من مدينة الى أخرى ظاعن .
5- في نسخة « النجف »: « انتهضوا » .

فقال عبد المطلب : أيّها الملك دام ملكك ، وعلا كعبك ، فهل الملك ساري بافصاح ، فقد أوضح لي بعض الايضاح ، فقال سيف : والبيت ذي الحجب ، والعلامات على النصب ، إنّك يا عبد المطلب لجدّه(1) غير كذب ، فخرّ عبد المطلب ساجدا .

ثم إنّه "أعطى القوم ، و"أعطى عبد المطلب [ بعشرة ] أضعاف ذلك ، فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول : [ يا معشر قريش ] ، لا يغبطني أحدبجزيل عطاء الملك وإن كثر ، فإنّه إلى نفاد ، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره [ وفخره ] وشرفه ، فإذا قيل له : ما ذاك ؟ يقول : ستعلمون « نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ »(2) .

* * *

قال ابن رزيك(3) :

محمد خاتم الرسل الذي سبقت

به بشارة قسّ وابن ذي يزن

وانذر النطقاء الصادقون بما

يكون من أمره والطهر لم يكن

ص: 81


1- في « المخطوطة »: « جدّه » .
2- كمال الدين : 1/177 باب 13 ح34 .
3- قال الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب : 3/206 : الملك الصالح ، أبو الغارات طلائع بن رزيك ، بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها كاف ، فارس المسلمين ، كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ،وتزوج العاضد بابنته ، وكان فاضلاً سمحا في العطاء محبّا لأهل الأدب . حكي أنّه أرسلت له عمّة العاضد الخليفة من قتله بالسكاكين ، ولم يمت من ساعته ، وحمل إلى بيته ، وأرسل يعتب على العاضد ، فاعتذر وحلف ، وأرسل عمّته إليه فقتلها ، ثم مات ، وكان ذلك في 19 شهر رمضان سنة 556 . واستقر ابنه رزيك في الوزارة ، ولقّب الملك العادل ، وكان لطلائع المذكور شعر حسن . وفي نسمة السحر : طلائع بن رزيك ، وزير مصر ، الملك الصالح ، فارس المسلمين ، كان شجاعا كريما جوادا فاضلاً ، محبّا لأهل الأدب ، شديد المقالات في التشيع ، له كتاب « الاعتماد في الردّ على أهل العناد » ، وناظرهم عليه ، وهو يتضمن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو ممّن أظهر مذهب الإمامية .

الكامل الوصف في حلم وفي كرم

والطاهر الأصل من دام ومن درن

ظلّ الإله ومفتاح النجاة وين--

بوع الحياة وغيث العارض(1) الهتن(2)

فاجعله ذخرك في الدارين معتصما

به وبالمرتضى الهادي أبى الحسن

قصة ذبح عبد اللّه عليه السلام

وتصوّر لعبد المطلب أنّ ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل ، فنذر أنّه متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربّه .

ص: 82


1- في نسخة « النجف »: « الفارض » . والعارض : هو السحاب الممطر .
2- الهتن : يقال : هتنت السماء هتنا : هطلت وتتابع مطرها .

فلمّا وجدهم عشرة قال لهم : يا بني ، ما تقولون في نذري ؟ فقالوا : الأمر إليك ، ونحن بين يديك ، فقال : لينطلق كلّ واحد منكم إلى قدحه ، وليكتب عليه اسمه ، ففعلوا ، وأتوه بالقداح ، فأخذها وقال :

عاهدته والآن أوفي عهده

إذ كان مولاي وكنت عبده

نذرت نذرا لا أحبّ ردّه

ولا أحبّ أن أعيش بعده

فقدّمهم(1) ثم تعلّق بأستار الكعبة ونادى : اللّهم ربّ البلد(2) الحرام ، والركن والمقام ، وربّ المشاعر العظام ، والملائكة الكرام ، اللّهم أنتخلقت الخلق لطاعتك ، وأمرتهم بعبادتك لا حاجة منك . . في كلام له .

ثم أمر بضرب القداح وقال : اللّهم إليك أسلمتهم ولك أعطيتهم ، فخذ من أحببت منهم ، فإنّي راض بما حكمت ، وهب لي أصغرهم سنّا ، فإنّه أضعفهم ركنا ، ثم أنشأ يقول :

يا ربّ لا تخرج عليه قدحي

واجعل له واقية من ذبحي

فخرج السهم على عبد اللّه ، فأخذ الشفرة وأتى عبد اللّه حتى اضجعه في الكعبة ، وقال :

هذا بنيّ قد أريد نحره

واللّه لا يقدر شيء قدره

فإن تؤخّره تقبل عذره

وهمّ بذبحه ، فأمسك أبو طالب يده وقال :

كلاّ وربّ البيت ذيالأنصاب

ما ذبح عبد اللّه بالتلعاب

ص: 83


1- في نسخة « النجف »: « فقدحهم » .
2- في نسخة « النجف »: « البيت » .

ثم قال : اللّهم اجعلني فديته وهب لي ذبحته ، ثم قال :

خذها إليك هدية يا خالقي

روحي وأنت مليك هذا الخافق

وعاونه أخواله من "بني" مخزوم .

وقال بعضهم :

يا عجبا من فعل عبد المطلب

وذبحه ابنا كتمثال الذهب

فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد(1) ، فخرج في ثمانمائة رجل وهو يقول :

ص: 84


1- عبد المطلب عليه السلام كان موحدا وحجّة من حجج اللّه فلا يصح نسبة الاحتكام الى الكاهنة اليه ، وقد ورد في الحديث أنّه كان أول من سنّ الدية في الإنسان مائة من الإبل، فهو الذي سنّ ذلك، وفي حديث الرضا عليه السلام في العيون والخصال أنّ الذي اقترح عليه طرح الإبل إنّما هي ابنته عاتكة ، روى الصدوق فى عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 212 باب 18 ، والخصال : 1 / 55 ح 78 « قول النبي صلى الله عليه و آله : أنا ابن الذبيحين . .» : حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال : حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلامعن معنى قول النبي صلى الله عليه و آله : أنا ابن الذبيحين ؟ قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام وعبد اللّه بن عبد المطلب ، أمّا إسماعيل ، فهو الغلام الحليم الذي بشر اللّه به إبراهيم « فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤمَرُ » ولم يقل له : يا أبت افعل ما رأيت « سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ » . فلمّا عزم على ذبحه فداه اللّه بذبح عظيم ، بكبش أملح ، يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما ، وما خرج من رحم أنثى ، وإنّما قال اللّه - جلّ وعزّ - له : كن فكان ، ليفدي به إسماعيل ، فكلّ ما يذبح بمنى ، فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة ، فهذا أحد الذبيحين . وأمّا الآخر ، فإنّ عبد المطلب كان تعلّق بحلقة باب الكعبة ، ودعا اللّه - عزّ وجلّ - أن يرزقه عشرة بنين، ونذر للّه - عزّ وجلّ - أن يذبح واحدا منهم متى أجاب اللّه دعوته. فلمّا بلغوا عشرة أولاد قال : قد وفى اللّه لي ، فلأفين للّه - عزّ وجلّ - ، فأدخل ولده الكعبة ، وأسهم بينهم ، فخرج سهم عبد اللّه أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان أحبّ ولده إليه . ثم أجالها ثانية ، فخرج سهم عبد اللّه . ثم أجالها ثالثة ، فخرج سهم عبد اللّه . فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه ، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن ، فقالت له ابنته عاتكة : يا أبتاه ، اعذر فيما بينك وبين اللّه - عزّ وجلّ - في قتل ابنك ، قال : فكيف أعذر - يا بنية - فإنّك مباركة؟ قالت : اعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم ، فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل ، وأعط ربّك حتى يرضى . فبعث عبد المطلب إلى إبله ، فأحضرها وعزل منها عشرا ، وضرب السهام ، فخرج سهم عبد اللّه ، فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة ، فضرب ، فخرج السهم على الإبل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة . فقال عبد المطلب : لا ، حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات ، فضرب ثلاثا كلّ ذلك يخرج السهم على الإبل ، فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه ، فحملوه وقد انسلخت جلدة خدّه الذي كان على الأرض ، وأقبلوا يرفعونه ويقبّلونه ويمسحون عنه التراب . وأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة ، ولا يمنع أحد منها ، وكانت مائة . وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها اللّه - عزّ وجلّ - في الإسلام : حرم نساء الآباء على الأبناء ، وسنّ الدية في القتل مائة من الإبل ، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس ، وسمّى زمزم لمّا حفرها « سقاية الحاج » . ولولا أنّ عبد المطلب كان حجة ، وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد اللّه شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلى الله عليه و آله بالانتساب إليهما ، لأجل أنّهما الذبيحان في قوله صلى الله عليه و آله : « أنا ابن الذبيحين » . والعلّة التي من أجلها رفع اللّه - عزّ وجلّ - الذبح عن إسماعيل هي العلّة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد اللّه ، وهي كون النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام في صلبهما ، فببركة النبي صلى الله عليه و آلهوالأئمة عليهم السلام رفع اللّه الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ، ولولا ذلك لوجب على الناس كلّ أضحى التقرّب إلى اللّه - تعالى ذكره - بقتل أولادهم ، وكل ما يتقرّب الناس به إلى اللّه - عزّ وجلّ - من أضحية ، فهو فداء إسماعيل إلى يوم القيامة .

ص: 85

تعاورني(1) أمر فضقت به ذرعا

ولم أستطع ممّا تجللني دفعا

نذرت ونذر المرء دين ملازم

وما للفتى ممّا قضى ربّه منعا

وعاهدته عشرا إذا ما تكمّلوا

أقرب(2) منهم واحدا ماله رجعا

فأكملهم عشرا فلمّا هممت أن

أفي بذاك النذر ثار له(3) جمعا

يصدّونني عن أمر ربّي وإنّني

سأرضيه مشكورا ليكسبني(4) نفعا

ص: 86


1- في نسخة « النجف »: « تغادرني » .
2- في نسخة « النجف »: « أقرر » .
3- في نسخة « النجف »: « نازله » .
4- في نسخة « النجف »: « ليلبسني » .

فلمّا دخلوا عليها قال :

يا ربّ إنّي فاعل لما تود

إن شئت ألهمت الصواب والرشد

فقالت : كم دية الرجل عندكم ؟ قالوا : عشرة من الإبل ، قالت : فاضربوا على الغلام وعلى الإبل القداح ، فإن خرج القداح على الإبل فانحروها ، وإن خرج عليه فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربّكم !!

فكانوا يضربون القداح على عبد اللّه وعلى عشرة ، فيخرج السهم علىعبد اللّه ، إلى أن جعلها مائة ، وضرب فخرج القدح على الإبل ، فكبّر عبد المطلب ، وكبّرت قريش ، ووقع عبد المطلب مغشيا عليه ، وتواثبت بنو مخزوم ، فحملوه على أكتافهم ، فلمّا أفاق من غشيته قالوا : قد قبل اللّه منك فداء ولدك .

فبينا هم كذلك ، فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت ، وهو يقول : قبل الفداء ، ونفذ القضاء ، وآن ظهور محمد المصطفى .

فقال عبد المطلب : القداح تخطى ء وتصيب حتى أضرب ثلاثا !!!!! فلمّا ضربها خرج على الإبل ، فارتجز يقول :

دعوت ربّي مخلصا وجهرا

يا ربّ لا تنحر بني نحرا

فنحرها كلّها ، فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل(1) .

ص: 87


1- سيرة ابن إسحاق : 32 .

راهب يبشّر طلحة في سوق بصرى

أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة أنّه قال راهب لطلحة في سوق بصرى(1) : هل ظهر أحمد(2) ؟ فهذا شهره الذي يظهر فيه(3) . . في كلام له .

عفكلان الحميري يبشّر ابن عوف

وقال عفكلان الحميري لعبد الرحمن بن عوف : ألا أبشّرك ببشارة ، وهي خير لك من التجارة ؟ أنبئك بالمعجبة(4) ، وأبشرك بالمرغبة ، إنّ اللّه

قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه ، وصفيّا أنزل عليه كتابا ، جعل له ثوابا ينهى عن الأصنام ، ويدعو إلى أخفّ الوقفة ، وعجل الرجعة ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه و آله :

أشهد باللّه ربّ موسى

إنّك أرسلت بالبطاح

فكن شفيعي إلى مليك

يدعو البرايا إلى الفلاح

فلمّا دخل على النبي صلى الله عليه و آله قال : أحملت إليّ وديعة ؟ أم أرسلك إليّ مرسل

برسالة ؟ فهاتها(5) !

ص: 88


1- بصرى بالضم والقصر ، بلد بالشام من أعمال دمشق ، مشهورة عند العرب قديما وحديثا .
2- في نسخة « النجف »: « محمد » .
3- الطبقات الكبرى : 3/214 في ذكر طلحة بن عبد اللّه ، دلائل النبوة : 2/166 .
4- في نسخة « النجف »: « المعجمة » .
5- دلائل النبوة للاصبهاني : 1/186 .

كاهنة تبشر عثمان

ورأت كاهنة(1) عثمان ، فقالت : يا عثمان لك الحجج ، لك البيان(2) ، هوان في الرهبان ، أرسله بحقّ الديّان ، وجاءها بالتنزيل والفرقان ، فتعاهد مع أبي بكر لو زوج منّي رقية لأسلمت(3) ! !

بشائر بشر بن أوس وقس بن ساعدة

وبشر أوس بن حارث بن ثعلبة(4) قبل مبعثه بثلاثمائة عام ، وأوصى

أهله باتباعه في حديث طويل ، وهو القائل :

إذا بعث المبعوث من آل غالب

بمكة فيما بين زمزم والحجر

هنالك فأشروا نصره ببلادكم

بني عامر إنّ السعادة في النصر(5)

ص: 89


1- وهي خالته كما في تاريخ دمشق .
2- في تاريخ دمشق وغيره من المصادر : « لك الجمال لك اللسان » .
3- تاريخ دمشق : 39/24 ، والخبر مروي عن عثمان نفسه وفيه من علامات الوضع والتهافت ما يلوح للقارى ء من الوهلة الأولى ، والذي يهمّ المؤلف رحمه الله بشارة الكاهنة ، ولذا نقله ، والخبر في المصدر المذكور طويل .
4- أوس بن حارثة بن ثعلبة من الأزد ، من كهلان ، جدّ الأوس إحدى قبيلتي الأنصار ، الأوس والخزرج .
5- تاريخ دمشق : 3/457 ، الدر النظيم : 102 ، البداية والنهاية : 2/405 .

وفيه يقول النبي صلى الله عليه و آله : رحم اللّه أوسا مات في الحنفية ، وحثّ على نصرتنا في الجاهلية(1) .

وبشّر قسّ بن ساعدة الأيادي(2) به وبأولاده(3) .

بشائر عبد المطلب وأبي طالب عليهماالسلام

وكلام عبد المطلب وأبي طالب - رضي اللّه عنهما - لا يحصى في الإخبار عن النبي صلى الله عليه و آله ، والحثّ على نصرته(4) .

وأبو طالب قد بيّن في قصيدته اللامية من سيرته ، منها :

تطاع به الأعداء ودّوا لو أنّنا

يسدّ بنا أبواب ترك وكابل(5)

ومنها :

كذبتم وبيت اللّه إن حلّ ما نرى(6)

لتلتبسن أسيافنا بالأماثل(7)

ص: 90


1- الدر النظيم : 16 ، العدد القوية : 113 .
2- هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك ، من بني إياد ، أحد حكماء العرب ، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية ، كان أسقف نجران . الأعلام للزركلي .
3- كمال الدين : 166 ، الاستنصار للكراجكي : 35 .
4- كمال الدين : 171 باب 12 .
5- ترك : مدينة خرج منها أول الأتراك . منه رحمه الله .
6- في السيرة لابن هشام : « وإنّا لعمر اللّه إن جدّ ما أرى » .
7- السيرة لابن هشام : 1/177 .

وقوله عليه السلام لمّا استسقى وقال : حوالينا ولا علينا ، للّه درّ أبي طالب ، لو كان حيّا لقرّت عيناه ، من ينشدنا شعره ؟ يريد قوله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل(1)

ص: 91


1- أمالي المفيد : 303 ح3 .

ص: 92

فصل 2 : في المنامات والآيات

اشارة

ص: 93

ص: 94

رؤيا عبد المطلب عليه السلام

الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أبا طالب قال : رأى عبد المطلب في منامه شجرة نبتت على ظهره ، قد نال رأسها السماء ، وضربت أغصانها الشرق والغرب ، ونورا يزهر بينها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، والعرب والعجم ساجدة لها ، وهي كلّ يوم تزداد عظما ونورا .

ورأى رهطا من قريش يريدون قطعها ، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثيابا ، فيأخذهم ويكسر ظهورهم ، ويقلع أعينهم .

فقصّ ذلك على كاهنة قريش !!! قالت : لئن صدقت ، ليخرجنّ من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ، ويتنبأ في الناس(1) .

رؤيا العباس بن عبد المطلب

وقال العباس بن عبد المطلب : رأيت في منامي عبد اللّه كأنّه خرج من منخره طائر أبيض ، فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثم رجع وسقط على

ص: 95


1- أمالي الصدوق : 334 مج 45 ح1 ، كمال الدين : 174 باب 12 ح30 ، شرف النبي صلى الله عليه و آلهللخركوشي : 16 .

بيت الكعبة ، فسجدت له قريش كلّها(1) ، فبينما الناس يتأمّلون إذ صار نورا بين السماء والأرض ، وامتدّ حتى بلغ المشرق والمغرب .

قال : فسألت كاهنة بني مخزوم ، فقالت : ليخرجنّ من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له(2) .

رؤيا أخرى لعبد المطلب عليه السلام

ذكر الماوردي(3) : أنّ عبد المطلب رأى في منامه كأنّه خرج من ظهره سلسلة بيضاء لها أربعة أطراف : طرف قد أخذ المغرب ، وطرف أخذ المشرق ، وطرف لحق بأعنان السماء ، وطرف لحق بثرى الأرض ، فبينما هو يتعجب إذ التفت(4) الأنوار ، فصارت شجرة خضراء مجتمعة الأغصان ، متدلية الأثمار ، كثيرة الأوراق ، قد أخذت(5) أغصانها أقطار الأرض في الطول والعرض ، ولها نور قد أخذ الخافقين ، وكأنّي قد جلست تحت الشجرة ، وبإزائي شخصان بهيان ، وهما نوح وإبراهيم عليهماالسلام ، قد استظلا به ، فقصّ ذلك على كاهن !!! ففسره بولادة النبي صلى الله عليه و آله(6) .

ص: 96


1- في نسخة « النجف » : « كلاّ » .
2- أمالي الصدوق : 335 مج 45 ح2 ، كمال الدين : 175 باب 12 ح33 .
3- هو علي بن محمد بن حبيب البصري، المعروف بالماوردي أبوالحسن، توفي ببغداد سنة 450 ه من تصانيفه « الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي » في مجلدات كثيرة.
4- في نسخة « النجف » : « التقت » .
5- في « المخطوطة » : « أخذ » .
6- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 25 ، الدر النظيم : 35 .

رؤيا كسرى يؤولها سطيح

محمد بن إسحاق : كتب كسرى إلى النعمان بن المنذر ليوجه إليه عالما ، فوجّه إليه بعبد المسيح بن بقيلة(1) الغساني(2) ، فلمّا قصّ عليه رؤياه قال : علم ذلك عند خال لي في مشارق(3) الشام يقال له « سطيح » ، فوجهه إليه .

فلمّا أتاه وجده ، وقد أشرف(4) على الموت ، فأنشأ أبياتا في قدومه ، ففتح سطيح عينيه ، ثم قال : عبد المسيح ، على جمل مشيح(5) ، جاء إلى سطيح ، وقد وافى الضريح ، بعثك ملك بني ساسان ، لارتجاس الإيوان ، وخمود النيران، ورؤيا الموبدان(6) ، يا عبدالمسيح إذا كثرت التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة(7) ، وفاض وادي سماوة(8) ، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك وملكات ، علىعدد الشرفات ، وكلّ ما هو آت .

ص: 97


1- في نسخة « النجف » : « تغلبة » .
2- هو عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني ، معمّر من الدهاة ، عاش زمنا طويلاً في الجاهلية وأدرك الإسلام ، وظلّ على النصرانية ، وهو ابن أخت سطيح الكاهن . الأعلام للزركلي .
3- في نسخة « النجف » : « بمشارق » .
4- في « المخطوطة » : « أشفى » .
5- الجمل المشيح : الجاد والمسرع .
6- الموبدان بضم الميم وفتح الباء وتشديده : فقيه الفرس ، وحاكم المجوس ، وقيل : الموبدان للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين ، والموبد القاضي .
7- الهراوة : العصا الضخمة .
8- في نسخة « النجف » : « السماوة » .

ثم قضى [ سطيح ] مكانه .

فقدم عبد المسيح على كسرى ، وأخبره بما قال ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكا [ قد ] كانت أمور .

قال : فملك منهم عشرة في أربع سنين ، والباقون إلى أيام عثمان ، وكان سطيح ولد في سيل العرم ، فعاش إلى ملك « ذي نواس » أكثر من ثلاثين قرنا(1) .

ملك يهدد كسرى

الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : بعث اللّه إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة(2) ، وقال : يا كسرى ، تسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال : بهل بهل ، فانصرف عنه ، فدعا حراسه وقال : من أدخل هذا الرجل عليّ ؟ فقالوا : ما رأيناه .

ثم أتاه في العام المقبل ووقته ، فكان كما كان أولاً ، ثم أتاه في العام الثالث ، فقال : تسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال : بهل بهل ، فكسر العصا ، ثم خرج ، فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله(3) .* * *

ص: 98


1- كمال الدين : 196 باب 17 ح38 ، تاريخ الطبري : 1/581 ذكر مولد النبي صلى الله عليه و آله ، إعلام الورى : 1/57 ، تاريخ اليعقوبي : 2/8 .
2- وقت الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس الى العصر ، وقيل : عند اشتداد الحر .
3- تاريخ الطبري : 1/599 .

قال الأجل المرتضى(1) :

اطّرحوا النهج ولم يحفلوا

بما لكم في محكم الذكر

واستلبوا إرثكم منكم

من غير حقّ بيد العسر

كسرتم الدين ولم تعلموا

وكسرة الدين بلا جبر

فيا لها مظلمة أولجت

على رسول اللّه في القبر

النور في آباء النبي صلى الله عليه و آله

وكان يرى النور في آباء النبي صلى الله عليه و آله خلفا عن خلف(2)(3) .

نوره في جبين عبد المطلب عليه السلام

لمّا قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله ، فقال : تكلّمني(4) في مائة بعير ، وتترك دينك ودين آبائك ؟ وقد جئت لهدمه ! فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل ، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه منك .فردّ إليه إبله ، فانصرف إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأخذ بحلقة الباب قائلاً :

ص: 99


1- هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السلام، أبو القاسم علم الهدى ، متكلّم ، فقيه ، مفسر ، أديب ، نحوي ، لغوي ، شاعر ، ولد في رجب 355 ه ، وتوفي ببغداد في 25 ربيع الأول سنة 436 ه ، له تصانيف .
2- في نسخة « النجف » : « سلف » .
3- كنز الفوائد : 70 ، شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 11 .
4- في نسخة « النجف » : « تعلمني » .

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا

يا ربّ فامنع منهم حماكا

إنّ عدو البيت من عاداكا

أمنعهم أن يخربوا(1) قراكا

* * *

وله أيضا :

لاهمّ إنّ المرء يمنع رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك(2)

فانجلى نوره على الكعبة ، فقال لقومه : انصرفوا - فو اللّه - ما انجلى من جبيني هذا النور إلاّ ظفرت ، والآن قد انجلى عنه .

وسجد الفيل له ، فقال للفيل : يا محمود ، فحرّك الفيل رأسه ، فقال له : تدري لم جاؤوا بك ؟ فقال الفيل برأسه : لا ، فقال : جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك ، أفتراك فاعل ذلك ؟! فقال الفيل برأسه : لا(3) .

نوره في وجه أبيه عبد اللّه عليه السلام

وكانت امرأة يقال لها « فاطمة بنت مرّة » قد قرأت الكتب ، فمرّ بها عبد اللّه بن عبد المطلب عليهماالسلام ، فقالت : أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل ؟قال : نعم ، فقالت : هل لك أن تقع عليّ مرّة وأعطيك من الإبل مائة ، فنظر إليها وأنشأ :

ص: 100


1- في نسخة « النجف » : « يحربوا » ، وفي بعض المصادر : « يقهروا قواكا » .
2- المحال بالكسر : الكيد والقوة والعقاب من اللّه والتدبير ، قال تعالى : « وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ » .
3- جامع البيان للطبري: 30/389، تاريخ الطبري: 1/554 ، الكافي: 1/447 ح 25.

أمّا الحرام فالممات دونه

والحلّ لا حلّ فاستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

ومضى مع أبيه ، فزوّجه أبوه آمنة ، فظلّ عندها يوما وليلة ، فحملت بالنبي صلى الله عليه و آله ، ثم انصرف عبد اللّه ، فمرّ بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولاً ، فقال لها عند ذلك مختبرا : هل لك فيما قلت لي ؟ فقلت : لا ، قالت : « قد كان ذلك مرّة فاليوم لا » ، فذهبت كلمتها مثلاً .

ثم قالت : أيّ شئ صنعت بعدي ؟ قال : زوجني أبي آمنة ، فبت عندها ، فقالت :

للّه ما زهرية سلبت ثو

بيك ما سلبت وما تدري

ثم قالت : رأيت في وجهك نور النبوة ، فأردت أن يكون فيّ ، وأبى اللّه إلاّ أن يضعه حيث يحبّ ، ثم قالت :

بني هاشم قد غادرت من أخيكم

أمينة إذ للباه يعتلجان(1)

كما غادر المصباح بعد خبّوه

فتائل قد ميثت له بدخان

وما كان مايحوى الفتى من نصيبه

بحرص ولا ما فاته بتواني

ويقال : أنّه مرّ بها وبين عينيه غرّة كغرّة الفرس(2) .

ص: 101


1- يعتلجان : أي يتصارعان .
2- المنمق للبغدادي « ت 245 ه » : 221 ، تاريخ الطبري : 2/6 ، الطبقات الكبرى : 1/96 .

قطّر دم يحيى عند مولده صلى الله عليه و آله

وكان عند الأحبار جبّة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا ، وكانوا قد قرأوا في كتبهم : إذا رأيتم هذه الجبّة تقطر دما ، فاعلموا أنّه قد ولد أبو السفاك الهتاك .

فلمّا رأوا ذلك من الجبّة اغتموا ، واجتمع خلق على أن يقتلوا عبد اللّه ، فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه ، فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري ، فجاز منه ، فنظر إلى رجال نزلوا من السماء ، وكشفوهم عنه ، فزوّج ابنته من عبد اللّه .

قال : فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيرة(1) .

انتقل نوره صلى الله عليه و آله الى آمنة

عليهاالسلام يوم عرفة ]

ويقال : إنّ عبد اللّه كان في جبينه نور يتلألأ ، فلمّا قرب من حمل محمد صلى الله عليه و آله لم يطق أحد رؤيته ، وما مرّ بحجر ولا شجر إلاّ سجد له وسلّم عليه ، فنقل اللّه منه نوره يوم عرفة - وقت العصر وكان يوم الجمعة - إلى آمنة(2) .

كلام الأسد مع أبي طالب في شأن علي والنبي عليهم السلام

وكانت السباع تهرب عن أبي طالب ، فاستقبله أسد في طريق الطائف ،

ص: 102


1- كنز الفوائد : 71 ، الخرائج : 1/129 .
2- كنز الفوائد : 71 ، الدر النظيم : 25 .

وبصبص(1) له ، وتمرّغ قبله ، فقال أبو طالب : بحقّ خالقك أن تبيّن لي حالك ؟ فقال الأسد : إنّما أنت أبو أسد اللّه ، ناصر نبي اللّه ومربّيه ، فازداد أبو طالب في حبّ النبي صلى الله عليه و آله والإيمان به(2) .

والأصل في ذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، نسبّح اللّه يمنة العرش ، قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام(3) . . الخبر .

شعر العباس في النبي صلى الله عليه و آله

أنشد العباس في النبي صلى الله عليه و آله :

من قبلها طبت في الظلال وفى

مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر أنت

ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفير وقد

الجم نسرا وأهله الغرق

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عام بذا طبق

حتى احتوى بيتك المهيمن من

خندف علياء نحلتها(4) النطق

وأنت لمّا ولدت أشرقت الأرض

وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفى

النور وسبل الرشاد نخترق(5)

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يفضض اللّه فاك(6) .

ص: 103


1- بصبص الكلب : حرّك ذنبه ، والبصبصة : تحريك الكلب ذنبه طمعا أو خوفا .
2- الدر النظيم : 209 .
3- علل الشرائع : 1/134 باب 116 ح1 ، روضة الواعظين : 129 .
4- في نسخة « النجف » : « تحتها » .
5- في نسخة « النجف » : « نحترق » .
6- المستدرك على الصحيحين للحاكم : 3/327 ، الإستيعاب : 2/447 .

ص: 104

فصل 3 : في مولده صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 105

ص: 106

مشاهدات أمّه آمنه عليهاالسلام عند ولادته

أبان بن عثمان رفعه بإسناده : قالت آمنة رضي اللّه عنها : لمّا قربت ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب الرعب عنّي ، وأُتيت بشربة بيضاء - وكنت عطشى - فشربتها ، فأصابني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً تحدّثني ، وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين ، حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض ، وقائل يقول : خذوه من أعزّ الناس ، ورأيت رجالاً وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ، ورأيت مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت(1) علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة .

فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله رافعا إصبعه إلى السماء ، ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته ، فسمعت نداء : طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها والبحار ، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته .

ثم انجلت عنه الغمامة(2) ، فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن ،

ص: 107


1- في نسخة « النجف » : « رأيته » .
2- في النسخ : « الغامة » والغامة كما في خزانة الأدب : المهمة الملتبسة ، ولعلّ المراد « الغيمة » .

وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب ، وقائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة .

ثم أقبلت سحابة أخرى ، فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الأولى ، وسمعت نداء : طوفوا بمحمد الشرق والغرب ، واعرضوه على روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع ، وأعطوه صفاء آدم عليه السلام ، ورقّة نوح عليه السلام ، وخلّة إبراهيم عليه السلام ، ولسان إسماعيل عليه السلام ، وكمال يوسف

عليه السلام ، وبشرى يعقوب عليه السلام ، وصوت داود عليه السلام ، وزهد يحيى عليه السلام ، وكرم عيسى عليه السلام .

ثم انكشف عنه ، فإذا أنا به ، وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّا شديدا ، وقد قبض عليها ، وقائل يقول : قد قبض محمد صلى الله عليه و آله على الدنيا

كلّها ، فلم يبق شيء إلاّ حلّ في قبضته .

ثم إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم ، في يد أحدهم إبريق فضة ، ونافجة(1) مسك ، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ، لها أربع جوانب ، من كلّ جانب لؤلؤة بيضاء ، وقائل يقول : هذه الدنيا فاقبض

عليها يا حبيب اللّه ، فقبض على وسطها ، وقائل يقول : [ ا ] قبض الكعبة ، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية ، فنشرها ، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ، ثم ضرب الخاتم على كتفيه ، وتفل في فيه ، فاستنطقه فنطق ، فلم أفهم ما قال إلاّ أنّهقال : في أمان اللّه وحفظه وكلاءته ، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما ويقينا

ص: 108


1- نفجت الشيء فانتفج : أي عظّمته فتعظّم ، والنافجة : نافجة المسك ، سمّيت بذلك لنفاستها ، والجمع نوافج ، وفي الصحاح : وأمّا نوافج المسك فمعربة .

وعقلاً وشجاعة ، أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلّف عنك ، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة ، وكان الفاعل به هذا رضوان ، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ، ويقول : أبشر يا عزّ [ الدنيا ] والآخرة(1) .

ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ، ورأيت قصور الشامات كأنّه شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطا أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها(2) .

مشاهدات عبد المطلب عند ولادته

عبد المطلب : لمّا انتصف تلك الليلة إذا أنا ببيت اللّه قد اشتمل بجوانبه الأربعة ، وخرّ ساجدا في مقام إبراهيم ، ثم استوى البيت مناديا : اللّه أكبر ربّ محمد المصطفى ، الآن قد طهرني ربّي من أنجاس المشركين ، وأرجاس الكافرين ، ثم انتفضت(3) الأصنام ، وخرت على وجوهها ، وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها ، فإذا جبال مكة مشرفة عليها ، وإذا بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها ، فأتيتها وقلت : أنا نائم أو يقظان ؟ قالت : بل يقظان ، قلت : فأين نور جبهتك ؟ قالت : قد وضعته ، وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها ، فتحمله إلى أعشاشها ، وهذه السحاب تسألني كذلك ، قلت :هاتيه أنظر إليه ، قالت : حيل بينك وبينه إلى ثلاثة أيام .

ص: 109


1- روضة الواعظين : 69 مجلس في مولد النبي صلى الله عليه و آله .
2- أمالي الصدوق : 336 مج 45 ح2 .
3- في نسخة « النجف » : « انتقضت » .

فسللت سيفي وقلت : لتخرجنّه أو لأقتلنّك !!! قالت : شأنك وإياه .

فلمّا هممت أن ألج البيت بدر إليّ من داخل البيت رجل وقال لي : ارجع وراءك ، فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته أو ان تنقضي زيارة الملائكة ، فارتعدت !! وخرجت(1) .

عوّذه الإله بالأركان

ابن إسحاق قالت آمنة : وسمعت في الضوء نداءا : إنّك ولدت سيد الناس ، فقولي : أعيذه بالواحد من شرّ حاسد ، وسمّيه « محمدا » ، وأتي به عبد المطلب ، فوضعه في حجره ، ثم قال :

الحمد للّه الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

عوّذه الإله بالأركان

[ حتى أراه مبلغ الغشيان

أعيذه من كلّ ذي شان

من حاسد ذي طرف العينان ]

وقال فيه أشعارا كثيرة(2) .

حوادث عند الولادة

الصادق عليه السلام : أصحبت الأصنام على وجوهها ، وارتجس إيوانكسرى ، وسقط منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت

ص: 110


1- روضة الواعظين : 69 .
2- سيرة ابن إسحاق : 1/22 .

نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ولم يبق سرير لملك إلاّ أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلّم يومه ذلك ، وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن عن صاحبها(1) .

* * *

[ قال ] القيرواني(2) :

وصرح كسرى تداعى من قواعده

وانغاض(3) منكسر الأوداج ذا ميل

ونار فارس لم توقد وما خمدت

مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل

خرّت لمبعثه الأوثان وانبعثت

ثواقب الشهب ترمي الجنّ بالشعل(4)

ص: 111


1- أمالي الصدوق : 361 مج 48 ح1 .
2- هو عبد اللّه بن يحيى بن علي ، أبو محمد الشقراطسي التوزري ، فقيه مالكي ، من الشعراء ، ولد بتوزر ، وعلّمه أبوه ، وسافر إلى القيروان فأخذ عن علمائها ، ورحل إلى المشرق سنة 429 ه ، وخاض معركة في قتال الفرنج بمصر ، وعاد إلى توزر ، فأفتى ودرس إلى أن توفي سنة 466 ه ، له « تعليق على مسائل من المدونة » ، و« فضائل الصحابة » ، و« الإعلام بمعجزات النبي عليه السلام » ختمه بقصيدة له لامية تعرف بالشقراطسية أولها : « الحمد للّه منّا باعث الرسل » عني أدباء إفريقية بشرحها وتخميسها وتشطيرها . الأعلام للزركلي .
3- في بعض النسخ : « انفاص » ، وانفاص : يقال : ما فصت : أي ما برحت ، وفي سبل الهدى : « وانقضّ » .
4- سبل الهدى : 1/355 ، نهاية الأرب : 18/347 .

أحداث عند الفرس

الصادق عليه السلام : ورأي الموبدان في تلك الليلة في المنام إبلاً صعابا تقود خيلاً عرابا حتى عبرت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق كسرى من وسطه ، [ وانخرقت عليه دجلة (1)] ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثم استطال حتى بلغ المشرق(2) .

إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين

علي بن إبراهيم بن هاشم عن رجاله قال : كان بمكة يهودي يقال له « يوسف » ، فلمّا رأى النجوم تقذف وتتحرّك ليلة ولد النبي صلى الله عليه و آله قال : نجد في كتبنا أنّه إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السماء .

فلمّا أصبح كان يتجسّس عن المولود ، فدلّ على عبد المطلب ، فأتاه ، فلمّا نظر إلى عينيه ، وكشف عن كتفيه ، وعليها شعرات ، وقع مغشيا عليه ، فقال : ذهبت النبوة عن بني إسرائيل .

فتعجبت(3) منه قريش ، وضحكوا منه ، فقال : هذا نبي السيف ليترنّكم(4)(5) .

ص: 112


1- ما بين المعقوفين لا يوجد في المخطوطة ، وفي نسخة نسخة « النجف » : « وانحراف » .
2- أمالي الصدوق : 361 مج 48 ح1 .
3- في نسخة « النجف » : « فتعجب » .
4- في نسخة « النجف » : « ليبتزنكم » ، وفي تفسير القمي وغيره : « ليبيرنكم » .
5- تفسير القمي : 1/373 ، إعلام الورى : 1/59 ، كمال الدين : 197 باب 18 ح39 .

حجب إبليس عن السماوات كلّها

الصادق عليه السلام : كان إبليس يخترق السماوات السبع ، فلمّا ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات ، وكان يخترق أربع سماوات .

فلمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجب عن السماوات كلّها ، ورميت الشياطين

بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، فقال عمرو بن أمية(1) : إن كان رمى بما تهتدون بها ، فهو هلاك كلّ شيء ، وان كانت تثبت ورمى بغيرها ، فهو أمر حدث(2) .

علّة النجوم التي ترمى بها

وسئل خطر بن مالك الكاهن عن علّة النجوم التي ترمى بها ؟

فقال : أصابه أصابه بأمره(3) عقابه ، إنّه من هاشم ، من معشر أكارم ، يبعث بالملاحم(4) ، وقتل كلّ ظالم .فقال فيه النبي

صلى الله عليه و آله : وإنّه ليحشر أمّة وحده(5) .

ص: 113


1- عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد اللّه ، أبو أمية الضمري ، له صحبة ، مات في خلافة معاوية .
2- أمالي الصدوق : 360 مج 48 ح1 ، روضة الواعظين : 65 .
3- في تفسير الثعلبي وغيره : « خامره » .
4- في نسخة « النجف » : « المكاخم » . والإكخام لغة في الإكماخ ، والكمخ : المنع والدفع .
5- تفسير الثعلبي : 5/334 ، الإستيعاب : 3/1341 رقم 2243 .

إستبشار المخلوقات بمولده صلى الله عليه و آله

كعب : بلغني أنّه ما بقي - يومئذٍ - جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة ، وخضعت كلّها لأبي قبيس .

ولقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها وثمارها .

ولقد ضرب بين السماء والأرض أربعين عمودا في أنواع الأنوار .

وإنّ الكوثر اضطرب في الجنة ، فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا له .

ولقد ضحكت الجنة ، فهي ضاحكة أبدا(1) .

صيحة إبليس في أبالسته

الصادق عليه السلام : صاح إبليس في أبالسته ، فاجتمعوا له ، فقال : انظروا لقد حدث الليلة حدث ما حدث مثله "منذ" رفع عيسى .

فافترقوا ، ثم اجتمعوا إليه ، فقالوا : ما وجدنا شيئا ، فقال إبليس : أنا لهذا الأمر .

ثم انغمس في الدنيا ، فجالها حتى انتهى إلى الحرم ، فوجد الحرم محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به ، فقال له جبرئيل عليه السلام : ما وراك ؟ قال :حرف أسألك عنه ، ما هذا الحدث الليلة ؟ فقال : ولد محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي أمّته ؟ قال : نعم ، قال : رضيت(2) .

ص: 114


1- أمالي الصدوق : 699 مج 46 ح1 .
2- أمالي الصدوق : 361 مج 48 ح1 ، روضة الواعظين : 66 .

سمعوا صوتا من الكعبة

وهب : ولقد ذمّ إبليس وغلّ ، والقي في الحصن أربعين يوما ، وغرق "عرشه" أربعين يوما ، ولقد تنكست الأصنام كلّها ، فصاحت وولولت ، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة قال : يا قريش جاءكم النذير ، معه عزّ الأبد ، والربح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء(1) .

تنكست الأصنام وسمعوا صيحة من السماء

أمير المؤمنين عليه السلام : لمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألقيت الأصنام في الكعبة على وجوهها .

فلمّا أمسى سمع صيحة من السماء : « جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً »(2) .

أضاءت الدنيا وضحك الجماد وسبّح كلّ شيء

وورد أنّه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا ، وضحك كلّ حجر ومدروشجر ، وسبح كلّ شئ في السماوات والأرض للّه - عزّ وجلّ - ، وانهزم الشيطان وهو يقول : خير الأمم ، "وخير الخلق" ، وأكرم العبيد ، وأعظم العالم محمد صلى الله عليه و آله .

ص: 115


1- أمالي الصدوق : 699 مج 46 ح1 ، روضة الواعظين : 68 .
2- الفضائل : الفضائل لشاذان القمي : 20 .

اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلاّ النبوة

المفضل بن عمر(1) : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام ، فجاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب عليه السلام ضاحكة مستبشرة ، فأعلمته ما قالته آمنة ، فقال لها أبو طالب عليه السلام : وتتعجبين من هذا ؟! إنّك تحبلين وتلدين

بوصيّه ووزيره(2) .

وفي رواية ابن مسكان : فقال لها أبو طالب عليه السلام : اصبري لي سبتا آتيكبمثله إلاّ النبوة .

وقالوا : السبت ثلاثون سنة(3) .

* * *

ص: 116


1- قال النجاشي : مفضل بن عمر أبو عبد اللّه ، قيل : أبو محمد الجعفي ، كوفي ، وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي : 19/318 : وقد عدّه الشيخ المفيد من خاصة أبي عبد اللّه عليه السلام وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، ممّن روى النص بالإمامة من أبي عبد اللّه عليه السلام على ابنه أبي الحسن موسى عليهماالسلام في الإرشاد باب ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فصل في النص عليه بالإمامة من أبيه عليهماالسلام ، وعدّه الشيخ من الممدوحين . وعدّ ابن شهرآشوب المفضل بن عمر الجعفي من خواص أصحاب الصادق عليه السلام في المناقب باب إمامة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فصل في تواريخه وأحواله ، وعدّه من الثقات الذين رووا صريح النص على موسى بن جعفر عليهماالسلام من أبيه . . وسيأتي إن شاء اللّه ما ورد فيه من المدح عن أهل البيت عليهم السلام .
2- الكافي : 1/454 ح3 .
3- معاني الأخبار : 403 ح68 .

[ قال ] أبو المظفر الأبيوردي(1) :

من دوحة بسقت لا الفرع مؤتشب

منها ولا عرقها في الحي مدخول

أتى بمكة إبراهيم والده

قرم على كرم الأخلاق مجبول

* * *

[ وقال ] غيره :

لقد طابت الدنيا بطيب محمد

وزيدت به الأيام حسنا على حسن

لقد فكّ أغلال العتاة محمد

وأنزل أهل الخوف في كنف الأمن

ص: 117


1- أبو المظفر الأبيوردي ، محمد بن أحمد بن محمد القرشي الأموي ، شاعر ، مؤرخ ، ولد في أبيورد في خراسان ، ومات في اصبهان كهلاً سنة 507 ه ، من كتبه « تاريخ ابيودر » ، و« المختلف والمؤتلف » .

ص: 118

فصل 4 : في منشئه صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 119

ص: 120

ولد مختونا مسرورا

إبانة بن بطة قال : ولد النبي صلى الله عليه و آله مختونا مسرورا ، فحكى ذلك عند جدّه عبد المطلب ، فقال : ليكونن لابني هذا شأن(1) .

رضع أياما من أبي طالب

كافي الكليني : الصادق عليه السلام : لما ولد النبي صلى الله عليه و آله مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل اللّه فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة فدفعه إليها(2) .

رضاعه صلى الله عليه و آله

ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد اللّه بن الحرث من مضر - زوجة الحرث بن عبد العزى المضري - : إنّ البوادي أجدبت ، وحملنا الجهد على دخول البلد ، فدخلت مكة ، ونساء بنى سعد قد سبقن إلى مراضعهن ، فسألت مرضعا ، فدلّوني على عبد المطلب ، وذكر أنّ له مولودا يحتاج إلىمرضع له ، فأتيت إليه ، فقال : يا هذه ، عندي بني لي يتيم اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » .

ص: 121


1- الطبقات الكبرى : 1/103 ، دلائل النبوة للبيهقي : 1/114 .
2- الكافي : 1/448 ح27 .

فحملته ، ففتح عينيه لينظر إليّ بهما ، فسطع منهما نور ، فشرب من ثديي الأيمن ساعة ، ولم يرغب في الأيسر أصلاً ، واستعمل في رضاعه عدلاً ، فناصف فيه شريكه ، واختار اليمين ، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فحملته على الأتان(1) ، وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة ، فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا وقوة ونشاطا ، واستقبلت الكعبة ، وسجدت لها ثلاث مرات وقالت : برئت من مرضي ، وسلمت من غثّي ، وعليّ سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وخير الأولين والآخرين .

فكان الناس يعجبون منها ، ومن سمني وبرائي ودرّ لبني .

فلمّا انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألأ نوره إلى عنان السماء ، وسلّم عليه وقال : إنّ اللّه - تعالى - وكّلني برعايته .

وقابلنا ظباء وقلن : يا حليمة ، لا تعرفين من تربّين ! هو أطيب الطيّبين ، وأطهر الطاهرين ، وما علونا تلعة(2) ، ولا هبطنا واديا إلاّ سلّموا عليه .

فعرفنا(3) البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا ، وكثرتمواشينا وأموالنا .

ص: 122


1- الاتان : أنثى الحمار .
2- في نسخة « النجف » : « قلعة » .
3- في « المخطوطة » : « فعرفت » .

ولم يحدث في ثيابه ، ولم تبد(1) عورته ، ولم يحتج في يومٍ إلاّ مرّة ، وكان مسرورا مختونا ، وكنت أرى شابا على فراشه يعدّ له ثيابه .

فربّيته خمس سنين ويومين ، فقال لي يوما : أين يذهب إخواني كلّ يوم ؟ قلت : يرعون غنما ، فقال : إنّني اليوم أرافقهم .

فلمّا ذهب معهم أخذه ملائكة ، وعلوه على قلّة جبل ، وقاموا بغسله وتنظيفه ، فأتاني ابني وقال : أدركي محمدا ، فإنّه قد سلب .

فأتيته ، فإذا هو بنور ساطع في السماء ، فقبّلته وقلت : ما أصابك ؟ قال : لا تحزني ، إنّ اللّه معنا ، وقصّ عليها قصة ، فانتشر منه فوح مسك أذفر ، وقال الناس : غلبت عليه الشياطين ، وهو يقول : ما أصابني شيء ، وما عليّ من بأس .

فرآه كاهن وصاح وقال : هذا الذي يقهر الملوك ويفرّق العرب !!!

نمّوه

وروي عن حليمة أنّه جلس محمد صلى الله عليه و آله ، وهو ابن ثلاثة أشهر .

ولعب مع الصبيان ، وهو ابن تسعة .

وطلب منّي أن يسير مع الغنم يرعى ، وهو ابن عشرة .وناضل الغلمان بالنبل ، وهو ابن خمسة عشر .

وصارع الغلمان ، وهو ابن ثلاثين .

ص: 123


1- في نسخة « النجف » : « تبدر » .

ثم أوردته إلى جدّه .

ابن عباس : إنّه كان يقرب إلى الصبيان يصبحهم فيختلسون ويكفّ ، ويصبح الصبيان غمصا(1) [ ورمصا (2)] ، ويصبح صقيلاً دهينا(3) .

ص: 124


1- غمصت العين : كان بها غمص ، والغمص : ما سال من العين من رمص .
2- رمصت العين رمصا : اجتمع في موقها وسخ أبيض .
3- الفائق للزمخشري : 229 ، غريب الحديث لابن قتيبة : 1/140 .

النبي صلى الله عليه و آله مع عبد المطلب وأبي طالب عليهماالسلام

إنّ اللّه لا يضيع محمدا صلى الله عليه و آله

ونادى شيخ على الكعبة : يا عبد المطلب ، إنّ حليمة امرأة عربية ، وقد فقدت ابنا اسمه(1) « محمد » ، فغضب عبد المطلب ، وكان إذا غضب خاف الناس منه ، فنادى : يا بني هاشم ويا بني غالب ، اركبوا فقد محمد ، وحلف أن لا أنزل حتى أجد محمدا ، أو أقتل ألف أعرابي ومائة قرشي ، وكان يطوف حول الكعبة ، وينشد أشعارا منها :

يا ربّ ردّ راكبي محمدا

ردّ إليّ واتخذ عندي يدا

يا ربّ إن محمدا لن يوجدا

تصبح قريش كلّهم مبدّدا

فسمع نداءا : إنّ اللّه لا يضيع محمدا ، فقال : أين هو ؟ قال : في وادي فلان تحت شجرة أم غيلان(2) .

قال ابن مسعود : فأتينا الوادي ، فرأيناه يأكل الرطب من أم غيلان ، وحوله شابان ، فلمّا قربنا منه ذهب الشابان ، وكانا(3) جبرائيل وميكائيل عليهماالسلام ، فسألناه من أنت ؟ وماذا تصنع ؟ قال : أنا ابن عبد اللّه بن

عبد المطلب .

ص: 125


1- في نسخة « النجف » : « ابنها واسمه » .
2- أُمّ غَيْلان : شجر السَّمُر ، والسَّمُرَةُ بضم الميم : من شجر الطَّلْحِ ، وفي حديث أَصحاب السَّمُرة ، هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية لسان العرب مادة غيل ومادة سمر .
3- في « المخطوطة » : « كان » .

فحمله عبد المطلب على عنقه ، وطاف به حول الكعبة ، وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته ، فلمّا رآها تمسّك بها ، وما التفت إلى أحد(1) .

إنّي أخاف أن تغتال فتقتل

وكان عبد المطلب أرسل رسول اللّه [ محمدا صلى الله عليه و آله ] إلى رعاية في إبل قد ندت(2) له بجمعها ، فلمّا أبطأ عليه نفذ(3) وراءه في كلّ طريق وكلّ شعب ، وأخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول : « يا ربّ إن صغوا تهلك آلك(4) إن تفعل فأمر ما بدا لك » .

فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالإبل ، فلمّا رآه أخذه فقبّله ، فقال : بأبي لا وجهتك بعد هذا في شيء ، فإنّي أخاف أن تغتال فتقتل(5) .

دعوا ابني فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما

عكرمة : كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظلّ الكعبة ، ولا يجلس عليه أحد إلاّ هو ، إجلالاً له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج .

ص: 126


1- تفسير الثعلبي : 10/228 ، الاستيعاب : 2/614 .
2- ندّ البعير : أي شرد وذهب على وجهه .
3- في نسخة « النجف » : « أنفذ » .
4- في الكافي : « يا ربّ أتهلك آلك . . » .
5- الكافي : 1/447 ح24 .

فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه ، فقال لهم عبد المطلب : دعوا ابني ، فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما ، إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم [ يوم ] وهو سيّدكم ، [ إنّي أرى عزّته عزّة تسود الناس ] .

ثم يحمله فيجلسه معه ، ويمسح ظهره ويقبّله ، ويوصيه إلى أبي طالب(1) .

أبو طالب يحمل النبي من المدينة

القاضي المعتمد(2) في تفسيره عن ابن عباس أنّه وقع بين أبي طالب وبين يهودي كلام ، وهو بالشام ، فقال اليهودي : لم تفخر علينا وابن أخيك بمكة يسأل الناس(3) !!!!!

فغضب أبو طالب عليه السلام ، وترك تجارته ، وقدم مكة ، فرأى غلمانا يلعبون ، ومحمد صلى الله عليه و آله فيهم مختلّ الحال(4) !!! فقال له : يا غلام ، من أنت ؟ ومن أبوك ؟ قال : أنا محمد بن عبد اللّه ، أنا يتيم ، لا أب لي ولا أم .

فعانقه أبو طالب عليه السلام وقبّله ، ثم ألبسه جبّة مصرية ، ودهن رأسه ، وشدّ دينارا في ردائه ، ونشر قبله تمرا ، فقال : يا غلمان ، هلمّوا فكلوا .

ص: 127


1- كمال الدين : 171 باب 12 ح28 ، الخرائج : 3/107 ح5 .
2- هو القاضي عبد العزيز نحرير المكنى بابن البراج ، صاحب المهذب والمعتمد وغيرهما ، وكان قاضيا في طرابلس .
3- متى افتقر النبي صلى الله عليه و آله وكان بركة أينما حلّ وارتحل ؟!
4- مرّ قبل قليل أن الذين تناوبوا على خدمته صلى الله عليه و آله كالمرضعة وغيرها كانوا يقدّمونه على أولادهم في الرعاية والتدهين والترجيل والاهتمام .

ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشة ، وقصّ عليها ، فقالت : فلعله أبوك أبو طالب عليه السلام ، قال : لا أدري ، رأيت شيخا بارّا ، إذ مرّ أبو طالب عليه السلام ، فقالت : يا محمد ، كان هذا ؟ قال : نعم ، قالت : هذا أبوك أبو طالب عليه السلام .

فأسرع إليه النبي صلى الله عليه و آله وتعلّق به وقال : يا أبه ، الحمد للّه الذي أرانيك ، لا تخلّفني في هذه البلاد ، فحمله أبو طالب عليه السلام .

عبد المطلب يوصي بالنبي

الأوزاعي(1) : كان النبي

صلى الله عليه و آله في حجر عبد المطلب ، فلمّا أتي عليه إثنان ومائة سنة ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ابن ثمان سنين ، جمع بنيه وقال : محمد بتيم فآووه ، وعائل فأغنوه ، احفظوا وصيّتي فيه ، فقال أبو لهب : أنا له ، فقال : كفّ شرّك عنه ، فقال العباس : أنا له ، فقال : أنت غضبان لعلك تؤذيه ، فقال أبو طالب عليه السلام : أنا له ، فقال : أنت له ، يا محمد أطع له ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أبه ، لا تحزن ، فإنّ لي ربّا لا يضيّعني .

فأمسكه أبو طالب عليه السلام في حجره ، وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة ، ومن غيرهم من بني أعمامه ، ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه اللّه من النبوة .

وأنشأ عبد المطلب :

أوصيك يا عبد مناف بعدي

بموحد بعد أبيه فرد

ص: 128


1- هو عبد الرحمن بن يحمد الأوزاعي من قبيلة الأوزاع ، أبو عمرو ، إمام الديار الشامية ، عرض عليه القضاء فامتنع ، له كتاب « السنن » ، في الفقه ، و« المسائل » .

وقال :

وصيت من كفيته بطالب

عبد مناف وهو ذو تجارب

يا بن الحبيب أكرم الأقارب

يا بن الذي قد غاب غير آيب

فتمثّل أبو طالب ، وكان سمع من الراهب وصفه !! :

لا توصني بلازم وواجب

إنّي سمعت أعجب العجائب

من كلّ حبر عالم وكاتب

بان بحمد اللّه قول الراهب(1)

أبو سعيد الواعظ(2) في كتاب شرف المصطفى : إنّه لمّا حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب ، فقال له : يا بني ، قد علمت شدّة حبّي لمحمد صلى الله عليه و آله ، ووجدي به ، انظر كيف تحفظني فيه ؟ قال أبو طالب :

يا أبه ، لا توصني بمحمد صلى الله عليه و آله ، فإنّه ابني وابن أخي .

فلمّا توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله .

أبو طالب لم يفارقه في ليل أو نهار

ابن عباس : قال أبو طالب عليه السلام لأخيه : يا عباس ، أخبرك عن محمد صلى الله عليه و آله ، إنّي ضممته فلم أفارقه ساعة من ليل أو نهار ، فلم أأتمن أحدا ،

ص: 129


1- الدر النظيم : 211 .
2- وهو أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري الخركوشي ، توفي سنة 406 ه بنيسابور .

حتى نومته في فراشي ، فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت في وجهه الكراهية ، فقال : يا عمّاه ، اصرف بوجهك عنّي حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ، فقلت له : ولم ذاك ؟ فقال : لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي !!

فتعجّبت من قوله ، وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ، فإذا دخلت أنا الفراش إذا بينه وبيني ثوب ، واللّه ما أدخلته في فراشي ، فأمسّه فإذا هو ألين ثوب ، ثم شممته ، كأنّه غمس في مسك ، وكنت إذا أصبحت فقدت "الثوب" .

فكان هذا دأبي ودأبه ، وكنت كثيرا ما أفتقده في فراشي ، فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشي : ها أنا ذا يا عمّ ، فارجع إلى مكانك(1) .

اهتمامه بطعام النبي

وكان النبي صلى الله عليه و آله يأتي زمزم ، فيشرب منها شربة ، فربما عرض عليه أبو طالب عليه السلام الغدا ، فيقول : لا أريده أنا شبعان(2) .

وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغدّيهم يقول : كما أنتم حتى يحضر ابني ، فيأتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيأكل معهم فيبقى الطعام(3) .

ص: 130


1- تفسير الرازي : 3/215 .
2- الطبقات الكبرى : 1/169 ، امتاع الأسماع للمقريزي : 4/100 ، عمدة القاري : 9/277 .
3- الطبقات الكبرى : 1/120 .

مشاهدات أبي طالب

القاضي المعتمد في تفسيره : قال أبو طالب عليه السلام : لقد كنت كثيرا ما أسمع

منه إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني .

وكنّا لا نسمّي على الطعام ، ولا على الشراب ، حتى سمعته يقول : بسم اللّه الأحد ، ثم يأكل ، فإذا فرغ من طعامه قال : الحمد للّه كثيرا ، فتعجّبت منه !!

وكنت ربما أتيت غفلة ، فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء .

ثم لم أر منه كذبة قطّ ، ولا جاهلية قطّ ، ولا رأيته بضحك في [ غير (1)] موضع الضحك ، ولا "وقتا" مع الصبيان في لعب ، ولا التفت إليهم ، وكانت الوحدة أحبّ إليه والتواضع(2) .

امتناعه صلى الله عليه و آله عن أكل الحرام

وكان النبي صلى الله عليه و آله ابن سبع سنين ، فقالت اليهود : وجدنا في كتبنا : إنّ محمدا يجنّبه ربّه من الحرام والشبهات ، فجربوه .

فقدّموا إلى أبي طالب عليه السلام دجاجة مسمّنة ، فكانت قريش يأكلون منها ، والرسول صلى الله عليه و آله تعدل يده عنها ، فقالوا : مالك ؟ قال : أراها حرامايصونني ربّي عنها ، فقالوا : هي حلال ، فنلقمك ، قال : فافعلوا إن قدرتم .

ص: 131


1- لا توجد في النسخ جميعا ، وما أثبتناه من نسخة البحار .
2- تفسير الرازي : 31/215 .

فكانت أيديهم تعدل بها إلى الجهات ، فجاؤه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدّوا ثمنها إذا جاء ، فتناول منها لقمة ، فسقطت من يده ، فقال صلى الله عليه و آله : وما أراها إلاّ من شبهة يصونني ربّي عنها ، فقالوا : نلقمك منها ، فكلّما تناولوا منها ثقلت "في" أيديهم ، فقالوا لهذا

شأن عظيم(1) .

أمّره صبيان بني هاشم منذ الصغر

ولمّا ظهر أمره صلى الله عليه و آله عاداه أبو جهل ، وجمع صبيان بنى مخزوم ، فقال : أنا أميركم .

وانعقد صبيان بني هاشم وبنى عبد المطلب على النبي صلى الله عليه و آله وقالوا : أنت

الأمير(2) .

معجزة النخلة اليابسة في بيت أبي طالب

قالت أم علي عليهماالسلام : وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست(3) ، ولها زمان يابسة ، فأتى النبي صلى الله عليه و آله يوما إلى الشجرة ، فمسّهابكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء ، وحملت الرطب .

ص: 132


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 160 ح79 حديث الدجاجة المشوية .
2- الدر النظيم : 81 .
3- خاست ، خاس الشيء : تغيّر وفسد وأنتن .

فكنت في كلّ يوم أجمع له الرطب في دوخلة(1) ، فإذا كان وقت ضاحي النهار يدخل ، فيقول : يا أماه ، أعطيني ديوان العسكر ، فكان يأخذ الدوخلة ، ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم .

فلمّا كان بعض الأيام دخل وقال : يا أماه ، أعطيني ديوان العسكر ، فقلت : يا ولدي ، اعلم أنّ النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا .

قالت : فوحقّ نور وجهه ، لقد رأيته وقد تقدّم نحو النخلة ، وتكلّم بكلمات ، وإذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده ، فأخذ من الرطب ما أراد ، ثم عادت النخلة إلى ما كانت .

فمن ذلك اليوم قلت : اللّهم ربّ السماء ، ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد صلى الله عليه و آله ، ففي تلك الليلة واقعني أبو طالب عليه السلام ، فحملت بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فرزقته ، فما كان يقرب صنما ، ولا يسجد لوثن ، كلّ ذلك ببركة محمد صلى الله عليه و آله(2) .

سفره الى الشام مع عمّه ولقاء بحيرا

المفسرون عن عبد اللّه بن عباس في قوله تعالى « لإِِيلافِ قُرَيْشٍ »انه كانت لهم في كلّ سنة رحلتان باليمن والشام ، وكان من وقاية أبي طالبانه عزم على الخروج في ركب من قريش إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده صلى الله عليه و آله أخذ النبي بزمام ناقته وقال : يا عم على من تخلفني ولا أب لي

ص: 133


1- الدوخلة : زنبيل من خوص يجعل فيه التمر .
2- الخرائج : 1/139 ، الدر النظيم : 82 .

ولا أم ؟ وكان قيل لي ما يفعل به في هذا الحر وهو غلام صغير فقال : واللّه لأخرجن به ولا أفارقه أبدا .

وفي رواية الطبري : ضبّ(1) به رسول اللّه

صلى الله عليه و آله فرقّ له أبو طالب ، فخشيت له خشية ، وكانوا ركبانا كثيرا ، فكان - واللّه - البعير الذي كان عليه محمد صلى الله عليه و آله أمامي ، ولا يفارقني ، ويسبق الركب كلّهم ، وكانت سحابة

بيضاء مثل الثلج تظلّه ، وربما أمطرت علينا أنواع الفواكه ، وكان يكثر الماء وتخضر الأرض ، وكان وقف جمال قوم ، فمشى إليها ومسح عليها فسارت .

فلمّا قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة تمشي كما تمشي الدابة السريعة ، حتى إذا قربت منّا وقفت ، وإذا فيها راهب ، فلمّا نظر إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : إن كان أحد فأنت أنت .

قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قليلة الأغصان ليس لها حمل ، فاهتزت الشجرة ، وألقت أغصانها عليه ، وحملت ثلاثة أنواع ، فاكهتين للصيف وفاكهة للشتاء .

فجاء بحيراء بطعام يكفي النبي صلى الله عليه و آله وقال : من يتولّى أمر هذا الغلام ؟ فقلت : أنا ، قال : أي شيء تكون منه ؟ قلت : أنا عمّه ، فقال : له أعمام ،فأيّهم أنت ؟ قلت : أنا أخو أبيه من أم واحدة ، فقال : أشهد أنّه هو وإلاّ فلست بحيراء .

ص: 134


1- الضبّ على الشيء بالكف ، هو شدّة القبض على الشيء لئلا يفلت من يده .

فأذن في تقريب الطعام ، فقلت : رجل أحبّ أن يكرمك فكل ، فقال : هو لي من دون أصحابي ؟ قال : هو لك خاصة ، فقال : فإنّي لا آكل دون هؤلاء ، فقال له : إنّه لم يكن عندي أكثر من هذا ، قال : أفتأذن أن يأكلوا معي ؟ قال بلى ، قال : كلوا بسم اللّه .

فأكل وأكلنا معه ، فواللّه لقد كنّا مائة وسبعين رجلاً ، فأكل كلّ واحد منّا حتى شبع وتجشأ ، وبحيراء على رأسه يذبّ عن النبي صلى الله عليه و آله ، ويتعجّب

من كثرة الرجال وقلّة الطعام ، وفي كلّ ساعة يقبّل يافوخه(1) ويقول : هو هو ، وربّ المسيح ، فقالوا له : إنّ لك لشأنا ! قال : إنّي لأرى ما لا ترون ، وأعلم ما لا تعلمون ، وإنّ تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردّوه إلى وطنه ، ولقد رأيت له - وقد أقبل - نورا أمامه ما بين السماء والأرض ، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ، ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ، وقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه ، ثم فاضت هذه الحياض بعد ما غارت في أيام الحواريين .ثم قال : يا غلام ، أسألك بحقّ اللاّت والعزى ! عن ثلاث ، فقال : واللّه ما أبغضت شيئا كبغضي إيّاهما ، فسأله باللّه عن حاله ونومه وهيئته .

ص: 135


1- اليافوخ : هو ملتقى عظم مقدّم الرأس ومؤخره .

ثم نظر إلى خاتم النبوة ، فجعل يقبّل رجليه ، فقال لأبي طالب عليه السلام : ما هو منك ؟ قال : ابني ، قال : ما هو بابنك ، ولا ينبغي أن يكون أبوه حيّا ، فقال : إنّه ابن أخي ، مات أبوه وهو صغير ، فقال : صدقت الآن ، فارجع به إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، واللّه لئن عرفوا منه ما عرفت ليقتلنه ، وإنّ لابن أخيك لشأنا عظيما ، فقال : إن كان الأمر كما وصفت ، فهو في حصن اللّه .

وفي ذلك يقول أبو طالب ، وقد أوردها محمد بن إسحاق :

إنّ ابن آمنة النبي محمدا

عندي بمثل منازل الأولاد

لمّا تعلّق بالزمام رحمته

والعيس قد قلصن بالأزواد(1)

فارفضّ من عيني دمع ذارف

مثل الجمان مفرد الافراد

راعيت فيه قرابة موصولة

وحفظت فيه وصيّة الأجداد

وأمرته بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجاد

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا

لاقوا على شرف من المرصاد

حبرا فأخبرهم حديثا صادقا

عنه وردّ معاشر الحساد(2)

* * *

ص: 136


1- أقلصت الدواب : جدّت في سيرها واستمرت في مضيها ، والأزواد : جمع الزاد : وهو طعام يتخذ للسفر .
2- تاريخ الطبري : 2/32 ، سيرة ابن إسحاق : 2/53 ، سيرة ابن هشام : 1/116 ، اعلام الورى : 1/65 ، تاريخ دمشق : 3/10 ، كمال الدين : 188 باب 15 و14 ، إيمان أبي طالب للمفيد : 37 .

لقاء أبي الميهب الراهب

بكر بن عبد اللّه الأشجعي : إنّ أبا المويهب الراهب سأل عبد مناف(1) بن كنانة ونوفل بن معاوية بالشام : هل قدم معكما "من قريش" غيركما [ من الشام ] ؟ قالا : نعم ، شاب من بني هاشم اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » ، قال : إياه أردت ، قالوا : إنّه يتيم أبي طالب عليه السلام أجير خديجة عليهاالسلام ، فأخذ يحرك رأسه ويقول : هو هو ، فدلاني عليه .

فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : هو هو ، فخلا به يناجيه ، ويقبّل بين عينيه ، وأخرج شيئا من كمّه ليعطيه ، والنبي صلى الله عليه و آله يأبى أن يقبله .

فلمّا فارقه قال : هذا نبي آخر الزمان ، سيخرج عن قريب .

ثم قال : هل ولد لعمّه أبي طالب علي عليهماالسلام ؟ فقلنا : لا ، فقال : هذه سنته ،

وهو أول من يؤمن به ، وإنّا لنجد صفته عندنا بالوصية ، كما نجد صفة محمد صلى الله عليه و آله بالنبوة(2) . . الخبر .

لقاء نسطور

يعلى بن سيابه قال : حكى خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق بن أبي صفيان بن أمية : أنّهما كانا مع النبي صلى الله عليه و آله في سفر ، ولمّا قربنا من الشام

ص: 137


1- في « المخطوطة » : « منات » .
2- كمال الدين : 191 باب 16 ح36 .

رأينا - واللّه - قصور الشامات كلّها قد اهتزت ، وعلا منها نور أعظم من نور الشمس ، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز السوق من ازدحام الناس ينظرون إلى النبي صلى الله عليه و آله .

فجاء حبر عظيم اسمه « نسطور » ، فجلس بحذائه ينظر إليه ، فقال لأبي طالب عليه السلام : ما اسمه ؟ قال : محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله ، فتغيّر لونه ، ثم قال : أريد أكشف ظهره .

فلمّا كشف رأى الخاتم ، فانكب عليه يقبّله ويبكي ، وقال : أسرع بردّه إلى موضعه ، فما أكثر عدوّه في أرضنا .

فلم يزل يتعاهدنا في كلّ يوم ، وأتاه بقميص فلم يقبله ، فأخذه أبو طالب عليه السلام مخافة أن يغتم الرجل(1) .

خروج ميسرة مع النبي ولقاء نسطورا

وزوّج أبو طالب خديجة من النبي صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ نساء قريش اجتمعن في المسجد في عيد ، فإذا هن بيهودي يقول : ليوشك أن يبعث فيكن نبي ، فأيّكن استطاعت أن تكون له أرضا يطأها فلتفعل ، فحصبنه(2) .

وقرّ ذلك القول في قلب خديجة عليهاالسلام ، وكان النبي صلى الله عليه و آله قد استأجرته خديجة عليهاالسلام على أن تعطيه بكرين(3) ، ويسير مع غلامها ميسرة إلى الشام .

ص: 138


1- كمال الدين : 186 باب 14 ح33 .
2- أي رمينه بالحصباء ، والحصباء : الحصى .
3- البكر : الفتي من الإبل .

فلمّا أقبلا في سفرها نزل النبي صلى الله عليه و آله تحت شجرة ، فرآه راهب يقال له « نسطور » ، فاستقبله ، وقبّل يديه ورجليه ، وقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لما رأى منه علامات ، وأنّه نزل تحت الشجرة .

ثم قال لميسرة : طاوعه في أوامره ونواهيه ، فإنّه نبي ، واللّه ما جلس هذا المجلس بعد عيسى عليه السلام أحد غيره ، ولقد بشّر به عيسى عليه السلام « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » ، وهو يملك الأرض بأسرها .

وقال ميسرة : يا محمد ، لقد جزنا(1) عقبات بليلة ، كنّا نجوزها بأيام

كثيرة ، وربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين سنة ببركتك يا محمد ، فاستقبل بخديجة ، وأبشرها بربحنا .

وكانت - وقتئذٍ - جالسة على منظرة لها ، فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه ، وفوقه سحابة معلّق عليها قنديل من زبرجدة ، وحوله قبّة من ياقوتة حمراء ، فظنت ملكا يأتي بخطبتها ، وقالت : اللّهم إليّ والى داري .

فلمّا أتى كان محمدا صلى الله عليه و آله ، وبشّرها بالأرباح ، فقالت : وأين ميسرة ؟قال : يقفو أثري ، قالت : فارجع إليه وكن معه ، ومقصودها لتستيقن حال السحابة ، فكانت السحابة تمرّ معه .

فأقبل ميسرة إلى خديجة عليهاالسلام ، وأخبرها بحاله ، وقال لها : إنّي كنت آكل معه حتى نشبع ويبقى الطعام بحاله كما هو ، وكنت أرى وقت الهاجرة

ص: 139


1- في « المخطوطة » : « أجبتنا » .

ملكين يظلّلانه ، فدعت خديجة عليهاالسلام بطبق عليه رطب ، ودعت رجالاً ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص شيئا .

فأعتقت ميسرة وأولاده ، وأعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة ، ورتبت الخطبة من عمرو بن أسد عمّها(1) .

خطبة خديجة

قال الفسوي في تاريخه : أنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد ، فخطب أبو طالب عليه السلام بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى ، والزمخشري في ربيع الأبرار ، وفي تفسيره الكشاف ، وابن بطة في الإبانة ، والجويني(2) في السير عن الحسن ، والواقدي وأبى صالح والعتبي ، فقال :

الحمد للّه الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل ، ومن ذرّية الصفيّ ،وضئضى ء(3) معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسوّاس حرمه ، وجعل مسكننا بيتا محجوجا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكّام على الناس .

ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد اللّه ، لا يوازن برجل من قريش إلاّ رجح به ، ولا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، وإن كان في المال مقلاًّ

ص: 140


1- كتاب المحبر: 78، تاريخ الطبري: 2/280 ذكر تزويج النبي صلى الله عليه و آله ، الدر النظيم: 87 .
2- الجويني : هو عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف بن عبد اللّه بن يوسف بن محمد الجويني النيسابوري ، الشافعي ، الأشعري ، ضياء الدين ، أبو المعالي ، المعروف بإمام الحرمين ، أصولي متكلّم ، توفي سنة 478 ه ، له تصانيف كثيرة .
3- الضئضى ء : الأصل ، يقال : هو من ضئضى ء كريم ، أي من أصل كريم .

فإنّ المال ورق حائل ، وظلّ زائل ، وله - واللّه - خطب عظيم ، ونبأ شائع ، وله رغبة في خديجة ، ولها فيه رغبة ، فزوجوه ، والصداق ما سألتموه من مالي عاجله وآجله .

فقال خويلد : زوّجناه ، ورضينا به(1) .

وروي أنّه قال بعض قريش : يا عجباه ! أيمهر النساء الرجال !

فغضب أبو طالب عليه السلام وقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان ، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوّجوا إلاّ بالمهر الغالي .

فقال "رجل" من قريش يقال له « عبد اللّه بن غنم » :

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت

لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوّجته خير البرية كلّها

ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

وبشّر به المرءان عيسى بن مريم

وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرّت به الكتّاب قدما بأنّه

رسول من البطحاء هاد ومهتدي(2)

ص: 141


1- تاريخ اليعقوبي : 2/20 ، رسالة في المهر للمفيد : 29 ، الفقيه للصدوق : 3/397 ح4398 ، مكارم الأخلاق للطبرسي : 205 ، إعلام الورى : 1/274 .
2- الكافي : 5/375 ح9 .

ص: 142

فصل 5 : في مبعث النبي صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 143

ص: 144

"« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ »" « إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ » .

« هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ » .

« ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .

أرسله اللّه - تعالى - بعد أربعين سنة من عمره حين تكامل بها(1) ، واشتدّ قواه ، ليكون متهيبا ومتأهّبا لما أنذر به .

درجات بعثته

ولبعثته درجات :

أولها : الرؤيا الصادقة(2) .

والثانية : ما رواه الشعبي وداود بن عامر : إنّ اللّه - تعالى - قرن جبرئيل عليه السلام بنبوة رسوله صلى الله عليه و آله(3) ثلاث سنين ، يسمع حسّه ولا يرى شخصه ، ويعلّمه الشيء بعد الشيء ، ولا ينزل عليه القرآن .

ص: 145


1- تاريخ الطبري : 2/290 ، تاج المواليد للطبري : 6 ، السيرة لابن هشام : 1/153 .
2- مسند أحمد : 6 / 153 ، البخاري : 6 / 87 ، مسلم : 1 / 97 باب بدء الوحي ، المستدرك للحاكم : 3 / 183 ، جامع البيان للطبري : 30 / 318 ، السيرة لابن هشام : 1 / 264 .
3- في نسخة « النجف » : « نبيه » .

فكان في هذه المدّة مبشّرا غير مبعوث إلى الأمّة(1) .

والثالثة : حديث خديجة وورقة بن نوفل(2) .

والرابعة : أمره بتحديث النعم ، فأذن له في ذكره دون إنذاره قوله « وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » أي بما جاءك من النبوة(3) .

والخامسة : حين نزل عليه القرآن بالأمر والنهي ، فصار به مبعوثا ولم يؤمر بالجهر ، ونزل « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » ، فأسلم علي وخديجة

عليهماالسلام ، ثم زيد ، ثم جعفر(4) .

والسادسة : أمر بأن يعمّ بالإنذار بعد خصوصه ، ويجهر بذلك ، ونزل « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » قال ابن إسحاق : وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه ، ونزل « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » فنادى : يا صباحاه(5) .

والسابعة : العبادات لم يشرع منها مدّة مقامه بمكة إلاّ الطهارة والصلاة ، وكانت فرضا عليه وسنّة لاُمّته ، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه ، وذلك [ في ] السنة التاسعة من نبوته(6) .

ص: 146


1- تاريخ الطبري : 2/109 ، الإختصاص للمفيد : 130 ، وفيهما وفي غيرهما : « قرن إسرافيل بنبوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث سنين ، ثم قرن به جبرئيل عشرين سنة » .
2- تاريخ الطبري : 2/48 ، جامع البيان : 30/319 .
3- تاريخ الطبري : 2/306 ، جامع البيان : 30/293 رقم 29059 ، تفسير الثعلبي : 10/231 .
4- تاريخ الطبري : 2/306 - 313 .
5- تاريخ الطبري : 2/318 - 322 .
6- تفسير العياشي : 2/309 ح142 ، علل الشرائع : 324 باب 16 ح1 .

فلمّا تحوّل إلى المدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان(1) ، وحوّلت القبلة(2) ، وفرض زكاة الفطر ، وشرع(3) فيها صلاة العيد ، وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلاً من صلاة الظهر ، ثم فرضت زكاة الأموال ، ثم الحج والعمرة ، والتحليل والتحريم ، والحظر والإباحة ، والاستحباب والكراهة ، ثم فرض الجهاد ، ثم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، ونزل « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » .

كيفية نزول الوحي

وأمّا كيفية نزول الوحي : فقد سأله الحارث بن هشام : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّه عليّ ، فيفصم(4) عنّي فقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلاً ، فيكلمني

فأعي ما يقول(5) .

وروي أنّه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدويالنحل(6) .

ص: 147


1- مروج الذهب : 2/288 .
2- أنساب الأشراف : 1/318 .
3- في « نج » : « فرض » .
4- يفصم : يقلع .
5- الموطأ لمالك : 1/203 رقم 7 ، البخاري : 1/2 باب كيفية بدء الوحي ، سنن الترمذي : 5/258 باب 34 رقم 3713 ، السنن الكبرى للنسائي : 1/324 رقم 1006 ، مجمع البيان : 10/163 .
6- مسند أحمد : 1/34 ، الكامل لعبد اللّه بن عدي : 7/175 رقم 28 ، أسباب النزول للواحدي : 209 .

وروي إنّه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا(1) .

وروي أنّه كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك ، ويربدّ وجهه ، ونكس رأسه ، ونكس أصحابه رؤوسهم [ منه (2)] ، ومنه يقال : برحاء(3) الوحي .

قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه القرآن تلقّاه بلسانه وشفتيه ، كان يعالج من ذلك شدّة ، فنزل « لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ »(4) .

وكان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا ، ويتصدّع رأسه ، ويجد ثقلاً ، قوله تعالى « إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً »(5) .

وسمعت مذاكرة : أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستين ألف مرّة .علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في كتابه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتيا أتاه فيقول : يا رسول اللّه ، فينكر ذلك !

ص: 148


1- الموطأ لمالك : 1/203 رقم 7 ، دلائل الإمامة: 9، مسند أحمد: 6/257، البخاري : 1/3 ، سنن الترمذي : 5/258 باب 34 رقم 3713 ، سنن النسائي : 2/149 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/53 .
2- مسلم : 7/82 ، جامع البيان للطبري : 4/389 .
3- البرحاء : الشدّة ، ومنه برحاء الحمى .
4- المعجم الكبير للطبراني : 11/362 رقم 12298 .
5- المعجم الأوسط للطبراني : 4/118 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/3 رقم 7978 .

فلمّا طال عليه الأمر كان يوما بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب عليه السلام ، فنظر إلى شخص يقول : يا رسول اللّه ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل ، أرسلني اللّه إليك ليتّخذك رسولاً .

فأخبر النبي صلى الله عليه و آلهخديجة عليهاالسلام بذلك ، فقالت : يا محمد ، أرجو أن يكون كذلك !

فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ، وأنزل عليه ماء من السماء ، [ و ]علّمه الوضوء والركوع والسجود .

فلمّا تمّ له أربعون سنة علّمه حدود الصلاة ، ولم ينزل عليه أوقاتها ، فكان يصلّي ركعتين ركعتين في كلّ وقت(1) .

أبو ميسرة وبريدة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان إذا انطلق بارزا سمع صوتا : يا محمد ، فيأتي خديجة عليهاالسلام ، فيقول : يا خديجة ، قد خشيت أن يكون خالط عقلي شيء(2) !!! إنّي إذا خلوت أسمع صوتا وأرى نورا(3) .

ص: 149


1- إعلام الورى : 1/102 باب 3 .
2- روايات بدء الوحي في المصادر العامية ساقطة سندا ، ومتهافتة متنا ، بل تحتوي على ما ينزّه عنه الإنسان العادي فضلاً عن المؤمن ، وناهيك عن أشرف الخلق وسيد الرسل وخاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، وحاشا لسيد الأولين والآخرين الذي أدّبه ربّ العالمين أن يشكّ أو يجهل أو يتردّد أو يراجع أحدا أو لا يعلم ما يوحى اليه ، ولا يعرف جبرئيل عليه السلاموهو يلازم خدمته منذ ولادته صلى الله عليه و آله . ولمعرفة المزيد في مناقشة أخبار بدء الوحي عند العامة راجع الجزء الثالث من كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه و آلهللسيد جعفر مرتضى العاملي - حفظه اللّه - .
3- المصنف لابن أبي شيبة : 8/438 .

ورقة يعرف جبرئيل ويخبر النبي بنبوته !!

محمد بن كعب وعائشة : أول ما بدأ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الوحي الرؤيا الصادقة ، وكان يرى الرؤيا ، فتأتيه مثل فلق الصبح .

ثم حبّب إليه الخلا ، فكان يخلو بغار « حرى » ، فسمع نداء : يا محمد ، فغشى عليه .

فلمّا كان اليوم الثاني سمع مثله نداء ، فرجع إلى خديجة ، فقال زمّلوني زمّلوني ، فواللّه لقد خشيت على عقلي !!!! فقالت : كلا - واللّه - لا يخزيك اللّه أبدا !! إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكل(1) ، وتكسب المعدم(2) ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحقّ !!

فانطلقت خديجة عليهاالسلام حتى أتت ورقة بن نوفل !!! فقال ورقة : هذا واللّه الناموس الذي أُنزل على موسى وعيسى(3) !!!! وإنّي أرى في المنام ثلاث ليال أنّ اللّه أرسل في مكة رسولاً اسمه « محمد » !! وقد قرب وقته ، ولست أرى في الناس رجلاً أفضل منه .فخرج إلى حرى ، فرأى كرسيّا من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من لؤلؤ ، فلمّا رأى ذلك غشى عليه ، فقال ورقة : يا خديجة ، فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك ، فإن خرج فهو ملك ، وإن بقي فهو شيطان !!!!!

ص: 150


1- الكل : من لا ولد له ولا والد ، ومن يكون عبئا على غيره .
2- المعدم : الفقير الذي لا مال له .
3- البخاري : 8/67 ، مسلم : 1/97 ، تاريخ الطبري : 2/47 .

فنزعت خمارها ! فخرج الجائي(1) !

فلمّا اختمرت عاد !

فسأله ورقة عن صفة الجائي !!!

فلمّا حكاه قام ، وقبّل رأسه وقال : ذاك الناموس الأكبر ، الذي نزل على موسى وعيسى عليهماالسلام !!!

ثم قال : ابشر !! فإنّك أنت النبي !!! الذي بشّر به موسى وعيسى عليهماالسلام ، وإنّك نبي مرسل ! ستؤمر بالجهاد !!!

وتوجّه نحوها ، وأنشأ يقول :

فإن يك حقّا يا خديجة فاعلمي

حديثك إيانا فأحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما

من اللّه وحي يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزّا لدينه

ويشقى به الغاوي الشقي المضلّل

فريقان منهم فرقة في جنانه

وأخرى بأغلال الجحيم تغلل(2)* * *

ومن قصيدة له :

يا للرجال لصرف الدهر والقدر

وما لشيء قضاه اللّه من غير

ص: 151


1- الجائي : الآتي .
2- مجمع البيان : 10/398 ، تاريخ الطبري : 2/47 وما بعدها .

حتى خديجة تدعوني لأخبرها

وما لنا بخفي العلم من خبر

فخبّرتني بأمر قد سمعت به

فيما مضى من قديم الناس والعصر

بأنّ أحمد يأتيه فيخبره

جبريل أنّك مبعوث إلى البشر(1)

* * *

ومن قصيدة له :

فخبّرنا عن كلّ خير بعلمه

وللحقّ أبواب لهنّ مفاتح

وإنّ ابن عبد اللّه أحمد مرسل

إلى كلّ من ضمّت عليه الأباطح

وظنّي به أن سوف يبعث صادقا

كما أرسل العبدان نوح وصالح

وموسى وإبراهيم حتى يرى له

بهاء ومنشور من الذكر واضح(2)

* * *

ص: 152


1- السيرة لابن إسحاق : 2/104 ، المستدرك للحاكم : 2/609 .
2- السيرة لابن إسحاق : 2/95 .

نزول جبرئيل على جواد أصفر

وروي أنّه نزل جبرئيل على جواد(1) أصفر ، والنبي

صلى الله عليه و آله بين علي وجعفر عليهماالسلام ، فجلس جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، ولم ينبهاه إعظاما له ، فقال ميكائيل : إلى أيّهم بعثت ؟ قال : إلى الأوسط ، فلمّا انتبه أدّى إليه جبرئيل الرسالة عن اللّه تعالى .

فلمّا نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بثوبه ، ثم قال : ما اسمك ؟ قال : جبرئيل .

ثم نهض النبي صلى الله عليه و آله ليلحق بقومه ، فما مرّ بشجرة ولا مدرة إلاّ سلّمت

عليه وهنأته .

ثم كان جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلاّ بعد أن يستأذن عليه ، فأتاه يوما وهو بأعلى مكة ، فغمز بعقبه بناحية الوادي ، فانفجر عين ، فتوضأ جبرئيل ، وتطهّر الرسول ، ثم صلّى الظهر ، وهي أول صلاة فرضها اللّه تعالى ، وصلّى أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي .

ورجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من يومه إلى خديجة عليهاالسلام ، فأخبرها ، فتوضأتوصلّت صلاة العصر من ذلك اليوم(2) .

نزول جبرئيل وميكائيل ومعهم الملائكة والكراسي والتاج

وروي أنّ جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خطّ فقال : اقرأ ، قلت :

ص: 153


1- في « المخطوطة » : « جياد » ، ولا يوجد في روضة الواعظين : « جياد أصفر » .
2- روضة الواعظين : 52 .

كيف أقرأ ولست بقارئ ؟ إلى ثلاث مرات ، فقال في المرّة الرابعة : « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » إلى قوله « ما لَمْ يَعْلَمْ » .

ثم أنزل اللّه جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام ، ومع كلّ واحد منهما سبعون ألف ملك ، وأتى بالكراسي ، ووضع تاج على رأس محمد صلى الله عليه و آله ، وأعطى لواء الحمد بيده ، فقال : اصعد عليه واحمد اللّه .

فلمّا نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة ، فكان كلّ شيء يسجد له ، ويقول بلسان فصيح : السلام عليك يا نبي اللّه .

فلمّا دخل الدار صارت الدار منورة ، فقالت خديجة : وما هذا النور ؟! قال : هذا نور النبوة ، قولي : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فقالت : طال ما

قد عرفت ذلك ، ثم أسلمت .

فقال : يا خديجة ، إنّى لأجد بردا ، فدثرت عليه ، فنام ، فنودي « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » الآية ، فقام وجعل إصبعه في اُذنه ، وقال : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، فكان كلّ موجود يسمعه يوافقه(1) .

نزول سورة تبت يدا أبي لهب

وروي أنّه لمّا نزل قوله « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم الصفا ، فقال : يا صباحاه(2) .

ص: 154


1- الدر النظيم : 93 .
2- هذه كلمة يقولها المستغيث عند وقوع أمر عظيم ، وأصلها إذا صاحوا للغارة ، لأنّهم أكثر ما كانوا يغيرون وقت الصباح ، فكأنّ القائل : وا صباحاه ، يقول : قد غشينا العدو . مجمع البحرين .

فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : ما لك ؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك ! ألهذا دعوتنا ، فنزلت سورة « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ »(1) .

خطبة النبي ونزول سورة الضحى

قتادة(2) : إنّه خطب ، ثم قال : أيّها الناس ، إنّ الرائد لا يكذب أهله ، ولو كنت كاذبا لما كذبتم ، واللّه الذي لا إله إلاّ هو ، إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصة ، والى الناس عامّة ، واللّه لتموتون كما تنامون ، ولتبعثون كما تستيقظون ، ولتحاسبون كما تعملون(3) ، ولتجزون بالإحسان إحسانا ،وبالسوء سوءا ، وإنّها الجنة أبدا ، والنار أبدا ، وإنّكم أول من أنذرتم(4) .

ثم فتر الوحي ، فجزع لذلك النبي صلى الله عليه و آله جزعا شديدا ، فقالت له خديجة عليهاالسلام : لقد قلاك ربّك !! فنزلت سورة الضحى(5) .

فقال لجبرئيل عليه السلام :

ما يمنعك أن تزورنا في كلّ يوم ؟ فنزل

ص: 155


1- تاريخ الطبري : 2/62 ، مسند أحمد : 1/281 ومواضع أخرى ، البخاري : 6/29 ، مسلم : 1/134 باب شفاعة النبي صلى الله عليه و آله ، سنن الترمذي : 5/121 ح3422 .
2- قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري ، الظفري ، صحابي ، وهو أخو أبي سعيد لأمه ، مات سنة 23 ه .
3- في نسخة « النجف » : « تعلمون » .
4- روضة الواعظين : 53 ، الكامل في التاريخ : 2/61 .
5- المستدرك للحاكم : 2/611 ، الذرية الطاهرة للدولابي : 62 ح27 .

« وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »(1).

إنذار الجن

ابن جبير : توجه النبي صلى الله عليه و آله تلقاء مكة ، وقام بنخلة في جوف الليل

يصلّي ، فمرّ به نفر من الجن ، فوجدوه يصلّي صلاة الغداة ويتلو القرآن ، فاستمعوا إليه(2) .

وقال آخرون : أمر رسول اللّه

صلى الله عليه و آله أن ينذر الجن ، فصرف اللّه إليه نفرا من الجن من نينوى ، قوله « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » .

وكان بات في وادي الجن ، وهو على ميل من المدينة ، فقال : إنّي أمرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيّكم يتبعني ؟ فاتبعه ابن مسعود .

فلمّا دخل "شعب" الحجون من مكة خطّ لي خطّا ، ثم أمرني أن أجلسفيه ، [ وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ، ثم انطلق حتى قام ] ، فافتتح القرآن فغشيته أسود كثيرة [ حتى حالت بيني وبينه حتى لم أسمع صوته ثم انطلقوا ] ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب .

وفرغ النبي صلى الله عليه و آله مع الفجر ، فقال لي : هل رأيت شيئا ؟ فوصفتهم ، فقال : أولئك جن نصيبين(3)(4) .

ص: 156


1- المستدرك للحاكم : 2/611 .
2- تاريخ الطبري : 2/82 ، تفسير القمي : 2/299 وفيه : « وادي مجنة » .
3- مجمع البيان : 9/155 .
4- نصيبين : مدينة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل الى الشام ، وفيها قراها بساتين كثيرة جدّا ، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ ، وبينها وبين الموصل ستة أيام .

الكلبي(1) قال ابن مسعود : لم أكن مع النبي صلى الله عليه و آله ليلة الجن ، وودت أنّي كنت معه(2) ، وهو الصحيح .

روي عن ابن عباس : إنّهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين ، فجعلهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله رسلاً إلى قومهم(3) .

وقال زر بن حبيش : كانوا سبعة منهم زوبعة(4) .

وقال غيره : وهم مسار ويسار "وبشار" ولارد وخميع .

محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : لمّا قرأ النبي صلى الله عليه و آله سورةالرحمن على الناس سكتوا ، فلم يقولوا شيئا ، فقال صلى الله عليه و آله : للجن(5) كانوا أحسن جوابا منكم ، لمّا قرأت عليهم « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » قالوا : لا بشيء من آلائك ربّنا نكذب(6) .

علي بن إبراهيم : فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله فآمنوا به ، وعلّمهم النبي صلى الله عليه و آله شرائع الإسلام ، وأنزل « قُلْ أُوحِيَ » إلى آخر السورة ، وكانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه و آله في كلّ وقت ومكان(7) .

ص: 157


1- هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي ، أبو النضر الكوفي ، النسابة ، مات سنة 46 ه .
2- مجمع البيان : 9/155 .
3- مجمع البيان : 9/155 .
4- مجمع البيان : 9/155 .
5- في نسخة « النجف » : « الجن » .
6- مجمع البيان : 9/155 .
7- تفسير القمي : 2/299 .

قول خزيمة بن حكيم في النبي

قال خزيمة بن حكيم البهزي(1) :

ويعلو أمره حتى تراه

يشير إليه أعظم ما مشير

وهذا عمه سيذب عنه

وينصره بمشحوذ بتور

وتخرجه قريش بعد هذا

إذا ما العم صار إلى القبور

وينصره بيثرب كلّ قرم(2)

بنو أوس وخزرج الأثير

سيقتل من قريش كلّ قوم

وكبشهم سينحر كالجزور

وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه و آله : مرحبا بالمهاجر الأول(3) .

ص: 158


1- في مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي : 3/329 : خزيمة بن حكيم السلمي ، كان بينه وبين خديجة بنت خويلد قرابة . صحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفر الشام ، فأحبّه حبّا شديدا ، ورأى المعجزات منه ، وعلم أنّ له شأنا عظيما ، فحرص على لزومه . وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 16/372 : خزيمة بن حكيم السلمي البهزي ، قيل : إنّ له صحبة ، وأنّه خرج مع النبي صلى الله عليه و آله إلى بصرى في تجارة .
2- في نسخة « النجف » : « قوم » .
3- المعجم الأوسط للطبراني : 7/360 ، قال له النبي صلى الله عليه و آله ذلك في خبر طويل .

فصل 6 : فيما لاقى النبي من الكفار

اشارة

ص: 159

ص: 160

ردّ أبي طالب على أبي لهب

[ رسالة ] الفائق : إنّه لمّا اعترض أبو لهب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند إظهار الدعوة ، قال له أبو طالب عليه السلام : يا أعور ما أنت وهذا ؟

قال الأخفش : الأعور الذي خيب .

وقيل : يا ردي ، ومنه الكلمة العوراء .

وقال ابن الأعرابي : الذي ليس له أخ من أبيه وأمّه(1) .

افتراءات القرشيين ونزول ن والقلم

ابن عباس : إنّ الوليد بن المغيرة أتى قريشا ، فقال : إنّ الناس يجتمعون غدا بالموسم ، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس ، وهم يسألونكم عنه ، فما تقولون ؟ فقال أبو جهل : أقول : إنّه مجنون !! وقال أبو لهب : أقول : إنّه شاعر ! وقال عقبة بن أبي معيط : أقول : إنّه كاهن ! فقال الوليد : بل أقول : هو ساحر يفرّق [ بين ] الرجل والمرأة ، وبين الرجل وأخيه وأبيه(2) .

ص: 161


1- الفائق للزمخشري : 2/409 .
2- مجمع البيان : 10/178 .

فأنزل اللّه تعالى « ن وَالْقَلَمِ » الآية ، وقوله « وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ » الآية .

نزول القرآن ردّا على قول النضر بن الحرث

وكان النبي صلى الله عليه و آله يقرأ القرآن ، فقال أبو سفيان والوليد وعتبة وشيبة للنضر بن الحرث : ما يقول محمد ؟ فقال : أساطير الأولين مثل ما كنت أحدّثكم عن القرون الماضية .

فنزل « وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً »(1) الآية .

الكلبي : قال النضر بن الحرث وعبد اللّه بن أمية : يا محمد ، لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه ، ومعه أربعة أملاك يشهدون عليه أنّه من عند اللّه ، وأنّك رسوله .

فنزل « وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ »(2) .

الردّ على من قال للنبي أخرج الى الشام

وقالت قريش مكة أو يهود المدينة : إنّ هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، وإنّما أرض الأنبياء الشام ، فائت الشام .

فنزل « وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَْرْضِ »(3) .

ص: 162


1- مجمع البيان : 4/29 .
2- تفسير الثعلبي : 4/135 ، أسباب النزول للواحدي : 143 .
3- روضة الواعظين : 407 ، التبيان للطوسي : 6/508 ، مجمع البيان : 6/280 .

الردّ على من أراد أغراه بالمال

وقال أهل مكة : تركت ملّة قومك ، وقد علمنا أنّه لا يحملك على ذلك إلاّ الفقر ، فإنّا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا .

فنزل : « أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا »(1) .

الردّ على من قال أساطير الأولين

وكان المشركون « إِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ » على محمد صلى الله عليه و آله ؟ « قالُوا أَساطِيرُ الأَْوَّلِينَ » .

فنزل « إِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ »(2) الآية .

الردّ على من قال إنّما يعلّمه بشر

ابن عباس : قالت قريش : إنّ القرآن ليس من عند اللّه ، وإنّما يعلّمه « بلعام » ، وكان قينا بمكة روميا نصرانيا ، وقال الضحاك : أرادوا به « سلمان » ، وقال مجاهد : عبدا لبني الحضرمي يقال له « يعيش » .

فنزل « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ »(3) . . الآية ، وقوله

« وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ » محمد

صلى الله عليه و آله ، واختلقه من تلقاءنفسه ، « وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » يعنون « عداسا » مولى خويطب ،

ص: 163


1- أسباب النزول للواحدي : 143 .
2- مجمع البيان : 6/150 .
3- مجمع البيان : 6/200 .

ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وحبرا(1) مولى عامر ، وكانوا [ من ] أهل الكتاب .

فكذبهم اللّه تعالى ، فقال « فَقَدْ جاؤ ظُلْماً وَزُوراً »(2) الآيات .

الردّ على قول الغرانيق العلى

قال علم الهدى والباصر(3) للحقّ في رواياتهم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا بلغ إلى قوله « أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُْخْرى » ألقى الشيطان في تلاوته ( تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى ) ، فسرّ بذلك المشركون ، فلمّا انتهى إلى السجدة سجد المسلمون والمشركون معا .

إن صحّ هذا الخبر ! فمحمول على أنّه كان يتلو القرآن ، فلمّا بلغ إلى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك ، فألقى في تلاوته ، فأضافه اللّه إلى الشيطان ، لأنّه إنّما حصل باغرائه ووسوسته(4) .

وهو الصحيح ، لأنّ المفسرين رووا في قوله « وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً » ، كان النبي صلى الله عليه و آله في المسجد الحرام ، فقام رجلانمن عبد الدار عن يمينه يصفّران(5) ، ورجلان عن يساره يصفّقان

ص: 164


1- في نسخة « النجف » : « حميرا » .
2- مجمع البيان : 7/281 .
3- كذا في المخطوطة وفي نسخة النجف والبحار والمستدرك : « الناصر » .
4- مجمع البيان : 7/162 ، أحكام القرآن للجصاص : 3/321 .
5- صفر الرجل : صوّت بفمه وشفتيه .

بأيديهما ، فيخلطان(1) عليه صلاته ، فقتلهم اللّه جميعا ببدر ، قوله « فَذُوقُوا الْعَذابَ »(2) .

لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ

وروي في قوله « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا » أي قال رؤوساؤوهم من قريش لأتباعهم لمّا عجزوا عن معارضة القرآن [ أن ] « لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ » أي عارضوه باللغو والباطل والمكاء ورفع الصوت بالشعر « لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » باللغو « فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا »(3) .

* * *

قال البحتري(4) :

وأقمت الصلاة في غلف

لا يعرفون الصلاة إلاّ مكاء

الردّ على من قال ما وجد اللّه رسولاً غيرك ؟!

الكلبي : أتى أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : ما وجد اللّه رسولاً

ص: 165


1- في نسخة « النجف » : « فيختلطان » .
2- مجمع البيان : 4/463 .
3- مجمع البيان : 9/19 .
4- البحتري : هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي ، أبو عبادة البحتري ، شاعر كبير ، وهو أحد الشعراء الثلاثة الذين كانوا أشعر الناس في عصرهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد بمنبج ، وخرج الى العراق ، ثم توفي في منبج بالسكتة سنة 284 ه ، وله ديوان شعر ، وكتاب الحماسة ، عدّه بعضهم في شعراء الشيعة . الكنى والألقاب .

غيرك ؟! ما نرى أحدا يصدّقك فيما تقول ! ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أنّه ليس لك عندهم ذكر ، فأرنا من يشهد أنّك رسول اللّه كما تزعم .

فنزل « قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً »(1) الآية .

الردّ على من تعجب من إرسال يتيم أبي طالب

وقالوا : العجب أنّ اللّه - تعالى - لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلاّ يتيم

أبي طالب .

فنزل « الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أَكانَ لِلنّاسِ »(2) . الآيات .

الردّ على من قال أنّه أولى بالنبوة من النبي

وقال الوليد بن المغيرة : واللّه لو كانت النبوة حقّا لكنت أولى بها منك ، لأنّني أكبر منك سنّا ، وأكثر منك مالاً(3) .

وقال جماعة : لم لم يرسل رسولاً من مكة أو من الطائف عظيما - يعنيأبا جهل وعبد نائل - .

فنزل « وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ »(4) .

ص: 166


1- تفسير الثعلبي : 4/140 .
2- مجمع البيان : 5/153 .
3- تفسير الثعلبي : 4/187 .
4- جامع البيان للطبري : 25/83 .

الردّ على أبي جهل

وقال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبي يوحى إليه ، واللّه لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلاّ أن يأتينا

وحي كما يأتيه .

فنزل « وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤمِنَ حَتّى نُؤتى مِثْلَ ما أُوتِيَ »(1) الآية .

الردّ على خاف أن يتخطّفه الناس إن آمن

وقال الحرث بن نوفل بن عبد مناف : إنّا لنعلم أنّ قولك حقّ ، ولكن يمنعنا أن نتبع الذي معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطّفنا العرب من أرضنا ، ولا طاقة لنا بها .

فنزلت « وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا » ، فقال اللّه تعالى رادا عليهم : « أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً »(2) .

كان اليهود يستنصرون به ويعرفونه ثم أنكروه

الزجاج(3) في المعاني ، والثعلبي(4) في الكشف : والزمخشري في الفائق ،

ص: 167


1- تفسير البغوي : 2/128 ، مجمع البيان : 4/155 ، الكشاف للزمخشري : 2/48 .
2- مجمع البيان : 7/449 .
3- هو أبو إسحاق ، إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل البغدادي ، النحوي ، المعروف بالزجاج ، توفي سنة 311 ه ، له مصنفات ، منها « معاني القرآن في التفسير » .
4- أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري ، أبو إسحاق الثعلبي ، المفسر ، توفي سنة 437 ه ، له تصانيف .

والواحدي في أسباب نزول القرآن ، والثمالي(1) في تفسيره ، واللفظ له : أنّه قال عثمان لابن سلام : نزل على محمد صلى الله عليه و آله « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ

الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ » ، فكيف هذه ؟ قال : يعرف

نبي اللّه بالنعت الذي نعته اللّه إذا رأيناه فيكم ، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان ، وأيم اللّه ، لأنا بمحمد أشدّ معرفة منّي بابني ، لأنّي عرفته بما نعته اللّه في كتابنا ، وأمّا ابني ، فإنّي لا أدري ما أحدثت أمّه(2) .

ابن عباس قال : كانت اليهود يستنصرون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل مبعثه ، فلمّا بعثه اللّه - تعالى - من العرب دون بني إسرائيل كفروا به .فقال لهم بشر بن معرور ومعاذ بن جبل : اتقوا اللّه وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه و آله ونحن أهل الشرك ، وتذكرون أنّه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم - أخو بني النظير - : ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنّا نذكركم .

ص: 168


1- ثابت ابن دينار الثمالي الأزدي بالولاء ، أبو حمزة ، ثقة من كبار رجال الشيعة ، روى عنه أهل السنة ، وهو من أهل الكوفة ، استشهد ثلاثة من أولاده مع زيد بن علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان الرضا عليه السلام يقول : هو لقمان زمانه ، من تصانيفه : تفسير القرآن ، وكتاب الزهد .
2- تفسير أبي حمزة الثمالي :113 ح19 ، مجمع البيان : 4/23 .

فنزل « وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ »(1)(2) .

قالوا في قوله « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ » الآية : وكانت اليهود إذا أصابتهم شدّة من الكفار يقولون : اللّهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة .

فلمّا قرب [ وقت ] خروجه صلى الله عليه و آله قالوا : قد أظلّ زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا ، « فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافِرِينَ »(3) ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام .

وكان لأحبار اليهود طعمة(4) ، فحرّفوا صفة النبي

صلى الله عليه و آله في التوراة من الممادح إلى المقابح ، فلمّا قالت عامة اليهود : كان محمدا هو المبعوث في آخر الزمان ، قالت الأحبار : كلاّ وحاشا ، وهذه صفته في التوراة .

إسلام ابن سلام ومحاججته اليهود

وأسلم عبد اللّه بن سلام وقال : يا رسول اللّه ، سل اليهود عنّي ، فإنّهم يقولون : هو أعلمنا ، فإذا قالوا ذلك ، قلت لهم : إنّ التوراة دالة على نبوتك ، وإنّ صفاتك فيها واضحة .

فلمّا سألهم ، قالوا كذلك ، فحينئذٍ أظهر ابن سلام إيمانه ، فكذبوه(5) .

ص: 169


1- في نسخة « النجف » : « من عند اللّه قالوا الى قوله وكانوا من قبل » .
2- مجمع البيان: 1/299، السيرة لابن هشام: 2/389، جامع البيان للطبري: 1/578.
3- جوامع الجامع للطبري : 1/127 .
4- كذا في المخطوطة وفي نسخة النجف : « الأحبار من اليهود يعرفونه » .
5- التبيان للطوسي : 9/271 ، مجمع البيان : 9/139 .

فنزل « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ » الآية .

الردّ على طلب اليهود قربان تأكله النار

الكلبي ، قال كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، ووهب بن يهودا ، وفنحاص ابن عازورا : يا محمد ! إنّ اللّه عهد الينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن زعمت أنّ اللّه بعثك الينا ، فجئنا به نصدقك(1) .

فنزلت « وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ » الآية ، وقوله « قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي » أراد زكريا ويحيى عليهماالسلام ، وجميع من قتلهم اليهود .

تحديث النضر بأخبار العجم

الكلبي : كان النضر بن الحرث يتّجر ، فيخرج إلى فارس فيشتري(2)أخبار الأعاجم ، ويحدّث بها قريشا ، ويقول لهم : إنّ محمدا يحدّثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث اسفنديار ورستم ، فيستملحون حديثه ، ويتركون استماع القرآن(3) .

فنزل « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » .

ص: 170


1- مجمع البيان : 2/462 .
2- في نسخة « النجف » : « فيشري » .
3- الكشاف للزمخشري : 3/229 ، تفسير الثعلبي : 7/310 .

كتابة بعض المسلمين كتب أهل الكتاب

القشيري : إنّ بعض المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب .

فنزل « أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ » .

وقال النبي صلى الله عليه و آله : جئتكم بها بيضاء نقية(1) .

فرية الوليد بن المغيرة وقوله في القرآن

السدي : إنّه قيل للوليد بن المغيرة : ما هذا الذي يقرأ محمد سحر أم كهانة أم خطب ؟ فاستنظهرهم(2) ، وقال للنبي

صلى الله عليه و آله : إقرأ عليّ ، فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال : تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن ؟! قال : لا ، ولكنّي أدعو إلى اللّه ، وهو الرحمن الرحيم .

ثم افتتح « حم السجدة » ، فلمّا بلغ « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ » اقشعر جلده ، وقامت كلّ شعرة عليه ،وحلّفه أن يكفّ .

ثم مضى إلى داره ، فقيل له : قد صبا إلى دين محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : لا ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا ، تقشعر منه الجلود ، قال : قولوا : هو سحر ، فإنّه آخذ بقلوب الناس .

فنزل « ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً » إلى قوله « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ »(3) .

ص: 171


1- مجمع البيان : 8/35 .
2- في نسخة « النجف » : « فاستظهرهم » .
3- تفسير القمي : 2/394 ، إعلام الورى : 1/111 .

عكرمة : إنّه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه و آله قوله « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ » الآية ، فقال : واللّه إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة(1) ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق(2) ، وما يقول هذا بشر(3) .

الردّ على من قال لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً

ابن عباس ومجاهد في قوله : وقال الذين كفروا « لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » كما أنزلت التوراة والإنجيل ، فقال اللّه - تعالى - : « كَذلِكَ » متفرّقا « لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤ'c7دَكَ » .

وذلك أنّه كان يوحى [ إليه ] في كلّ حادثة ، ولأنّها نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤن ، والقرآن نزل على نبي أمّي ، ولأنّ فيه ناسخا ومنسوخا ، وفيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور ، وفيه ما هو إنكار لماكان ، وفيه ما هو حكاية شيء جرى(4) .

لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ

ولم يزل صلى الله عليه و آله يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات ، فنزل « وَلا تَعْجَلْ

بِالْقُرْآنِ » الآية ، ومعناه لا تعجل بقراءته عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته ، كما أنزل عليك التلاوة (5) .

ص: 172


1- الطلاوة : الحسن والرونق .
2- الغدق : المطر الكثير العام ، وأغدقت الأرض : أخصبت .
3- مجمع البيان : 6/196 ، تفسير الثعلبي : 10/72 .
4- مجمع البيان : 7/295 .
5- روضة الواعظين : 53 .

الردّ على إنكار العاص للمعاد

باع خباب بن الأرت سيوفا من العاص بن وائل ، فجاءه يتقاضاه ، فقال : أليس يزعم محمد صلى الله عليه و آله : أنّ في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب وفضة

وثياب وخدم ؟ قال : بلى ، قال : فانظرني أقضك هناك حقّك ، فواللّه لا تكون هنالك وأصحابك عند اللّه آثر منّي .

فنزل « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا » إلى قوله « فَرْداً »(1) .

محاججة ابن الزبعرى

وتكلّم النضر بن الحارث مع النبي صلى الله عليه و آله ، فكلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى أفحمه ، ثم قال : « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ »الآية .

فلمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله قال ابن الزبعرى : أما - واللّه - لو وجدته في المجلس لخصمته ، فاسألوا محمدا أكلّ ما يعبد من دون اللّه في جهنم مع من عبده ، فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى عليه السلام .

فأخبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا ويل أمّه ! أما علم أنّ « ما » لما لا يعقل ، و« من » لمن يعقل ، فنزلت « إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ »(2) . . الآية .

ص: 173


1- أسباب النزول للواحدي : 205 ، مجمع البيان : 6/447 ، الكشاف للزمخشري : 2/522 .
2- المعجم الكبير للطبراني: 12/119، المصنف لابن أبي شيبة: 7/462، تفسير القمي: 2/76 ، مجمع البيان : 7/115 .

محاججة مع اليهود

وقالت اليهود : ألست لم تزل نبيا ؟ قال : بلى ، قالت : فلم لم تنطق في المهد كما نطق عيسى عليه السلام ؟

فقال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق عيسى عليه السلام من غير فحل ، فلولا أنّه نطق في المهد لما كان لمريم عليهاالسلامعذر ، إذ أخذت بما يؤخذ به مثلها ، وأنا ولدت بين أبوين(1) .

استهزاؤهم بالتوحيد

واجتمعت إليه قريش ، فقالوا : إلى ما تدعونا يا محمد صلى الله عليه و آله ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وخلع الأنداد كلّها ، قالوا : ندع ثلاثمائة وستين إلها ،ونعبد إلها واحدا ! فنزل : « وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ » إلى قوله

« عَذابِ »(2) .

طلب الاعتراف بالآلهة

نزل أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور السلمي على عبد اللّه بن أبي عبد اللّه بن أبي سرح ، فقالوا : يا محمد ، ارفض ذكر آلهتنا ، وقل : إنّ لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربّك .

ص: 174


1- السيرة الحلبية : 1/126 .
2- إعلام الورى : 1/107 ، تفسير القمي : 2/229 .

فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه و آله ، فأمر وأخرجوا من المدينة ، ونزل « وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ » من أهل مكة « وَالْمُنافِقِينَ » من أهل المدينة(1) .

عيّروا النبي بكثرة التزوّج

ابن عباس : عيّروا النبي صلى الله عليه و آله بكثرة التزوّج ، وقالوا : لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزوّج النساء ، فنزل « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ »(2) .

تهديد أبي جهل

ابن عباس ، والأصم : كان النبي

صلى الله عليه و آله يصلّي عند المقام ، فمرّ به أبو جهل ،فقال : يا محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟! وتوعّده .

فأغلظ له رسول اللّه صلى الله عليه و آله وانتهره ، فقال : يا محمد ، بأيّ شيء تتهدّدني ؟ أما - واللّه - إنّي لأكبر هذا الوادي ناديا ، فنزل « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى » إلى قوله « فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ » .

فقال ابن عباس : لو نادى ، لأخذته الزبانية بالعذاب مكانه(3) .

موقف قريش وتحدياتهم

القرطي : قالت قريش : يا محمد ، شتمت الآلهة ، وسفّهت الأحلام ،

ص: 175


1- مجمع البيان : 8/116 ، تفسير الثعلبي : 8/5 ، أسباب النزول للواحدي : 236 .
2- مجمع البيان : 6/47 .
3- سنن الترمذي: 5/114 رقم 3407، السنن الكبرى للنسائي: 6/518 رقم 11684.

وفرقت الجماعة ! فإن طلبت مالاً أعطيناك ، أو الشرف سوّدناك ، أو كان بك علّة داويناك ؟!

فقال صلى الله عليه و آله : ليس شيء من ذلك ، بل بعثني اللّه إليكم رسولاً ، وأنزل

كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به ، فهو حظكّم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه أصبر حتى يحكم اللّه بيننا .

قالوا : فسل ربّك أن يبعث ملكا يصدّقك ، ويجعل لنا كنوزا وجنانا وقصورا من ذهب ، أو يسقط علينا السماء كما زعمت « أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً » .

فقال عبد اللّه بن أمية المخزومي : واللّه ، لا أؤمن بك حتى تتّخذ سلما إلى السماء ، ثم ترقى فيه ، وأنا أنظر .فقال أبو جهل : إنّه أبى إلاّ سبّ الآلهة ، وشتم الآباء ، وإنّي أعاهد اللّه لأحملن حجرا ، فإذا سجد ضربت به رأسه .

فانصرف النبي صلى الله عليه و آله حزينا ، فنزل « وَقالُوا لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا »(1) .

قريش تطلب الآيات

الكلبي : قالت قريش : يا محمد ، تخبرنا عن موسى وعيسى وعاد وثمود ، فات بآية حتى نصدّقك ، فقال صلى الله عليه و آله : أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به ؟

ص: 176


1- أسباب النزول للواحدي : 198 ، تفسير القرطبي : 10/328 .

قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك ، وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أو ائتنا « بِاللّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً » ، فقال صلى الله عليه و آله : فان فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني ؟ قالوا : واللّه ، لو فعلت لنتّبعنك أجمعين .

فقام صلى الله عليه و آله يدعو أن يجعل الصفا ذهبا ، فجاء جبرئيل عليه السلام ، فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكن إن لم يصدّقوا عذّبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال صلى الله عليه و آله : بل يتوب تائبهم .

فنزل « وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ »(1) .وروي : أنّ قريشا كانوا يلعنون اليهود والنصارى بتكذيبهم الأنبياء ، ولو أتاهم نبي لنصروه، فلمّا بعث اللّه النبي صلى الله عليه و آله كذبوه، فنزلت هذه الآية(2).

إستهزاؤهم بالنبي

وكانوا يشيرون إليه بالأصابع بما حكى اللّه عنهم : « وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ

كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً » يقول بعضهم لبعض : « أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ » ، وذلك قوله : إنّها جماد لا تنفع ولا تضرّ « وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ »(3) .

ص: 177


1- مجمع البيان : 4/135 ، المستدرك للحاكم : 4/240 .
2- تفسير الثعلبي : 8/115 .
3- مجمع البيان : 7/86 .

إنكار أبي بن خلف المعاد

ومشش(1) أبي بن خلف بعظم رميم ففتّه في يده ، ثم نفخه، فقال: أتزعم أنّ ربّك يحيي هذا بعد ما ترى ، فنزل « وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً »(2) . . السورة .

حرب أبي لهب والعباس مع النبي ودفاع أبي طالب

وذكروا أنّه كان إذا قدم على النبي

صلى الله عليه و آله وفد ؟ ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم ، وقالوا له : اخبر عن ابن أخيك ، فكان يطعن فيالنبي

صلى الله عليه و آله ، وقال الباطل ، وقال : إنّا لم نزل نعالجه من الجنون ، فيرجع القوم ولا يلقونه(3) .

طارق المحاربي : رأيت النبي

صلى الله عليه و آله في سوق ذي المجاز(4) عليه حلّة حمراء ، وهو يقول : يا أيّها الناس ، قولوا : « لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » ، وأبو لهب يتبعه

ويرميه بالحجارة ، وقد أدمى كعبه وعرقوبيه ، وهو يقول : يا أيّها الناس ! لا تطيعوه ، فإنّه كذاب(5) !

ص: 178


1- في الأمالي : « ومشى » ، ومشش العظم : استخرج مخه .
2- أمالي المفيد : 247 ، أمالي الطوسي : 19 ح22 .
3- تفسير العز بن عبد السلام : 503 ، تفسير القرطبي : 20 / 235 ، تفسير الرازي : 32/166 .
4- ذو المجاز : موضع سوق على فرسخ من عرفة كانت تقوم في الجاهلية ثمانية أيام .
5- المصنف لابن أبي شيبة : 8/442 رقم 6 ، كتاب ابن خزيمة : 1/82 ، كتاب ابن حبان : 14/518 ، سنن الدارقطني : 3/40 .

كتاب الشيصبان : روى أبو أيوب الأنصاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله وقف بسوق ذي المجاز ، فدعاهم إلى اللّه ، والعباس قائم يسمع الكلام ، فقال : أشهد أنّك كذّاب ، ومضى إلى أبي لهب وذكر ذلك ، فأقبلا يناديان : إنّ ابن أخينا هذا كذّاب ! فلا يغرّنّكم عن دينكم .

قال : واستقبل النبي صلى الله عليه و آله أبو طالب عليه السلام ، فاكتنفه وأقبل على أبي لهب والعباس ، فقال لهما : ما تريدان تربت أيديكما ، واللّه إنّه لصادق القيل .

ثم أنشأ أبو طالب عليه السلام :

أنت الأمين أمين اللّه لا كذب

والصادق القيل(1) لا لهو ولا لعب

أنت الرسول رسول اللّه نعلمه

عليك تنزل من ذي العزّة الكتب(2)

مقاتل : إنّه رفع أبو جهل يوما بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ ثوبا ] ، فقال : يا محمد ، أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك ومذهبك ، وإنّنا عاملون على ديننا ومذهبنا .

فنزل « وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ »(3) « أَنْ يَفْقَهُوهُ » .

ص: 179


1- في نسخة « النجف » : « القول » .
2- الدر النظيم : 211 .
3- مجمع البيان : 9/7 .

يعبدون اللّه على حرف

ابن عباس : كان جماعة إذا صحّ جسم أحدهم ، ونتجت فرسه ، وولدت امرأته غلاما ، وكثرت ماشيته رضى بالإسلام ، وإن أصابه وجع أو سوء قال : ما أصبت في هذا الدين إلاّ سوء .

فنزل « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ »(1) .

تهديد أبي جهل

ونهى أبو جهل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة وقال : إن رأيت محمدا يصلّي لأطأن عنقه .

فنزل « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً »(2) .

مساومتهم على الدين

ابن عباس في قوله « وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » .

قال وفد ثقيف : نبايعك على ثلاث : لا ننحني ، ولا نكسر إلها بأيدينا ، وتمتعنا باللاّت سنة .

فقال صلى الله عليه و آله: لاخير في دين ليس فيه ركوع وسجود ، فأمّا كسر أصنامكم بأيديكم ، فذاك لكم ، وأمّا الطاغية اللاّت ، فإنّي غير ممتّعكم بها .

ص: 180


1- مجمع البيان : 7/135 .
2- مجمع البيان : 10/225 ، جامع البيان : 29/278 .

قالوا : أجّلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا ، فإذا قبضناها كسرناها وأسلمنا ، فهمّ بتأجيلهم ، فنزلت هذه الآية(1) .

قال قتادة : فلمّا سمع قوله « ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً » قال : اللّهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا(2) .

عقبة يشتم النبي ويجرّه

وكان النبي صلى الله عليه و آله يطوف ، فشتمه عقبة بن أبي معيط ، وألقى عمامته في عنقه ، وجرّه من المسجد ، فأخذوه من يده(3) .

أبو جهل يشتم النبي

وكان صلى الله عليه و آله يوما جالسا على الصفا ، فشتمه أبو جهل ، ثم شجّ رأسه(4) .

أبيات لحمزة عليه السلام

[ قال ] حمزة بن عبد المطلب(5) .

لقد عجبت لأقوام ذوي سفه

من القبيلين من سهم ومخزوم

القائلين لما جاء النبي به

هذا حديث أتانا غير ملزوم

ص: 181


1- مجمع البيان : 6/277 .
2- مجمع البيان : 6/279 .
3- مسند أحمد : 2/204 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/7 ، تاريخ الطبري : 2/72 .
4- إعلام الورى : 1/122 .
5- إعلام الورى : 1/122 .

فقد أتاهم بحقّ غير ذي عوج

ومنزل من كتاب اللّه معلوم

من العزيز الذي لا شيء يعدله

فيه مصاديق من حقّ وتعظيم

فإن يكونوا له ضدّا يكن لكم

ضدّا بغلباء مثل الليل علكوم

فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم

ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم

* * *

ص: 182

فصل 7 : في استظهاره صلى الله عليه و آله بأبي طالب

اشارة

ص: 183

ص: 184

تهديد أبي طالب

تاريخ الطبري والبلاذري(1) : إنّه لمّا نزل « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » صدع النبي صلى الله عليه و آله ونادى قومه بالإسلام .

فلمّا نزل « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » الآيات ، أجمعوا على خلافه ، فحدب عليه أبو طالب عليه السلامومنعه ، فقام عتبة والوليد وأبو جهل والعاص إلى أبي طالب عليه السلام ، فقالوا : إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفّه أحلامنا ، وضلّل آباءنا ، فأمّا أن تكفّه عنّا ، وأمّا أن تخلّي بيننا وبينه ، فقال لهم أبو طالب عليه السلام قولاً رقيقا ، وردّهم ردّا جميلاً .

فمضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ما هو عليه يظهر دين اللّه ، ويدعو إليه ، وأسلم بعض الناس ، فانهمشوا(2) إلى أبي طالب عليه السلام مرّة أخرى ، فقالوا : إنّ لك سنّا وشرفا ومنزلة ، وإنّا قد اشتهيناك أن تنهى ابن أخيك فلم ينته ، وإنّا - واللّه - لا نصبر على هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنّا أو ننازله في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين .

ص: 185


1- هو أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري ، مؤرخ ، جغرافي ، نسابة ، له شعر ، من أهل بغداد ، مات سنة 279 ه ، له مصنفات .
2- انهمشوا : أقبلوا وأدبروا واختلطوا .

فقال أبو طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله : ما بال أقوامك يشكونك ؟ فقال صلى الله عليه و آله : إنّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية ، فقالوا : كلمة واحدة ؟ نعم(1) وأبيك عشرا ، قال أبو طالب عليه السلام : وأيّ كلمة هي يا بن أخي ؟ قال : لا إله إلاّ اللّه .

فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون : « أَجَعَلَ الآْلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا

لَشَيْءٌ عُجابٌ » . ."الى قوله « عَذابِ »"(2) .

واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم

قال ابن إسحاق : إنّ أبا طالب قال له في السرّ : لا تحملني "من الأمر"

ما لا أطيق !!! فظنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قد بدا لعمّه !! وأنّه خاذله !!! [ وأنّه ]

قد ضعف عن نصرته !!! فقال : يا عمّاه ، لو وضعت الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أقتل دونه ، ثم استعبر فبكى ، ثم قام يولّي ، فقال أبو طالب عليه السلام : امض لأمرك ، فو اللّه لا(3) أخذلك أبدا(4) .

وفي رواية أنّه قال صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أدعو إلى دينه

ص: 186


1- في نسخة « النجف » : « قال : نعم . . » .
2- تاريخ الطبري : 2/65 وما بعدها .
3- في نسخة « النجف » : « ما » .
4- تاريخ الطبري : 2/67 ، السيرة لابن إسحاق : 2/135 ، السيرة لابن هشام : 1/172 .

الحنيفية ، وخرج من عنده مغضبا !! فدعاه أبو طالب عليه السلام ، وطيّب قلبه ، ووعده بالنصر ، ثم أنشأ يقول :

واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر(1) بذاك وقرّ منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنّك ناصح

فلقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت دينا قد عرفت بأنّه

من خير أديان البريّة دينا

لولا المخافة أن يكون معرّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا(2)

موقف أبي طالب من مطالب قريش

الطبري والواحدي بإسنادهما عن السدّي ، وروى ابن بابويه في كتاب النبوة عن زين العابدين عليه السلام : أنّه اجتمعت قريش إلى أبي طالب

عليه السلام ورسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده ، فقالوا : نسألك من ابن أخيك النصف ، قال : وما النصف منه ؟ قالوا : يكفّ عنّا ونكفّ عنه ، فلا يكلّمنا ولا نكلّمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله ، إلاّ أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ، وزرعت الشحناء ، وأنبتت البغضاء !!

فقال : يا بن أخي ، أسمعت ؟ قال : يا عمّ ، لو أنصفني بنو عمّي لأجابوا دعوتي ، وقبلوا نصيحتي ، إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أدعوا إلى دينه

ص: 187


1- في نسخة « النجف » : « انشر » .
2- السيرة لابن هشام : 2/136 ، الكشاف للزمخشري : 2/12 ، تفسير الثعلبي : 4/141 ، أسباب النزول للواحدي : 144 ، تاريخ اليعقوبي : 2/31 .

الحنيفية ، ملّة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند اللّه الرضوان والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم اللّه بيننا ، وهو خير الحاكمين .

فقالوا : قل له يكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا يذكرها بسوء ، فنزل « قُلْ أَفَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ » .

قالوا : إن كان صادقا ، فليخبرنا من يؤمن منّا ومن يكفر ؟ فإن وجدناه صادقا آمنّا به ، فنزل « ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤمِنِينَ » .

قالوا : واللّه لنشتمنّك وإلهك ، فنزل « وَانْطَلَقَ الْمَلأَُ مِنْهُمْ » .

قالوا : قل له : فليعبد ما نعبد ، ونعبد ما يعبد ، فنزلت سورة الكافرين .

فقالوا : قل له : أرسله اللّه الينا خاصة أم إلى الناس كافة ؟ قال : بل أرسلت إلى الناس كافة ، إلى الأبيض والأسود ، ومن على رؤوس الجبال ، ومن في لجج البحار ، ولأدعونّ - السنة - فارس والروم « قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً » .

فتجبّرت قريش واستكبرت ، وقالت : واللّه لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا ، فنزل « وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ » ، وقوله « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ » .

فقال مطعم بن عدي : واللّه - يا أبا طالب - لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على أن يتخلّصوا ممّا تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا .

فقال أبو طالب عليه السلام : واللّه ، ما أنصفوني ، ولكنّك قد أجمعت(1) على خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك .

ص: 188


1- في نسخة « النجف » : « اجتمعت » .

فوثبت كلّ قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه و آله ، ومنع اللّه رسوله بعمّه أبي طالب منهم .

وقد قام أبو طالب عليه السلام حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم ، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والقيام دونه ، إلاّ أبا لهب كما قال اللّه : « وَلَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ »(1) .

وقدم قوم من قريش من الطائف ، وأنكروا ذلك ووقعت فتنة ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة(2) .

حرب الفرث والدم

ابن عباس : دخل النبي صلى الله عليه و آله الكعبة وافتتح الصلاة ، فقال أبو جهل : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعرى ، وتناول فرثا ودما ، وألقى ذلك عليه .

فجاء أبو طالب عليه السلام ، وقد سلّ سيفه ، فلمّا رأوه جعلوا ينهضون ، فقال : واللّه ، لئن قام أحد جلّلته بسيفي .

ثم قال : يا بن أخي من الفاعل بك هذا ؟ قال : عبد اللّه ، فأخذ أبو طالب عليه السلام فرثا ودما ، وألقى عليه(3) .

ص: 189


1- روضة الواعظين : 54 في مبعث النبي صلى الله عليه و آله ، تاريخ الطبري : 2/68 ، السيرة لابن هشام : 1/174 .
2- تفسير الثعلبي : 4/98 ، مجمع البيان : 3/40 .
3- تفسير القرطبي : 6/406 .

وفي روايات متواترة : أنّه أمر عبيدة أن يلقوا السلا(1) عن ظهره ، ويغسلوه ، ثم أمرهم أن يأخذوه ، فيمرّوا على أسبلة(2) القوم بذلك(3) .

وفي رواية البخاري : إنّ فاطمة أماطته(4) ، ثم أوسعتهم(5) شتما ، وهم يضحكون ، فلمّا سلّم النبي صلى الله عليه و آلهقال : اللّهم عليك الملأ من قريش ، عليك

أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف .

فواللّه الذي لا إله إلاّ هو ما سمّى النبي صلى الله عليه و آله - يومئذٍ - أحدا إلاّ وقد رأيته يوم بدر ، وقد أخذ برجله يجرّ إلى القليب(6) مقتولاً إلاّ أمية ، فإنّه كان متنفخا في درعه ، فتزايل من جرّه ، فأقروه وألقوا عليه الحجر(7) .

خطاب النبي لأهل قليب بدر

محمد بن إسحاق : وقف النبي صلى الله عليه و آله على قليب بدر ، فقال : بئس عشيرة

ص: 190


1- السلا : غشاء رقيق يحيط بالجنين ، ويخرج معه من بطن أمه .
2- السَّبَلة : الشارب ، والجمع السِّبال ، والسَّبَلة ما ظهر من مُقَدَّم اللحية بعد العارضَيْن . والعُثْنُون ما بَطَن .
3- إعلام الورى : 47 ، الدر النظيم : 212 .
4- أماط الأذى : نحّاه ودفعه .
5- في « المخطوطة » : « أوسعته » .
6- القليب : البئر ، والجمع قُلُب ، وأقلبة .
7- البخاري : 4/219 ، مسلم : 5/180 ، أمالي المرتضى : 2/19 .

الرجل كنتم لنبيكم ، كذّبتموني وصدّقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس .

ثم قال : هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا ؟ فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّا(1) .

ثم قال : إنّهم يسمعون ما أقول(2) .

فقال حسان(3) :

يناديهم رسول اللّه لمّا

قذفناهم كباكب(4) في القليب

ألم تجدوا حديثي كان حقّاوأمر اللّه يأخذ بالقلوب(5)

مقايضتهم النبي بعمارة

الطبري والبلاذري والضحاك(6) قال : لمّا رأت قريش حميّة قومه له ، وذبّ عمّه أبو طالب عليه السلام عنه جاؤوا إليه وقالوا : جئناك بفتى قريش جمالاًوجودا وشهامة « عمارة بن الوليد » ندفعه إليك يكون نصره وميراثه لك ،

ص: 191


1- تاريخ الطبري : 2/156 ، السيرة لابن هشام : 2/467 .
2- تاريخ الطبري : 2/155 ، السيرة لابن هشام : 2/466 .
3- هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار « تيم اللّه » ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، الأنصاري ، الخزرجي ، توفي في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام .
4- في نسخة « النجف » : « كمألب » . والكباكب : مجتمع الخلق الكثير والجماعات .
5- أمالي المرتضى : 2/18 ، السيرة لابن هشام : 2/467 .
6- هو ضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي ، توفي سنة 102 ه ، له تفسير القرآن .

ومع ذلك من عندنا مال(1) ، وتدفع الينا ابن أخيك الذي فرّق جماعتنا ، وسفّه أحلامنا ، فنقتله !!

فقال : واللّه ، ما أنصفتموني ، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم ، وتأخذون ابني تقتلونه ؟! هذا - واللّه - ما لا يكون أبدا ، أتعلمون أنّ الناقة إذا فقدت ولدها لا تحنّ إلى غيره ، ثم نهرهم .

فهمّوا باغتياله ، فمنعهم أبو طالب عليه السلام من ذلك(2) ، وقال فيه :

حميت الرسول رسول الإله

ببيض(3) تلألأ مثل البروق

أذبّ وأحمي رسول الإله

حماية عمّ عليه شفيق(4)

* * *

وأنشد [ أيضا ] :

يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى

وغالب لنا غلاّب كلّ مغالب

وسلّم الينا أحمدا واكفلن لنا

بنيا ولا تحفل بقول المعاتب

فقلت لهم اللّه ربّي وناصري

على كلّ باغ من لؤّ بن غالب(5)

ص: 192


1- لا يوجد في الطبري وغيره : « ومع ذلك من عندنا مال » .
2- مجمع البيان : 4/31 ، تاريخ الطبري : 2/67 ، السيرة لابن هشام : 1/172 .
3- البيض : السيوف .
4- مجمع البيان : 4/31 ، أنساب الأشراف :
5- روضة الواعظين : 141 ، إيمان أبي طالب للمفيد : 48 .

تبييت قريش ووصية أبي طالب

مقاتل : لمّا رأت قريش يعلو أمره قالوا : لا نرى محمدا يزداد إلاّ كبرا وتكبرا !! وإن هو إلاّ ساحر أو مجنون ، وتوعّدوه ، وتعاقدوا لئن مات أبو طالب عليه السلام ليجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله .

وبلغ ذلك أبا طالب عليه السلام ، فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش ، فوصّاهم برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال : إنّ ابن أخي كما يقول ، أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا : إنّ محمدا نبي صادق ، وأمين ناطق ، وإنّ شأنه أعظم شأن ، ومكان من ربّه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وارموا عدوّه من وراء حوزته ، فإنّه الشرف الباقي لكم على(1) الدهر .

وأنشأ يقول :

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

عليا ابني وعمّ الخير عباسا

وحمزة الأسد المخشي صولته

وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا

وهاشما كلّها أوصي بنصرته

أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا(2)

ص: 193


1- في نسخة « النجف » : « مدى » .
2- المرس : الشديد في معالجة الأشياء .

كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت

من دون أحمد عند الروع(1) أتراسا

بكلّ أبيض مصقول عوارضه

تخاله في سواد الليل مقباسا(2)(3)

حضّ حمزة على اتباع النبي

وحضّ(4) أخاه حمزة على اتباعه(5) ، إذ أقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له ن فوجد النبي صلى الله عليه و آله في دار أخته محموما ، وهي باكية ، فقال : ما شأنك ؟ قالت(6) : ذلّ الحي(7) يا أبا عمارة ، لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد - آنفا - من أبى الحكم بن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فآذاه وسبّه(8) ، وبلغ منه ما يكره .

فانصرف ودخل المسجد ، وشجّ رأسه شجّة منكرة ، فهمّ أقرباؤهبضربه ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم .

ص: 194


1- الروع : الفزع .
2- روضة الواعظين : 55 .
3- المقباس : العود ونحوه تقبس به النار .
4- أي حضّ أبو طالب أخاه حمزة على اتباع النبي صلى الله عليه و آله .
5- إيمان أبي طالب للمفيد : 34 ، كنز الفوائد : 79 .
6- في « المخطوطة » : « قال » .
7- في نسخة « النجف » : « الحمى » .
8- في نسخة « النجف » : « سبعه » .

ثم عاد حمزة إلى النبي صلى الله عليه و آله وقال : عزّ بما صنع بك ، ثم أخبره بصنيعه ، فلم يهشّ النبي صلى الله عليه و آله وقال : يا عمّ ، لأنت منهم !! فأسلم حمزة .

فعرفت قريش أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد عزّ ، وأنّ حمزة سيمنعه(1) .

قال ابن عباس : فنزل « أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(2) ، وسرّ أبو طالب بإسلامه ، وأنشأ يقول :

صبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط(3) من أتى بالدين من عند ربّه

بصدق وحقّ لا تكن حمز كافرا

فقد سرّني إذ قلت أنّك مؤمنفكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا

فناد قريشا بالذي قد أتيتهجهارا وقل ما كان أحمد ساحرا(4)

قوله لابنه طالب

وقال لابنه طالب :

ص: 195


1- كتاب المنمق : 340 ، تاريخ الطبري : 2/73 ، السيرة لابن إسحاق : 2/152 ، السيرة لابن هشام : 1/189 .
2- مجمع البيان : 4/151 .
3- حاط : حفظ وتعهّد وصان .
4- إيمان أبي طالب للمفيد : 34 ، كنز الفوائد : 79 ، إعلام الورى : 1/124 .

أبنيّ طالب إنّ شيخك ناصح

فيما يقول مسدّد لك راتق(1)

فاضرب بسيفك من أراد مساءة

حتى تكون لدى المنية ذائق

هذا رجائي فيك بعد منيّتي

لا زلت فيك بكلّ رشد واثق

فاعضد قواه يا بني وكن له

إنّى بجدّك لا محالة لاحق

آها أردّد حسرة لفراقه

إذ لم أراه قد تطاول باسق

أترى أراه واللواء أمامه

وعلي ابني للواء معانق

أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي

هيهات إنّي لا محالة زاهق

كتابه الى النجاشي يدعوه الى الإسلام

وكتب إلى النجاشي « تعلم أبيت اللعن أنّ محمدا » الأبيات ، فأسلم النجاشي ، وكان قد سمع مذاكرة جعفر وعمرو بن العاص(2) ، ونزل فيه « وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ » إلى قوله « جَزاءُ الُْمحْسِنِينَ »(3) .

المحاصرة في الشعب

عكرمة وعروة بن الزبير وحديثهما : لمّا رأت قريش أنّه يفشو أمره في القبائل ، وأنّ حمزة أسلم ، وأنّ عمرو بن العاص ردّ في حاجته عندالنجاشي ، فأجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يقتلوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله علانية .

ص: 196


1- في نسخة « النجف » : « رانق » .
2- السيرة لابن إسحاق : 4/204 .
3- مجمع البيان : 3/400 .

فلمّا رأى ذلك أبو طالب عليه السلام جمع بني عبد المطلب ، فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله شعبهم .

فاجتمع قريش في دار الندوة ، وكتبوا صحيفة على بني هاشم : أن لا يكلّموهم ، ولا يزوّجوهم ، ولا يتزوّجوا إليهم ، ولا يبايعوهم ، أو يسلّموا إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وختم عليها أربعون خاتما ، وعلّقوها في جوف

الكعبة - وفي رواية : عند زمعة بن الأسود - .

فجمع أبو طالب عليه السلام بني هاشم وبني عبد المطلب في شعبه ، وكانوا أربعين رجلاً(1) ، مؤمنهم وكافرهم ، ما خلا أبا لهب وأبا سفيان ، فظاهراهم عليه ، فحلف أبو طالب عليه السلام : لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم .

وحصّن الشعب ، وكان يحرسه بالليل والنهار(2) ، وفي ذلك يقول :

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خطّ في أول الكتب

أليس أبونا هاشم شدّ أزره

وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

وأنّ الذي علّقتم من كتابكم

يكون لكم يوما كراعية السقب(3)

ص: 197


1- في « المخطوطة » : « رجالاً » .
2- إعلام الورى : 1/125 ، السيرة لابن إسحاق : 2/137 .
3- السَّقْبُ : ولدُ الناقةِ ، وقيل: الذكَرُ من ولدِ الناقةِ ، بالسين لا غَيْرُ ؛ وقيل: هو سَقْبٌ ساعةَ تَضَعُه أُمُّه . فإِذا وَضَعَتِ الناقةُ ولدَها فولدها ساعةَ تَضَعُه سَليلٌ قَبْلَ أَن يُعْلَم أَذَكَرٌ هو أَم أُنثى ، فإِذا عُلم ، فإِن كانَ ذَكَراً ، فهو سَقْبٌ ، وأُمُّه مِسْقَبٌ .

أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى

ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب(1)

* * *

وله أيضا :

وقالوا خطّة جورا وحمقا

وبعض القول أبلج مستقيم

لتخرج هاشم فيصير منها

بلاقع بطن مكة والحطيم

فمهلاً قومنا لا تركبونا

بمظلمة لها أمر وخيم

فيندم بعضكم ويذلّ بعض

وليس بمفلح أبدا ظلوم

فلا والراقصات بكلّ خرق(2)

إلى معمور مكة لا يريم(3)

طوال الدهر حتى تقتلونا

ونقتلكم وتلتقي الخصوم

ويعلم معشر قطعوا وعقّوا

بأنّهم هم الجلد(4) الظليم

أرادوا قتل أحمد ظالموه

وليس لقتله فيهم زعيم

ودون محمد فتيان قوم

هم العرنين والعضو الصميم(5)

* * *

ص: 198


1- السيرة لابن إسحاق : 2/138 ، السيرة لابن هشام : 1/235 .
2- الخرق : القفر والمفازة الواسعة البعيدة تنخرق فيها الرياح .
3- لا يريم : لا يبرح .
4- جلده على الأمر : أكرهه عليه .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 14/61 .

وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات ، فمن رأوا معه ميرة(1) نهوه أن يبيع من بني هاشم ، ويحذّرونه من النهب !

فأنفقت خديجة عليهاالسلام على النبي صلى الله عليه و آله فيه مالاً كثيرا(2) .

من قصيدة له

ومن قصيدة لأبي طالب عليه السلام :

فأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا

على ساخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا خاذلين محمدا

لدى غربة منّا ولا متقرّب

ستمنعه منّا يد هاشمية

مركّبها في الناس خير مركّب

فلا والذي تخدى له كلّ نضوة

طليح بجنبي نخلة(3) فالمحصب

يمينا صدقنا اللّه فيها ولم نكن

لنحلف كذبا بالعتيق المحجّب

نفارقه حتى نصرّع حوله

وما نال تكذيب النبي المقرّب(4)

* * *

ص: 199


1- الميرة : الطعام يجمع للسفر وغيره .
2- إعلام الورى : 1/125 ، قصص الأنبياء للراوندي : 325 .
3- في نسخة « النجف » : « نجي نجله » . وفي بعض النسخ : « نجي نجلة » والنضوة والطليح : الإبل الهزيلة ، والنجي : السريع ، والنجل : السير الشديد .
4- إيمان أبي طالب للمفيد : 33 ، السيرة لابن إسحاق : 2/145 ، إعلام الورى : 1/128 .

أبو طالب يفدي النبي ببنيه

وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا أخذ مضجعه ، ونامت العيون ، جاءه أبو طالب عليه السلام ، فأنهضه عن مضجعه ، واضجع عليا عليه السلام مكانه ، ووكّل عليه ولده وولد أخيه .

فقال علي عليه السلام : يا أبتاه إنّي مقتول ذات ليلة ، فقال أبو طالب

عليه السلام :

اصبرن يا بني فالصبر أحجى

كلّ حيّ مصيره لشعوب

قد بلوناك والبلاء شديد

لفداء النجيب وابن النجيب

لفداء الأغرّ(1) ذي الحسب الثاقب

والباع والفناء الرحيب

ان تصبك المنون بالنبل تبرئ

فمصيب منها وغير مصيب

كلّ حيّ وإن تطاول عمرا

آخذا من سهامها بنصيب

فقال علي عليه السلام :

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد

وواللّه ما قلت الذي قلت جازعا

ص: 200


1- في نسخة « النجف » : « الأعزّ » .

ولكنّني أحببت أن ترتضونني

وتعلم أنّي لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه اللّه في نصر أحمد

نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا(1)

* * *

مقايضة أخرى مع أبي طالب

وكانوا لا يأمنون إلاّ في موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجة ، فيشترون ويبيعون فيهما(2) .

وكان النبي صلى الله عليه و آله في كلّ موسم يدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربّي ، وثوابكم على اللّه الجنة ، وأبو لهب في أثره يقول : إنّه ابن أخي ، وهو كذاب ساحر ! فأصابهم الجهد(3) .

وبعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع الينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا(4) .

فأنشأ أبو طالب عليه السلام اللامية التي يقول فيها : « وأبيض يستسقى الغمامبوجهه » ، فلمّا سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه .

ص: 201


1- الفصول المختارة للمرتضى : 59 ، روضة الواعظين : 54 .
2- إعلام الورى : 1/126 ، القصص للراوندي : 326 .
3- إعلام الورى : 1/126 ، القصص للراوندي : 326 .
4- القصص للراوندي : 236 ، إعلام الورى : 1/125 .

ميرة أبي العاص الى الشعب

فكان أبو العاص بن الربيع ، وهو ختن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجيء بالعير(1) بالليل عليها البرّ والتمر إلى باب الشعب، ثم تصبح بها، فحمد النبي صلى الله عليه و آلهفعله .

مدّة المكث في الشعب

فمكثوا بذلك أربع سنين(2) . وقال ابن سيرين : ثلاث سنين .

خبر الصحيفة

وفي كتاب شرف المصطفى : فبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحستها ، فنزل جبرئيل عليه السلام ، فأخبر النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، فأخبر النبي صلى الله عليه و آله أبا طالب عليه السلام .

فدخل أبو طالب عليه السلام على قريش في المسجد ، فعظّموه وقالوا : أردت مواصلتنا ، وأن تسلّم ابن أخيك الينا ؟ قال : [ لا ] واللّه ما جئت لهذا ، ولكن ابن أخي أخبرني ، ولم يكذبني : إنّ اللّه قد أخبره بحال صحيفتكم ، فابعثوا إلى صحيفتكم ، فإن كان حقّا فاتقوا اللّه وارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم ، وإن كان باطلاً دفعته إليكم .

فأتوا بها ، وفكّوا الخواتيم ، فإذا فيها « باسمك اللّهم » واسم « محمد صلى الله عليه و آله »فقط .

ص: 202


1- العير : الحمار ، والفرس ، والإبل لا تكون عيرا حتى يمتار عليها .
2- إعلام الورى : 1/126 ، القصص للراوندي : 326 .

فقال لهم أبو طالب عليه السلام : اتقوا اللّه ، وكفّوا عمّا أنتم عليه ، فسكتوا وتفرقوا(1) .

فنزل « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ » قال : كيف أدعوهم ، وقد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل « يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ » .

الخروج من الشعب

فسأل النبي صلى الله عليه و آله أبا طالب عليه السلام الخروج من الشعب ، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها ، وهم : مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، الذي أجار النبي صلى الله عليه و آله لمّا انصرف من الطائف ، وزهير بن أمية المخزومي

ختن أبي طالب عليه السلام على ابنته عاتكة ، وهشام بن عمرو بن لوي بن غالب ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب(2) .

ص: 203


1- إعلام الورى : 1/128 .
2- لم يسمّ في النسخ الموجودة عندنا إلاّ هؤلاء الخمسة ، وفي السيرة لابن إسحاق : 2/145 : ثم إنّه قام في نقض الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ، ولم يبل أحد فيها بلاء أحسن ببلاء من هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن خبيب بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وذلك أنّه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمّه ، وكان عمرو ونضلة أخوين لأم ، وكان هشام لبني هاشم واصلاً ، وكان ذا شرف في قومه ، وكان فيما بلغني يأتي بني المغيرة وبني هاشم وبني المطلب في الشعب ليلاً قد أوقر جملاً طعاما حتى إذا أقبله في الشعب حلّ خطامه من رأسه ثم ضرب جنبه ، فدخل الشعب عليهم ، ويأتي به وقد أوقره برّا أو بزا ، فيفعل به مثل ذلك . ثم إنّه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، وكانت أمّه عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال لزهير : قد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يباعون ولا يباع منهم ، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ، ولا يأمنون ولا يؤمن عليهم ، أما إنّي أحلف باللّه لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا . قال : ويحك فما أصنع ؟ أنا رجل واحد ، قال : فقال : قد وجدت ثانيا ، قال : ومن هو ؟ قال : أنا أقوم معك ، فقال له زهير : أبغنا ثالثا . قال : فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، فقال له : يا مطعم قد رضيت أن تهلك بطن من بني عبد مناف ، وأنت شاهد على ذلك موافق عليه ، أما واللّه لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها سراعا منكم ، فقال : ويحك فما أصنع إنّما أنا رجل ؟ فقال : قد وجدت ثانيا ، قال : فمن هو ؟ قال : أنا ، فقال : أبغنا ثالثا ، قال : قد فعلت ، قال : ومن هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، قال : فابغنا رابعا يتكلّم معنا . قال: فذهب إلى أبي البختري بن هشام ، فذكر قرابتهم وحقّهم ، فقال: هل معك من أحد يعين على هذا ؟ قال : نعم ، المطعم بن عدي ، وزهير ابن أبي أمية ، فقال : ابغنا خامسا . فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلّمه ، وذكر له قرابتهم وحقّهم ، فقال له زمعة : هل معك على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ فقال : نعم ، ثم سمى له القوم ، فتواعدوا عند حطم الحجون ليلاً بأعلى مكة ، فاجتمعوا هناك ، وأجمعوا أمرهم ، وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ، فقال زهير : أنا أبدؤكم فأكون أولكم ، فلمّا أصبحوا غدوا على أنديتهم . . . وفي أنساب الأشراف : 1/273 أضاف اليهم « عدي بن قيس » .

وقال هؤلاء السبعة : أخرقها اللّه ، وعزموا أن يقطعوا يمين كاتبها ، وهو منصور بن عكرمة بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار ، فوجدوهاشلاء ، فقالوا : قطعها اللّه ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله في الدعوة(1) .

ص: 204


1- الدر النظيم : 209 .

وفي ذلك يقول أبو طالب عليه السلام :

ألا هل أتى نجدينا صنع ربّنا

على نأيهم واللّه بالناس أرود

فيخبرهم أنّ الصحيفة مزّقت

وأنّ كلّ ما لم يرضه اللّه يفسد

يراوحها أفك وسحر مجمع

ولم تلق سحر آخر الدهر يصعد(1)

* * *

وله أيضا :

وقد كان من أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبر غائب القوم يعجب

محى اللّه منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحقّ معرب

وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

ومن يختلق ما ليس بالحقّ يكذب

وأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدقا

على سخط من قومنا غيرمعتب(2)

* * *

وله :

تطاول ليلي بهم نصب

ودمعي كسحّ(3) السقاء السرب(4)

ولعب قصي بأحلامها

وهل يرجع الحلم بعد اللعب

ونفي قصي بني هاشم

كنفي الطهاة لطاف الحطب

ص: 205


1- السيرة لابن إسحاق : 2/147 ، السيرة لابن هشام : 1/254 ، الدر النظيم : 209 .
2- إيمان أبي طالب للمفيد : 34 ، مجمع البيان : 4/32 ، السيرة لابن إسحاق : 2/145 ، إعلام الورى : 1/128 .
3- في بعض النسخ : « كسفح » والسفح : الإراقة والإرسال ، والسحّ : يعني السيلان من فوق .
4- السرب : الماء السائل .

وقول لأحمد أنت امرى ء

خلوق الحديث ضعيف النسب

ألا إنّ أحمد قد جاءهم

بحقّ ولم يأتهم بالكذب

على أنّ إخواننا وازروا

بني هاشم وبني المطلب

هما أخوان كعظم اليمين

أمرّا علينا كعقد الكرب(1)

فيا لقصي ألم تخبروا

بما قد خلا من شؤون العرب

فلا تمسكن بأيديكم

بعيد الأنوق لعجب الذنب(2)

ورمتم بأحمد ما رمتم

على الآصرات وقرب النسب

فإنّي وما حجّ من راكب

وكعبة مكة ذات الحجب

تنالون أحمد أو تصطلوا

ظبات(3) الرماح وحدّ القضب(4)

وتفترقوا بين أبنائكم

صدور العوالي وخيلاً العصب(5)(6)

* * *

ص: 206


1- الكرب : الحبل يشدّ في وسط خشبة الدلو فوق الرشاء ليقويه .
2- عجب الذنب : العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز .
3- الظبة : حدّ السيف والسنان والخنجر وما شابهها .
4- القضب : السيوف القاطعة .
5- السيرة لابن إسحاق : 2/143 .
6- العصب : هو ما بين العشرة الى الأربعين من الرجال والخيل والطير .

فصل 8 : فيما لقيه صلى الله عليه و آله من قومه بعد موت عمّه

اشارة

ص: 207

ص: 208

ما نال منّي قريش شيئا حتى مات أبو طالب

الزهري في قوله : « وَلَقَدْ مَكَّنّاكُمْ » الآيات ، قال : لمّا توفي أبو طالب عليه السلام

لم يجد النبي صلى الله عليه و آله ناصرا ، ونثروا على رأسه التراب .

قال : ما نال منّي قريش شيئا حتى مات أبو طالب عليه السلام(1) .

وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل ، وهو ذراع وشبر في ذراع ، إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران(2) .

أم جميل تحمل على النبي

ولمّا نزلت « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ » جاءت أم جميل عمّة معاوية إلى النبي صلى الله عليه و آله وبيدها فهر(3) ، ولها ولولة ، وهي تقول :

مذمّما أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا

ص: 209


1- تاريخ الطبري : 2/80 ، السيرة لابن هشام : 2/283 .
2- تاريخ الطبري : 2/36 .
3- الفهر : الحجر قدر ما يملأ الكفّ ، وقيل : الحجر مطلقا .

والنبي صلى الله عليه و آله في المسجد ، فقيل : يا رسول اللّه ! قد أقبلت أم جميل ، وإنّا نخاف أن تراك ، فقال : إنّها لن تراني .

فوقفت على المسجد، وقالت : [ قد ] بلغني أنّ صاحبكم هجاني ، فقالوا:

لا - وربّ هذا البيت - ما هجاك ، فولّت وهي تقول : قد علمت قريش إنّي بنت سيّدها(1) .

خروج النبي الى الطائف بعد وفاة أبي طالب

الزهري في قوله تعالى : « فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ » الآية ، لمّا توفي أبو طالب عليه السلام ، واشتدّ عليه البلاء عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها : عبد نائل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ، ودمّوا رجليه ، فخلص منهم ، واستظلّ في ظلّ حبلة(2) منه ، وقال : اللّهم إنّي أشكو إليك من ضعف قوتي ، وقلّة حيلتي وناصري ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .

فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى « عداسا » ، وكان نصرانيا .

فلمّا مدّ يده وقال : بسم اللّه ، فقال : إنّ أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من أين أنت ؟ قال : من بلدة « نينوى » ، فقال صلى الله عليه و آله : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ! قال : وبما تعرفه ؟ قال : أنا رسول اللّه ،

ص: 210


1- المستدرك للحاكم : 2/361 ، مجمع البيان : 10/477 ، إعلام الورى : 1/87 .
2- الحبل : شجرة العنب ، واحدته « حبلة » .

واللّه أخبرني خبر يونس ، فخرّ عداس ساجدا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجعل يقبّل قدميه ، وهما يسيلان الدماء .

فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك ، فلمّا انصرف عنه سئل عن مقالته ، فقال : واللّه إنّه نبي صادق ، فقالوا : إنّ هذا رجل خدّاع لا يفتننّك عن نصرانيتك(1) !!

قولهم عند وفاة أبي طالب وخديجة

وقالوا : لو كان محمد صلى الله عليه و آله نبيا لشغلته النبوة عن النساء(2) ، ولأمكنه جميع الآيات ، ولأمكنه منع الموت عن أقاربه ، ولمّا مات أبو طالب وخديجة عليهماالسلام ، فنزل « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ »(3) .

كتاب أبي جهل الى النبي صلى الله عليه و آله وردّ النبي عليه

وروي عن الحسن العسكري عليه السلام في خبر إنّ أبا جهل كتب إلى النبي

صلى الله عليه و آله بالمدينة : إنّ الحيوط(4) التي في رأسك هي التي ضيّقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنّها لا تزال "بك" تنفرك . . . إلى آخره .

ص: 211


1- مجمع البيان : 9/155 ، دلائل النبوة : 2/414 ، إعلام الورى : 1/135 ، القصص للراوندي : 328 .
2- تفسير الثعلبي : 3/329 ، مجمع البيان : 6/47 ، تفسير السمرقندي : 1/336 .
3- مجمع البيان : 6/48 ، أسباب النزول : 185 ، وغيرها من المصادر الكثيرة ، ذكروا ذلك في مقام الدفاع عن كثرة أزواج النبي صلى الله عليه و آله .
4- كذا في النسخ الموجودة عندنا ، وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام : « خبوط » ، وفي البحار والإحتجاج : « خيوط » ، والحط ء مهموز : شدّة الصرع ، والخبط : كلُّ سيرٍ على غير هدى ، والخُباطُ : داء كالجُنون وليس به ، وخبَطَه الشيطانُ وتَخَبَّطَه : مسَّه بأَذىً وأَفسَدَه ، والخيط : هو السلك ، قيل : إنّه كناية عن الجنون .

فكان جواب النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أبا جهل بالمكاره والعطب يتهدّدني ، وربّ العالمين بالنصر والظفر [ عليه ]يعدني ، وخبر اللّه أصدق ، والقبول من اللّه أحقّ ، لن يضرّ محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره [ اللّه ] ، ويتفضّل بجوده وكرمه .

قل له : يا أبا جهل ، إنّك راسلتني بما ألقاه في جلدك الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن : إنّ الحرب بيننا وبينك كافية إلى تسعة وعشرين ، وإنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان - وذكر عددا من قريش في قليب مقتّلين - أقتل منكم سبعين ، وأوسر منكم سبعين أحملهم على الفدا أو القتل .

ثم نادى : ألا تحبّون أن أريكم مصرع كلّ واحد من هؤلاء ، هلمّوا إلى

بدر فإنّ هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، فلم يجبه إلاّ علي عليه السلام ،

وقال : نعم بسم اللّه .

فقال لليهود : اخطوا خطوة واحدة ، فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم ويوصلكم إلى هناك .

فخطى القوم خطوة ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر ، فقال : هذا مصرع عتبة ، وذاك مصرع الوليد ، إلى أن سمّى تمام سبعين ، وسيؤسر فلان وفلانإلى أن ذكر سبعين منهم .

ص: 212

فلمّا انتهوا إلى آخرها قال : هذا مصرع أبي جهل ، يجرحه(1) فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي .

ثم قال : إنّ ذلك لحقّ كائن بعد ثمانية وعشرين يوما(2) .

* * *

كم درّ جهل أبي جهل بمجهلة

وشاب شيبة قبل الموت من وجل

* * *

[ وقال ] حسان بن ثابت :

متى يبد في الليل البهيم جبينه

يلوح كمصباح الدجى المتوقد

فمن كان أو من ذا يكون كأحمد

نظاما لحقّ أو نكالاً لملحد(3)

* * *

[ وقال ] بجير بن زهير(4) :

أتانا نبي بعد يأس وفترة

من اللّه والأوثان في الأرض تعبد

وشقّ له من اسمه لجلاله

فذو العرش محمود وهذا محمد

وأشركه في ذكره جلّ ذكره

تخلد في الجنات فيمن تخلدوا

أغرّ عليه للنبوة خاتم

من اللّه مشهود يلوح ويشهد(5)

ص: 213


1- في نسخة « النجف » : « يخرجه » .
2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 279 ، الإحتجاج : 1/40 .
3- الإستيعاب : 1/341 .
4- في بعض النسخ : « بحير » ، وكذا في بعض المصادر ، وفي أكثر المصادر : « بجير » ، وهو بجير بن زهير بن أبي سلمى ، أخو كعب بن زهير الشاعر المعروف .
5- مجمع البيان: 2/403، تفسير الثعلبي: 3/177، وفيها وفي غيرها الأبيات لحسان.

[ وقال ] غيره :

محمد خير من يمشي على قدم

ممّن برى اللّه من إنس ومن جان

هو الذي قدر اللّه القضاء له

ألا يكون له في خلقه ثان

هو الذي امتحن اللّه القلوب به

عمّا تجمجم(1) من كفر وإيمان

* * *

[ وقال ] آخر :

لبست رداء الفخر في صلب آدم

فما تنتهي إلاّ إليك المفاخر

وللّه بدر في السماء منور

وأنت لنا بدر على الأرض زاهر

* * *

ص: 214


1- جمجم في صدره شيئا : أخفاه ولم يبده .

فصل 9 : في حفظ اللّه - تعالى - له من المشركين وكيد الشياطين

اشارة

ص: 215

ص: 216

محاولة إغتيال النبي

جابر بن عبد اللّه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله نزل تحت شجرة ، فعلّق بها سيفه ، ثم نام ، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه و آله ،

فقال : يا محمد ، من يعصمك الآن منّي ؟ قال : اللّه تعالى ، فرجف وسقط السيف من يده(1) .

وفي خبر آخر : أنّه بقي جالسا زمانا ، ولم يعاقبه النبي(2) صلى الله عليه و آله .

الثمالي في تفسير قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ » إنّ القاصد إلى النبي صلى الله عليه و آلهكان دعثور بن الحارث ، فدفع جبرئيل عليه السلامفي صدره ، فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول اللّه

صلى الله عليه و آله وقام على رأسه ، فقال : ما يمنعك منّي ؟ فقال : لا أحد ، وأنا أعهد أن لا أقاتلك أبدا ، ولا أعين عليك عددا(3) ، فأطلقه .

فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ قال: نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري ، فعرفت أنّه ملك .

ويقال : إنّه أسلم ، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام(4) .

ص: 217


1- تفسير الثعلبي : 4/90 ، تفسير البغوي : 2/52 .
2- مسند أحمد : 3/311 ، البخاري : 3/330 .
3- في نسخة « النجف » : « عدوا » .
4- تفسير أبي حمزة الثمالي : 154 ، الطبقات الكبرى : 2/35 ، إعلام الورى : 1/174 .

لو دنا منّي لاختطفته الملائكة

حذيفة وأبو هريرة : جاء أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وهو يصلّي ليطأ على رقبته ، فجعل ينكص على عقبيه ، فقيل له : ما لك ؟ قال : إنّ بيني وبينه خندقا من نار مهولاً ، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فنزل « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى »(1) الآيات .

تعاقدوا على قتله فقتلهم اللّه

ابن عباس : إنّ قريشا اجتمعوا في الحجر ، فتعاقدوا باللاّت والعزّى ومناة ، لو رأينا محمدا لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنّه .

فدخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه و آله باكية ، وحكت مقالهم ، فقال : يا بنيه ،

ادني وضوءا ، فتوضأ ، ثم خرج إلى المسجد .

فلمّا رأوه قالوا : ها هو ذا ، وخفضت رؤوسهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله قبضة من التراب فحصبهم(2) بها ، وقال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قتليوم بدر(3) .

ص: 218


1- مسند أحمد : 2/370 ، مسلم : 8/130 ، مسند أبي يعلى : 11/71 رقم 6207 ، ابن حبان : 14/533 ، مجمع البيان : 10/400 ، جامع البيان للطبري : 30/324 ، تفسير ابن أبي حاتم : 10/345 ، تفسير الثعلبي : 10/246 ، وفي الأكثر : « خندقا من نار وهولاً وأجنحة » .
2- الحصب : الرمي بالحصباء ، وهي الحصى .
3- مسند أحمد : 1/303 ، ابن حبان : 14/430 .

يا أرض خذيه

محمد بن إسحاق : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله مهاجرا تبعه سراقة بن جعشم(1) مع خيله ، فلمّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا ، فكأن قوائم فرسه ساخت حتى تغيّبت .

فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله حتى دعا ، وصار إلى وجه الأرض ، فقصد كذلك ثلاثا والنبي صلى الله عليه و آله يقول : يا أرض خذيه ، وإذا تضرّع قال : دعيه ، فكفّ بعد الرابعة أن لا يعود إلى ما يسوؤه(2) .

وفي رواية : واتبعة دخان حتى استغاثه ، فانطلق الفرس(3) ، فعذله أبو جهل .

وقال سراقة :

أبا حكم واللاّت لو كنت شاهدا

لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأنّ محمدا

نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه

عليك فكفّ الناس عنه فإنّني

أرى أمره يوما ستبدو معالمه(4)

* * *

[ وقال ] خطيب منيح :ومن أخذت سراقة حين أهوى

إليه الأرض أخذة قاطنينا

فصاح به وناداه أقلني

فلست لمثلها في العايدينا

ص: 219


1- في نسخة « النجف » : « جيشم » .
2- البخاري : 4/257 ، مسند أحمد : 4/176 ، ابن حبان : 14/186 ، المعجم الكبير للطبراني : 7/133 .
3- المعجم الكبير : 7/135 .
4- إعلام الورى : 1/78 ، دلائل النبوة للبيهقي : 2/489 .

[ وقال ] نصر بن المنتصر :

من قال للأرض خذي فأخذت

عدوّه لمّا رآه قد طغا

* * *

[ وقال ] غيره(1) :

وفي سراقة آيات مبينة

إذ ساخت الحجر في وحل بلا وحل

رماه أبو جهل بحصاة فوقفت الحصاة معلّقه

وكان صلى الله عليه و آله مارا في بطحاء مكة ، فرماه أبو جهل بحصاة ، فوقفت الحصاة

معلّقه سبعة أيام ولياليها ، فقالوا : من يرفعها ؟ قال : يرفعه « الَّذِي رَفَعَ

السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها »(2)

يا شيب قاتل الكفار

عكرمة : لمّا غزا يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه ، فوجد عباسا ، فأتى عن يساره ، فوجد أبا سفيان(3) بن الحارث ، فأتىمن خلفه ، فوقعت بينهما شواظ من نار ، فرجع القهقرى ، فرجع النبي صلى الله عليه و آله

إليه وقال : يا شيب ، يا شيب ، ادن منّي ، اللّهم اذهب عنه الشيطان .

ص: 220


1- في نسخة « النجف » : « آخر » .
2- الدر النظيم : 95 .
3- في « المخطوطة » : « سفين » .

قال : فنظرت إليه ، ولهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري ، فقال : يا شيب ، قاتل الكفار .

فلمّا انقضى القتال دخل عليه ، فقال : الذي أراد اللّه بك خير ممّا أردته لنفسك ، وحدّثه بجميع ما زوى في نفسه ، فأسلم(1) .

اللّهم اكفنيهما بما شئت

ابن عباس في قوله « وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ » قال عامر بن الطفيل لأربد

بن قيس : قد شغلته عنك مرارا ، أفلا ضربته(2) ؟ - يعني النبي

صلى الله عليه و آله - ، فقال أربد : أردت ذلك مرّتين ، فاعترض لي في أحدهما حائط من حديد ، ثم رأيتك الثانية بيني وبينه ، أفأقتلك(3)(4) ؟

وفي رواية الكلبي : أنّه لمّا اخترط من سيفه شبرا لم يقدر على سلّه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم اكفنيهما بما شئت(5) .

وفي رواية : إنّ السيف لصق به(6) .

وفي الروايات كلّها : أنّه لم يصل واحد منهما إلى منزله :

ص: 221


1- إعلام الورى : 1/232 .
2- في نسخة « النجف » : « فلأضربنه » .
3- في نسخة « النجف » : « أفأقبلك » .
4- قرب الإسناد للحميري : 321 ، تاريخ الطبري : 2/398 ، السيرة لابن هشام : 4/992 ، إعلام الورى : 1/250 .
5- تفسير مقاتل : 2/171 .
6- جامع البيان للطبري : 13/166 .

أمّا عامر ، فغدّ(1) في ديار بني سلول ، فجعل يقول : أغدّة كغدّة البعير ، وموتا في بيت السلولية(2) .

وأمّا أربد ، فارتفعت له سحابة ، فرمته بصاعقة فأحرقته(3) ، وكان أخا لبيد لاُمّه ، فقال يرثيه :

فجعني البرد والصواعق بال-

-فارس يوم الكريهة النجد

أخشى على أربد الحتوف ولا

أرهب نوء السماك والأسد(4)

دعا عليهم النبي فأخذ اللّه بأبصارهم

ابن عباس وأنس وعبد اللّه بن مغفل(5) : إنّ ثمانين رجلاً من أهل مكةهبطوا من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم(6) .

ص: 222


1- الغدة بضم الغين : لحم أسود مستصحب للشحم يحدث عن داء بين الجلد واللحم ، يتحرّك بالتحريك ، وهي للبعير كالطاعون للإنسان ، والجمع غدد . مجمع البحرين .
2- الفائق للزمخشري : 2/426 ، الإستيعاب : 4/1487 ، تفسير الثعلبي : 5/277 ، أسباب النزول : 184 .
3- التبيان للطوسي : 6/232 ، تفسير ابن أبي حاتم : 7/2231 ، جامع البيان : 13/158 .
4- مجمع البيان : 6/23 ، تفسير الثعلبي : 5/278 .
5- عبد اللّه بن مغفل بن عبيد بن نهم ، أبو عبد الرحمن المزني ، صحابي ، نزل البصرة ، ومات سنة 57 ه .
6- مسند أحمد : 3/125 ، مسلم : 5/196 ، سنن الترمذي : 5/62 رقم 3317 ، المصنف لابن أبي شيبة : 8/536 .

وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه و آله جالسا في ظلّ شجرة ، وبين يديه علي عليه السلام يكتب الصلح ، وهم ثلاثون شابا ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه و آله ، فأخذ اللّه بأبصارهم حتى أخذناهم ، فخلّى سبيلهم .

فنزل « وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ »(1) .

عاقبة المستهزئين

ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور(2) في قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ »

الآيات :

كان المستهزؤون به جماعة مثل : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، وأبو زمعة الأسود بن المطلب ، والعاص بن وائل السهمي ، والحرث بن قيس(3) السهمي ، وعقبة بن أبي معيط ، وفيهلة(4)بن عامر الفهري ، والأسود بن الحرث ، وأبو أجيحة سعيد بن العاص ، والنضر بن الحرث العبدري ، والحكم بن العاص بن أمية ، وعتبة بن ربيعة ، وطعيمة بن عدي ، والحرث بن عامر بن نوفل ، وأبو البختري العاص بن هاشم بن أسد ، وأبو جهل ، وأبو لهب(5) .

ص: 223


1- مجمع البيان : 9/206 ، مسند أحمد : 4/87 ، المستدرك للحاكم : 2/460 ، تفسير الثعلبي : 9/54 ، أسباب النزول : 257 .
2- محمد بن ثور الصنعاني ، أبو عبد اللّه ، مات حدود سنة تسعين ه .
3- في نسخة « النجف » : « عقبة » .
4- في نسخة « النجف » : « قيهلة » .
5- الإحتجاج : 1/321 ، الدرر لابن عبد البر : 44 ، تاريخ اليعقوبي : 2/24 .

وكلّهم قد أفناهم اللّه بأشدّ نكال ، وكانوا قالوا له : يا محمد ، ننتظر بك إلى الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلاّ قتلناك .

فدخل صلى الله عليه و آله منزله وأغلق عليه بابه ، فأتاه جبرئيل عليه السلام ساعته ، فقال له : يا محمد ، السلام يقرأ عليك السلام ، وهو يقول : « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » وأنا معك ، وقد أمرني ربّي بطاعتك(1) .

فلمّا أتى(2) البيت رمى الأسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء ، فقال : اللّهم اعم بصره واثكله ولده ، فعمى وأثكله اللّه ولده(3) .

وروي : أنّه أشار إلى عينه فعمي ، وكان يضرب رأسه على الجدار حتى هلك(4) .ثم مرّ به الأسود بن عبد يغوث ، فأومى إلى بطنه ، فاستسقى ماء ، ومات حبنا(5)(6) .

ص: 224


1- الإحتجاج : 1/322 ، الخصال : 280 .
2- في « المخطوطة » : « أتيا » .
3- المنمق : 387 ، السيرة لابن هشام : 2/277 ، جامع البيان : 14/94 ، الخرائج : 1/63 .
4- جوامع الجامع : 2/312 ، مجمع البيان : 6/133 .
5- جامع البيان : 14/94 ، مجمع البيان : 6/133 ، المنمق : 388 ، السيرة لابن هشام : 2/278 .
6- الحَبَنُ : داءٌ يأْخذ في البطن فيعظُم منه ويَرِمُ ، والحَبَنُ : أَن يكون السِّقْيُ في شَحْم البطن فيعظم البطن لذلك ، ويقال لمن سَقَى بطنُه : قد حَبِنَ ، والحَبَنُ : الماءُ الأَصْفَرُ ، والحِبْنُ: ما يَعْتَري في الجسد فيقِيحُ ويَرِمُ ، والحبن : داء الإستسقاء .

ومرّ به الوليد ، فأومى إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل ، فتعلّقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ، ولم يزل مريضا حتى مات(1) .

ونزل فيه « سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً » ، وأنّه يكلّف أن يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء ، فإذا بلغ أعلاها لم يترك أن يتنفّس ، فيجذب إلى أسفلها ، ثم يكلّف مثل ذلك(2) .

ومرّ به العاص فعابه ، فخرج من بيته ، فلفحته السموم ، فلمّا انصرف إلى داره لم يعرفوه فباعدوه ، فمات غمّا(3) .

وروي : أنّهم غضبوا عليه فقتلوه(4) .

وروي : أنّه وطأ على شبرقة(5) ، فدخلت في أخمص رجله ، فقال :لدغت ، فلم يزل يحكّها حتى مات(6) .

ومرّ به الحارث ، فأومى إلى رأسه ، فتقيأ قيحا(7) .

ويقال : أنّه لدغته الحيّة .

ويقال : خرج إلى كداء فتدهده(8) عليه حجر فتقطع ، واستقبل

ابنه في سفر ، فضرب جبرئيل عليه السلامرأسه على شجرة ، وهو يقول :

ص: 225


1- جامع البيان : 14/94 ، المنمق : 388 .
2- مجمع البيان : 10/180 ، تفسير الثعلبي : 10/54 .
3- تفسير الثعلبي : 5/356 قاله في الأسود ، المنمق : 388 .
4- الخرائج : 1/63 .
5- الشبرق : نبات غضّ ، وقيل : هو شجر منبته نجد وتهامة ، وثمرته شاكة صغيرة الجرم مثل الدم ، منبتها السباخ والقيعان ، واحدته شبرقة .
6- جامع البيان : 14/95 .
7- الخرائج : 1/63 .
8- تدهده : تدحرج .

يا بني أدركني ، فيقول : لا أرى أحدا حتى مات(1) .

وأمّا الأسود بن الحارث أكل حوتا ، فأصابه العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه(2) .

فأمّا فيهلة(3) بن عامر ، فخرج يريد الطائف ، ففقد ولم يوجد .

وأمّا عقبة(4) فاستسقى فمات .

ويقال : أتى بشوك فأصاب عينيه ، فسالت حدقته على وجهه .

وأمّا أبو لهب ، فإنّه سأل أبا سفيان عن قصّة بدر ، فقال : إنّا لقيناهمفمنحناهم أكتافنا ، فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا ، وأيم اللّه مع ذلك ما مكث الناس ، لقينا رجالاً بيضا على خيل بلق بين السماء ، والأرض لا يقوم لها شيء .

فقال أبو رافع لأم الفضل بنت العباس : تلك الملائكة ، فجعل يضربني ، فضربت أم الفضل على رأسه بعمود الخيمة ، فقلقت رأسه شجّةً منكرةً ، فعاش سبع ليال ، وقد رماه اللّه بالعدسة(5) ، ولقد تركه أبناه ثلاثا لا يدفنانه ، وكانت قريش تتقي العدسة ، فدفنوه بأعلى مكة على جدار ، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه(6) .

ص: 226


1- تفسير البغوي : 3/59 ، تفسير السمرقندي : 2/263 .
2- تفسير السمرقندي : 2/263 .
3- في نسخة « النجف » : « قيهلة » في المواضع كلّها .
4- في « المخطوطة » : « عطيلة » .
5- العدسة : بثرة تخرج كالطاعون ، وقلّما يسلم منها .
6- المستدرك للحاكم : 3/322 ، مجمع البيان : 4/443 ، تفسير الثعلبي : 4/335 ، الطبقات الكبرى : 4/74 ، تاريخ الطبري : 2/160 .

ونزل قوله تعالى « لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ » الآيات ، في أبى جهل ، وذلك أنّه كان حلف لئن رأى محمدا صلى الله عليه و آلهيصلّي ليرضخنّ رأسه ، فأتاه وهو يصلّي ومعه حجر ليدمغه ، فلمّا رفعه أثبتت يده على عنقه ، ولزق الحجر بيده ، فلمّا عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده .

فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلّي ليرميه بالحجر ، فأغشى اللّه بصره ، فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم ، حتى نادوه ما صنعت ؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت صوته ، وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني(1) .

أرادوا قتله فأعماهم اللّه

ابن عباس في قوله « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا » إنّ قريشا اجتمعت فقالت : لئن دخل محمد لنقومنّ إليه قيام رجل واحد .

فدخل النبي صلى الله عليه و آله ، فجعل اللّه من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا ،

فلم يبصروه ، فصلّى صلى الله عليه و آله ، ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤوسهم التراب ،

وهم لا يرونه .

فلمّا جلى عنهم رأوا التراب ، فقالوا : هذا ما سحركم ابن أبي كبشة(2) .

ص: 227


1- مجمع البيان : 8/258 ، تفسير الثعلبي : 8/121 .
2- أنساب الأشراف : 1/146 .

كلّ من رمى سهما عاد السهم إليه

ولمّا نزلت الأحزاب على المدينة عبأ أبو سفيان سبعة آلاف رامٍ كوكبة واحدة ، ثم قال : ارموهم رشقا واحدا ، فوقع في أصحاب النبي صلى الله عليه و آله سهام كثيرة .

فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فلوّح إلى السهام بكمّه ، ودعا بدعوات ، فهبّت ريح عاصفة ، فردّت السهام إلى القوم ، فكلّ من رمى سهما عاد السهم إليه فوقع في جرحه ، بقدرة اللّه وبركة رسوله صلى الله عليه و آله .

محاولة يهودي إغتيال النبي صلى الله عليه و آله ودفاع جبرئيل عنه

ودخل النبي صلى الله عليه و آله مع ميسرة إلى حصن من حصون اليهود ليشتروا خبزا وأدما ، فقال يهودي : عندي مرادك .

ومضى إلى منزله ، وقال لزوجته : اطلعي إلى [ أ ]عالي الدار ، فإذا دخل هذا الرجل فارمي هذه الصخرة عليه ، فأردت(1) المرأة الصخرة ، فهبط جبرئيل عليه السلام فضرب الصخرة بجناحه ، فخرقت الجدار ، وأتت تهتزّ كأنّها صاعقة ، فاحتاطت بحلق الملعون ، وصارت في عنقه كدور الرحى ، فوقع كأنّه المصروع .

فلمّا أفاق جلس ، وهو يبكي ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : ويلك ما حملك على هذا الفعال ؟ فقال : يا محمد ! لم يكن لي في المتاع حاجة ، بل أردت قتلك ،

ص: 228


1- في نسخة « النجف » : « فبادرت » .

وأنت معدن الكرم وسيّد العرب والعجم ، اعف عنّي ، فرحمه النبي صلى الله عليه و آله ، فانزاحت الصخرة عن عنقه(1) .

هدد النبي فوثب به فرسه فاندقت رقبته

جابر وابن عباس : قال رجل من قريش : لأقتلن محمدا ، فوثب به فرسه ، فاندقت رقبته(2) .

شجاعان أقرعان يثبان على معمر بن يزيد

واستغاث الناس إلى معمر بن يزيد ، وكان أشجع الناس ، ومطاعا في بني كنانة ، فقال لقريش : أنا أريحكم(3) منه ، فعندي عشرون ألف مدجّج ، فلا أرى هذا الحيّ من بني هاشم يقدرون على حربي ، فإن سألوني الديّة أعطيتهم عشر ديّات ، ففي مالي سعة ، وكان يتقلّد بسيف طوله عشرة أشبار في عرض شبر ، فأهوى إلى النبي صلى الله عليه و آله بسيفه ، وهو ساجد في الحجر ، فلمّا قرب منه عثر بدرعه فوقع ، ثم قام وقد أدمى وجهه بالحجارة ، وهو يعدو أشدّ العدو حتى بلغ البطحاء .

فاجتمعوا إليه وغسلوا الدم عن وجهه ، وقالوا : ماذا أصابك ؟ فقال : المغرور - واللّه - من غررتموه ، قالوا : ما شأنك ؟ قال : دعوني

ص: 229


1- الطبقات : 2/57 .
2- إمتاع الأسماع : 4/121 .
3- في نسخة « النجف » : « أنجكم » .

تعد إليّ نفسي ، ما رأيت كاليوم ، قالوا : ماذا أصابك ؟ قال : لمّا دنوت منه وثب إليّ من عند رأسه شجاعان(1) أقرعان ينفخان بالنيران(2) .

رجوع المزراق على كلدة بن أسد

وروي أنّ كلدة بن أسد رمى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمزراق(3) ، وهو بين دار عقيل وعقال ، فعاد(4) المزراق إليه ، فوقع في صدره ، فعاد فزعا وانهزم .وقيل له : ما لك ؟ قال : ويحكم ، أما ترون الفحل خلفي ! قالوا : ما نرى شيئا ، قال : ويحكم ، فإنّي أراه ، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف .

حيلولة الأساود بينه وبين النضر بن الحارث

الواقدي : خرج النبي صلى الله عليه و آله للحاجة في وسط النهار بعيدا ، فبلغ إلى أسفل ثنية الحجون ، فاتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله .

فلمّا دنا منه عاد راجعا ، فلقيه أبو جهل ، فقال : من أين جئت ؟ قال : كنت طمعت أن أغتال محمدا ، فلمّا قربت منه ، فإذا أساود(5) تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها ، فقال أبو جهل : هذا بعض سحره(6) .

ص: 230


1- الشجاع : الحيّة .
2- الدر النظيم : 95 .
3- المزراق : الرمح القصير .
4- في نسخة « النجف» : « فعدا » .
5- أساود : جمع الأسود : وهو العظيم من الحيّات ، وفيه سواد .
6- إمتاع الأسماع : 4/122 .

رفع يده ليرمي النبي بحجر فيبست يده

وقصد إليه رجل بفهر(1) ، وهو ساجد ، فلمّا رفع يده ليرمي به يبست يده على الحجر .

قاموا ليأخذوه فجمعت أيديهم إلى أعناقهم

ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و آله يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته ، فتأذى به ناس من قريش ، فقاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ،وإذا هم عمي لا يبصرون ، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : ننشدك اللّه والرحم .

فدعا النبي صلى الله عليه و آله ، فذهب ذلك عنهم ، فنزلت « يس » إلى قوله « فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ »(2) .

أراد أبو لهب ضرب النبي بالحجر فثبتت يده في الهواء

أبو ذر : كان النبي صلى الله عليه و آله في سجوده ، فرفع أبو لهب حجرا يلقيه عليه ، فثبتت يده في الهواء ، فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وعقد الأيمان لو عوفي

لا يؤذيه .

فلمّا برأ قال : لأنت ساحر حاذق ، فنزل « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ » .

ص: 231


1- الفهر : الحجر مل ء الكفّ ، وقيل : الحجر مطلقا .
2- إمتاع الأسماع : 4/120 .

أراد أبو جهل ضرب النبي بالحجر فأمسكت من يده

وكان أبو جهل يطلب غرّته(1) ، فوجده يوما في سجوده ، فرفع صخرة

عظيمة يدفعها عليه ، فأمسكت من يده ، وصار عبرة للناس ، فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فدعا له بفرج ، فزالت(2) .

تكمّن نضر بن الحرث لقتل الني فخاف

وتكمّن نضر بن الحرث بن كلدة لقتل النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّ سيفه رؤي خائفا مستجيرا ، فقيل : يا نضر ، هذا خير لك ممّا أردت يوم حنين ممّا حال اللّه بينك وبينه(3) .

* * *

[ قال ] الببياري :

يا قومنا للمصطفى سالموا

لا تنصبوا جهلاً له حربكم

واتلوا من القرآن ما قاله

يا أيّها الناس أعبدوا ربّكم

* * *

و[ قال ] غيره :

يقرّ له بالفضل من لا يؤوده

ويقضي له بالحكم من لا ينجم(4)

ص: 232


1- أي يريد أن يأخده على غفلة .
2- الخرائج : 1/24 ح3 .
3- تاريخ دمشق : 6/102 .
4- في نسخة « النجف » : « يثجم » .

فصل 10 : في استجابة دعواته صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 233

ص: 234

من دعا عليهم

دعاؤه على بني شجاعة

سار النبي صلى الله عليه و آله إلى بني شاجعة(1) ، فجعل يعرض عليهم الإسلام ، فأبوا وخرجوا عليه في خمسة آلاف فارس ، فتبعوا النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا لحقوا به عاجلهم بدعوات ، فهبّت عليهم ريح فأهلكتهم عن آخرهم .

دعا فساخ الجبل

ولمّا سار إلى قتال المقفع بن الهميسع النبهاني(2) كان في طريق المسلمين جبل عظيم هائل تتعب فيه المطايا ، وتقف فيه الخيل .

فلمّا وصل المسلمون شكوا أمره إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما يلقون فيه من التعب والنصب ، فدعا النبي صلى الله عليه و آله بدعوات ، فساخ الجبل في الأرض ، وتقطّع قطعا .

ص: 235


1- في نسخة « النجف » : « شجاعة » .
2- في نسخة « النجف » : « المقعمع بن الهميسع البنهاني » .
دعاؤه على ابن قمية

ورمى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ابن قمية بقذافة ، فأصاب كعبه حتى بدر السيف عن يده في يوم أحد ، وقال : خذها منّي وأنا ابن قمية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله :

أذلّك اللّه وأقمأك(1) .

فأتى ابن قمية تيس ، وهو نائم ، فوضع قرنه في مراقه(2) ، ثم دعسه ، فجعل ينادي : وا ذلاّه ، حتى أخرج قرنيه من ترقوته(3) .

دعاؤه على الأحزاب

وكانت الكفار في حرب الأحزاب عشرة آلاف رجل ، وبنو قريظة قائمون بنصرتهم ، والسحابة في أزل شديد(4) ، فرفع يديه وقال : انزل(5) الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، فجاءتهم ريح عاصف تقلع خيامهم ، فانهزموا بإذن اللّه - تعالى - وأيدهم بجنود لم يروها(6) .

وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ

وأخذ [ النبي صلى الله عليه و آله ] يوم بدر كفّا من التراب ، ويقال : حصى وترابا ،

ص: 236


1- قمأ الرجل : ذلّ وصغر .
2- المراق بالتشديد : ما رقّ من أسفل البطن ولان ، وميمه زائدة .
3- إعلام الورى : 1/179 .
4- في نسخة «النجف» : «أظل سديد» ، والعبارة كناية عن شحّة الماء وضيق المعاش .
5- كذا في النسخ وفي المصادر : « اللّهم أنت منزل » .
6- مجمع البيان : 8/136 ، الطبقات الكبرى : 2/74 ، إمتاع الأسماع : 1/242 .

فرمى به في وجوه القوم ، فتفرّق الحصى في وجوه المشركين ، فلم يصب من ذلك أحدا إلاّ قتل أو أسر ، وفيه نزل « وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ »(1) .

* * *

[ قال ] القيرواني :

أعميت جيشا بكفّ من حصى فجثوا

وعقّلوا عن حراك النفل بالنفل

* * *

[ وقال ] نصر بن المنتصر :

ومن رمى كفّ حصاة في الوغى

فهزم القوم العدى لمّا رمى

* * *

[ وقال ] خطيب منيح :

ومن نثر الحصى في يوم بدر

فصاح بهم فولّوا هاربينا

ومن نصرته إمدادا عليهم

ملائكة السماء مسموّمينا

دعاؤه على كسرى

ابن المهدي المامطيري في مجالسه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى :

من محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كسرى بن هرمزد ، أمّا بعد : فأسلم تسلم ، وإلاّ فأذن بحرب من اللّه ورسوله ، والسلام على من اتبع الهدى .

ص: 237


1- مجمع البيان : 4/442 ، جامع البيان : 9/271 ، كنز الفوائد : 73 .

فلمّا وصل إليه الكتاب(1) مزّقه واستخفّ ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلى دينه ، ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إليه بتراب .

فقال صلى الله عليه و آله : مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي ، أما إنّه ستمزّقون ملكه ، وبعث إليّ بتراب ، أما إنّكم ستملكون أرضه ، فكان كما قال(2) .

رواية الماوردي لدعوة كسرى الى الإسلام

الماوردي في أعلام النبوة : إنّ كسرى كتب في الوقت إلى عامله باليمن « باذان(3) » ويكنّى « أبا مهران » أن احمل إلي هذا الذي يذكر أنّه نبي ! وبدأ باسمه قبل اسمي ، ودعاني إلى غير ديني .

فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى ، فأتاه فيروز بمن معه ، فقال له : إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه ، فاستنظره ليلة .

فلمّا كان من الغد حضر فيروز مستحثا(4) ، فقال النبي

صلى الله عليه و آله : أخبرني ربّي أنّه قتل ربّك البارحة ، سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل ، فامسك حتى يأتيك الخبر .

فراع ذلك فيروز وهاله ، وعاد إلى باذان فأخبره ، فقال له باذان :

ص: 238


1- في المخطوطة : « الكتاب اليه » .
2- الخرائج : 1/64 ، الأستيعاب : 3/889 .
3- في نسخة « النجف » : « باذن » .
4- في نسخة « النجف » : « مستحشا » ، استحش : عطش .

كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه ؟ فقال : واللّه ما هبت أحدا كهيبة هذا الرجل .

فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة ، فأسلما .

وظهر العنسي وما افتراه(1) من الكذب ، فأرسل

صلى الله عليه و آله إلى فيروز : اقتله قتله اللّه ، فقلته(2) .

والفرس أخبرها عن قتل صاحبها

پرويز إذ جاءه فيروز في شغل

اللّهم عمّ عليهم الطريق

جابر بن عبد اللّه : لمّا قتل العرنيون راعي النبي صلى الله عليه و آله دعا عليهم ، فقال : اللّهم عمّ عليهم الطريق ، قال : فعمى عليهم حتى أدركوهم وأخذوهم(3) .

اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك

روت العامة عن الصادق عليه السلام وعن ابن عباس أنّه لمّا نزل « وَالنَّجْمِ » قال عتبة بن أبي لهب : كفرت بالنجم إذا هوى ، وبالنجم إذا تدلّى(4) .

وفي رواية : أنّه أتاه ، وطلّق ابنته ، وتفل في وجهه ، وقال : كفرت بالنجم ، وربّ النجم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك .

ص: 239


1- في نسخة « النجف » : « من افتراه » .
2- الطبقات الكبرى : 1/260 ، تاريخ الطبري : 2/297 ، السيرة لابن هشام : 1/45 .
3- إعلام الورى : 1/203 .
4- تفسير العز بن سلام : 504 ، وفيه : « وبالذي دنا فتدلى » .

فخرج في سفر الشام مع قريش ، فلمّا نزلوا تحت دير حذّرهم الديراني من الأسود ، فقال أبو لهب : يا معشر قريش ، أعينوني الليلة ، فإنّي أخاف على ابني دعوة محمد .

فجعلوه في وسطهم ، فأتى أسد معه زئير ، وقال : هذا عتبة بن أبي لهب خرج من مكة مستخفيا زعم أنّه يقتل محمدا ، فافترسه ولم يأكله .

وفي ذلك يقول حسان بن ثابت :

سائل بني الأشعر إذ جئتهم

ما كان أنباء بني واسع

لا وسّع اللّه له قبره

بل ضيّق اللّه على القاطع

رمى رسول اللّه من بينهم

دون قريش رمية القاذع

فاستوجب الدعوة منهم بما

بيّن للناظر والسامع

أن سلّط اللّه به كلبه

يمشي الهوينا مشية الخادع

حتى أتاه وسط أصحابه

وقد علتهم سنة الهاجع

فالتقم الرأس بيافوخه

والنخر منه فغرة الجائع

ثم علا بعد بأنيابه

منعفرا وسط دم ناقع

من يرجع العام إلى أهله

فما أكيل السبع بالراجع

قد كان هذا لكم عبرة

للسيد المتبوع والتابع(1)

* * *

ص: 240


1- مجمع البيان : 9/288 ، الكشاف للزمخشري : 4/27 ، تفسير الثعلبي : 9/135 .
دعا على الحكم فلم يزل يرتعش حتى مات

وحكى الحكم بن العاص مشية رسول اللّه صلى الله عليه و آله مستهزءا ، فقال صلى الله عليه و آله : فلتكن ، ولم يزل يرتعش حتى مات(1) .

دعا عليها فبرصت

وخطب صلى الله عليه و آله امرأة ، فقال أبوها : إنّ بها برصا ، إمتناعا من خطبته ، ولم يكن بها برص ، فقال صلى الله عليه و آله : فلتكن كذلك ، فبرصت ، وهي أم شبيب البرصاء(2) الشاعر(3) .

اللّهم أعذني من شيطانه

الأغاني : إنّ النبي صلى الله عليه و آله نظر إلى زهير بن أبي سلمى ، وله مائة سنة ، فقال : اللّهم أعذني من شيطانه ، فما لاك بيتا حتى مات(4) .

فتح اللّه شعرك

ونهي النبي صلى الله عليه و آله أن ينقر الرجل لحيته في الصلاة ، فرأى رجلاً ينقر شعره ، فقال : فتح اللّه شعرك ، فصلع مكانه(5) .

ص: 241


1- الشفاء للقاضي عياض : 1/329 ، الخرائج : 1/168 .
2- في المخطوطة : « بن البرصاء » .
3- المعارف لابن قتيبة : 140 ، إعلام الورى : 1/279 ، إمتاع الأسماع : 6/109 .
4- الأغاني : 10/291 ، إمتاع الأسماع : 2/88 .
5- إعلام النبوة للماوردي : 1/177 ، وفيه : « ينقي شعره .. ينقي شعره .. قبح اللّه شعرك » ، الأحاديث المختارة : 7/117 .
دعا على رجل فما نالت يمينه فاه بعد

سلمة بن الأكوع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه رأى رجلاً يأكل بشماله ، فقال : كل بيمينك ، فقال : لا أستطيع ، فقال صلى الله عليه و آله : لا أستطعت ، فما نالت يمينه فاه بعد(1) .

دعاؤه على بني حارثة بن عمرو

الواقدي : كتب النبي صلى الله عليه و آله إلى بنى حارثة بن عمرو يدعوهم إلى الإسلام ، فأخذوا كتاب النبي صلى الله عليه و آلهفغسلوه ورقعوا به أسفل دلوهم .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما لهم أذهب اللّه عقولهم ، فقال : فهم أهل رعدة(2) وعجلة وكلام مختبط وسفه(3) .

اللّهم أطل شقاه وبقاه

وخاف النبي صلى الله عليه و آله من قريش ، فدخل بين الأراك ، فنفرت الإبل ، فجاء أبو ثروان إليه وقال : من أنت ؟ قال : رجل استأنس إلى إبلك .قال : أراك صاحب قريش ، قال : أنا محمد رسول اللّه .

ص: 242


1- مسند أحمد : 4/46 ، سنن الدارمي : 2/97 ، مسلم : 6/109 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/277 ، المصنف لابن أبي شيبة : 5/556 رقم 8 ، ابن حبان : 14/442 .
2- في « نج » : « فقال لهم أهل وعدة » .
3- الثقات لابن حبان : 3/242 ، المعارف لابن قتيبة : 335 ، الإصابة : 4/173 .

قال : قم - واللّه - لا تصلح إبل أنت فيها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم أطل شقاه وبقاه .

قال عبد الملك : إنّي رأيته شيخا كبيرا يتمنّى الموت فلا يموت ، فكان يقول له القوم : هذا بدعوة النبي صلى الله عليه و آله(1) .

دعاؤه على مضر

ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى : « وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً » جاء خباب بن الإرث فقال : يا رسول اللّه ، ادع ربّك أن

يستنصر لنا على مضر ، فقال : إنّكم لتعجلون(2) .

ثم قال بعد كلام له : اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليها سنين كسني يوسف .

وفي خبر : اللّهم سبعا كسني يوسف .

فقطع اللّه عنهم المطر حتى مات الشجر ، وذهب الثمر ، وأجدبت الأرض ، وماتت المواشي ، واشتووا القد ، وأكلوا العلهز(3) .

ص: 243


1- الخرائج : 2/116 ، إمتاع الأسماع : 12/116 ، سبل الهدى والرشاد : 10/218 .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/28 .
3- العِلْهِزُ : وَبَرٌ يخلط بدماءِ الحَلَمِ ، كانت العرب في الجاهلية تأْكله في الجَدْب ، وقال أَبو الهيثم : العِلْهِزُ دم يابسٌ يُدَقُّ به أَوْبار الإِبل في المجاعات ويؤكل ، وقال ابن الأَثير : هو شيءٌ يتخذونه في سني المجاعة ، يخلطون الدم بأَوبار الإِبل ثم يَشْوُونه بالنار ويأْكلونه . لسان العرب .

فعطفوه وعطف ، ورغب إلى اللّه ، فمطروا وامطر أهل المدينة مطرا خافوا الغرق ، وانهدام البنيان ، فشكوا ذلك إليه ، فقال : اللّهم حوالينا ولا علينا ، فأطاف بها حولها مستديرا ، وهي في فجوته كالدارة(1) .

اللّهم أخس سهمه

ولمّا كلّم النبي صلى الله عليه و آله في سبي هوازن ردّوا عليهم سبيهم إلاّ رجلين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : خيّروهما ، أمّا أحدهما قال : إنّي اتركه ، وأمّا الآخر ، فقال : لا اتركه .

فلمّا أدبر الرجل قال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم اخس سهمه .

فكان يمرّ بالجارية البكر والغلام فيدعه ، حتى مرّ بعجوز فقال : إنّي آخذ هذه ، فإنّها أم حيّ ، فيفادونها منّي بما قدروا عليه .

فقال عطية السعدي : عجوز - يا رسول اللّه - سبيّة بتراء ما لها أحد ، فلمّا رأى أنّه لا يعرفها أحد تركها(2) .

ص: 244


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 420 ح287 ، الخرائج : 1/59، الكشاف للزمخشري : 3/502 ، جوامع الجامع : 3/322 ، تفسير الثعلبي : 7/51 .
2- تاريخ دمشق : 40/465 ، وفي المعجم الكبير للطبراني : 17/168 : « فكان يمرّ بالجارية البكر والغلام فيدعه حتى مرّ بعجوز ، فقال : فإنّي آخذ هذه ، فإنّها أم حي ويستفيدونها منّي بما قدروا عليه ، فكبّر عطية وقال : خذها يا رسول اللّه ، ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا وافدها بواجد ، عجوز يا رسول اللّه براء سبية ما لها أحد ، فلمّا رآها لا يعرض لها أحد تركها » .
دعاؤه على من كاد الوصي برمية

[ وقال ] الحميري(1) :

ص: 245


1- في الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي : 2/334 : إسماعيل بن محمد الحميري ، سيد الشعراء ، حاله في الجلالة ظاهر ، ومجده باهر ، روي أنّ الصادق عليه السلام لقاه ، فقال : سمّتك أمّك سيدا ، ووفقت في ذلك أنت سيد الشعراء . قال العلامة في حقّه : ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة رحمه الله . أقول : كان همّه رحمه الله نظم فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ونشره حتى حكى صاحب الأغاني عن المدائني : إنّ السيد الحميري وقف بالكناس ، وقال : من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام لم أقل فيها شعرا فله فرسي هذا وما عليّ ، فجعلوا يحدّثونه وينشدهم فيه ، حتى روى رجل عن أبي الرعل المرادي أنّه قدم أمير المؤمنين عليه السلام ، فتطهّر للصلاة ، فنزع خفّه ، فانسابت فيه أفعى ، فلمّا دعي ليلبسه انقضت غراب فحلقت ، ثم ألقاها ، فخرجت الأفعى منه . قال : فأعطاه السيد ما وعده ، وأنشأ يقول : ألا يا قوم للعجب العجاب لخفّ أبي الحسينوللحباب عدو من عدات الجن عبد بعيد في المرادة من صوابكريه اللون أسود ذو بصيص حديد الناب أزرق ذو لعابأتى خفّا له فانساب فيه لينهش رجله منها بنابفقضّ من السماء له عقاب من العقبان أو شبه العقابفطار به فحلق ثم أهوى به للأرض من دون السحابفصكّ بخفّه فانساب منه وولى هاربا حذر الحصابودافع عن أبي حسن علي نقيع سمامه بعد انسياب وحكى أنّه رؤى في بغداد حمّال مثقل ، فسأله عن حمله ، فقال : ميميات السيد . وقال بشار الشاعر : لولا أنّ هذا الرجل شغل عنّا بمدح بني هاشم لأتعبنا . قيل : لم لا تقول شعرا فيه غريب ؟ فقال : أقول ما يفهمه الصغير والكبير ، ولا يحتاج إلى التفسير ، ثم أنشأ : أيا ربّ إنّي لم أرد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم وروي عن بعضهم قال : كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء ، فتذاكرنا السيد ، فجاء وجلس ، وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة ، فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ممّ القيام ؟ فقال : إنّي لأكره أن أطيل بمجلس لا ذكر فيه لآل محمدلا ذكر فيه لأحمد ووصيه وبنيه ذلك مجلس قصف رديإنّ الذي ينساهم في مجلس حتى يفارقه لغير مسدد ومن أشعاره القصيدة العينية : لام عمرو باللوى مربع طامسة أعلامها بلقع وهي التي أنشدت عند الصادق عليه السلام بعد ما قتل زيد بن علي عليهماالسلام . وفي البحار روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه مع علي وفاطمة والحسن والحسين : ، وأنّ السيد الحميري بين يديه يقرأ هذه القصيدة ، فلمّا فرغ منها قال النبي صلى الله عليه و آله للرضا عليه السلام : إحفظ هذه القصيدة ، ومر شيعتنا بحفظها ، وأعلمهم أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنة على اللّه تعالى . وحكي أنّ السيد الحميري رحمه الله توفي ببغداد سنة 179 ه ، فبعثت الأكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفنا له . . .

واسأل بني الحسحاس تخبر أنّه

كاد الوصي برشق سهم مقصد

فدعا عليه المصطفى في قومه

بدعاء محمود الدعاء مؤيد

فتعطّلت يمنى يديه عقوبة

وأتى عشيرته بوجه أسود

يعني دعا النبي صلى الله عليه و آله عليه ، وهو كان عزم على الرمي غيلة(1) لعلي بنأبي طالب .

* * *

ص: 246


1- في نسخة « النجف » : « غملة » .

[ قال ] العباس بن مرداس(1) :

يا خاتم النبأ إنّك مرسل

بالحقّ كلّ هدى السبيل هداكا

إنّ الإله بنى عليك محبّة

في خلقه ومحمدا سمّاكا(2)

* * *

ص: 247


1- العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي ، أبو الهيثم ، شاعر ، من مضر ، أمّه الخنساء الشاعرة ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم قبيل الفتح ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، مات في خلافة عمر نحو سنة 18 ه .
2- الإستيعاب : 2/819 .

من دعا لهم

اشارة

وأمّا من دعا له صلى الله عليه و آله ، فمثل :

دعاؤه للفرس

ما روى مرّة بن جعيل الأشجعي قال : غزوت مع النبي صلى الله عليه و آله في بعض غزواته ، فقال لي : سر يا صاحب الفرس ، فقلت : يا رسول اللّه ! هي عجفاء ضعيفة ، قال : فضربها بشيء في يده وقال : اللّهم بارك له فيها .

فواللّه لقد رأيتني أمسك رأسها أن تقدم على الناس ، ولقد بعت من بطنها(1) بإثني عشر ألفا(2) .

اللّهم ألّف بينهما

وفي حديث جابر : إنّ امرأة من المسلمين قالت : أريد ما تريد المسلمة .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : عليّ بزوجها .

ص: 248


1- في نسخة « النجف » : « بعث من وطنها » .
2- السنن الكبرى للنسائي : 5/253 ، المعجم الكبير للطبراني : 2/280 ، الخرائج : 1/54 .

فجيء به ، فقال له في ذلك ، ثم قال لها : أتبغضينه ؟ قالت : نعم ، والذي أكرمك بالحقّ ، فقال : أدنيا رؤوسكما .

فأدنيا ، فوضع جبهتها على وجهه ، ثم قال : اللّهم ألّف بينهما ، وحبّب أحدهما إلى صاحبه .

ثم رآها النبي صلى الله عليه و آله تحمل الأدم(1) على رقبتها وعرفته ، فرمت الأدم ، ثم قبّلت رجليه ، فقال صلى الله عليه و آله : كيف أنت وزوجك ؟ فقالت : والذي أكرمك بالحقّ ما في الزمان أحد(2) أحبّ إليّ منه(3) .

دعاؤه للمرأة العمياء

وكان عند خديجة عليهاالسلام امرأة عمياء ، فقال صلى الله عليه و آله : لتكونن عيناك صحيحتين ، فصحتا .

فقالت خديجة عليهاالسلام : هذا دعاء مبارك ، فقال « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً » .

دعاؤه لقيصر

ودعا صلى الله عليه و آله لقيصر ، فقال : ثبّت اللّه ملكه كما كان ، ودعا على كسرى : مزّق اللّه ملكه ، فكان كما قال(4) .

ص: 249


1- الأدم : الجلد .
2- في نسخة « النجف » : « واحد » .
3- دلائل النبوة للبيهقي : 6/229 ، مسند أبي يعلى : 3/392 رقم 1868 .
4- معرفة السنن والآثار للبيهقي : 7/107 .
دعاؤه لأبي طالب

سلمان : إنّه مرض أبو طالب عليه السلام ، فعاده الرسول صلى الله عليه و آله ، فقال : سل ربّك أن يعافيني ، فقال : اللّهم اشف عمّي .

فقام أبو طالب عليه السلام كأنهّ أُنشط من عقال(1) .

دعاؤه لعمرو بن أخطب

واستسقى صلى الله عليه و آله عمرو بن أخطب ، فأتاه بجمجمة(2) فيها ماء ، وفيها شعرة ، فأخذها(3) ، وقال : جمّلك اللّه .

فرأي بعد ثلاث وتسعين سنة أسود الرأس والجسد(4) .

دعاؤه لجعفر بن نسطور الرومي

جعفر بن نسطور الرومي : كنت مع النبي صلى الله عليه و آله في غزوة تبوك ، فسقط من يده السوط ، فنزلت عن جوادي ، فرفعته ودفعته إليه ، فنظر إليّ وقال : يا جعفر ، مدّ اللّه في عمرك مدّا ، فعاش ثلاثمائة وعشرين سنة(5) .

ص: 250


1- المستدرك للحاكم : 1/543 ، المعجم الأوسط للطبراني : 4/200 ، الكامل لعبد اللّه بن عدي : 7/102 ، تاريخ بغداد للخطيب : 8/373 ، الخرائج : 1/49 .
2- الجمجمة : القدح من الخشب .
3- في كتاب الدعاء : « فأخذتها فقال » .
4- كتاب الدعاء للطبراني : 540 رقم 1935 .
5- معجم السفر للسلفي : 1/112 ، ميزان الإعتدال : 1/419 .
دعاؤه للنابغة

وقوله صلى الله عليه و آله للنابغة ، وقد مدحه : لا يفضض اللّه فاك ، فعاش مائة وثلاثين سنة كلّما سقطت له سنّ نبتت له أخرى أحسن منها(1) .

ذكره المرتضى في الغرر .

دعاؤه لعمرو بن الحمق

وعن ميمونة : أنّ عمرو بن الحمق سقى النبي صلى الله عليه و آله لبنا ، فقال : اللّهم أمتعة بشبابه ، فمرّت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء(2) .

دعاؤه لعبد اللّه بن جعفر

ومرّ النبي صلى الله عليه و آله بعبد اللّه بن جعفر ، وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان ، فقال : ما تصنع بهذا ؟ قال : أبيعه ، قال : وما تصنع بثمنه ؟ قال : أشتري رطبا فآكله ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم بارك له في صفقة يمينه .

فكان يقال ما اشترى شيئا قطّ إلاّ ربح فيه ، فصار أمره إلى أن يمثّل به ، فقالوا : عبد اللّه بن جعفر الجواد ، وكان أهل المدينة يتداينون(3) بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد اللّه بن جعفر(4) .

ص: 251


1- الشفاء للقاضي عياض : 1/327 .
2- المصنف لابن أبي شيبة : 7/437 رقم 121 ، الخرائج : 1/52 .
3- في « نج » : « يقترض » .
4- الغارات للثقفي : 2/694 .
دعاؤه لتميرات أبي هريرة

أبوهريرة: أتيت النبي صلى الله عليه و آله بتميرات ، فقلت : ادع لي بالبركة فيهنّ ، فدعا ، ثم قال : اجعلهن في المزود(1) ، قال : فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا(2) .

دعاؤه لابن عباس

وقوله صلى الله عليه و آله في ابن عباس : اللّهم فقهه في الدين(3) . . الخبر ، فخرج بحرا في العلم !! وحبرا للأمّة !!

دعاؤه لأمير المؤمنين عندما وجهه الى اليمن

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى اليمن ، فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبعثني وأنا حدث السنّ ، ولا علم لي بالقضاء !!!!! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فانطلق ، فإنّ اللّه سيهدي قلبك ، ويثبّت لسانك .

قال علي عليه السلام : فما شككت في قضاء بين إثنين(4) .

ص: 252


1- المزود : الوعاء الذي يوضع فيه الطعام للسفر .
2- أعلام النبوة للماوردي : 1/175 ، الخبر غير معتمد ، وإنّما ذكره المؤلف لما فيه من آثار دعاء خاتم النبيين صلى الله عليه و آله .
3- المستدرك للحاكم : 3/534 ، المعجم الأوسط للطبراني : 2/113 .
4- مسند أحمد : 1/83 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/13 رقم 57 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/116 ، مسند أبي يعلى : 1/323 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : 605 ح 1104 ، الإرشاد للمفيد : 1 / 195 ، الفصول المختارة للمرتضى : 135 .
دعاؤه لسعد !!!

في نزهة الأبصار : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لسعد : اللّهم سدّد رميته ، وأجب دعوته(1) !! وذلك أنّه كان يرمي ، فيقال : إنّه تخلّف يوم القادسية عن الوقعة لفترة عرضت له ، فقال فيه الشاعر :

ألم تر أنّ اللّه أظهر دينه

وسعد بباب القادسية معصم

رجعنا وقد آمت نساء كثيرة

ونسوة سعد ليس فيهن أيّم(2)

فبلغ ذلك سعدا ، فقال : اللّهم أخرس لسانه ، فشهد حربا ، فأصابته رمية ، فخرس من ذلك لسانه(3) .

ورأي سعد رجلاً بالمدينة راكبا على بعير يشتم عليا عليه السلام ، فقال : اللّهم إن كان هذا الشيخ وليّا من أوليائك(4) ، فأرنا قدرتك فيه ، فنفر به بعير فألقاه ، فاندقت رقبته(5) .

دعاؤه لعامر بن الأكوع

وسمع النبي صلى الله عليه و آله في مسيره إلى خيبر سوق عامر بن الأكوع بقوله :

ص: 253


1- خبر عامي لا يعتدّ به ، وأين كانت دعوات سعد المستجابة من نغله عمر الذين قاد عسكر ابن زياد لقتال سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول صلى الله عليه و آله.
2- الأيامى : الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء .
3- المعارف لابن قتيبة : 241 .
4- في بعض المصادر : « إنّ هذا يشتم وليا من أوليائك » .
5- الخصائص الكبرى : 2/281 ، المستدرك للحاكم : 3/500 .

لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فقال صلى الله عليه و آله : يرحمة اللّه ، قال رجل : وجبت يا رسول اللّه ، لولا أمتعتنا به ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله ما استغفر قطّ لرجل يخصّه إلاّ استشهد(1) .

اللّهم أطلق لسان سلمان

وكان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان ، فقال النبي

صلى الله عليه و آله : اللّهم أطلق لسان سلمان ، ولو على بيتين من الشعر .

فأنشأ سلمان :

ما لي لسان فأقول شعرا

أسأل ربّي قوّة ونصرا

على عدوّي وعدوّ الطهرا

محمد المختار حاز الفخرا

حتى أتاك في الجنان قصرا

مع كلّ حوراء تحاكي البدرا

فضجّ المسلمون ، وجعل كلّ قبيلة تقول : سلمان منّا .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : سلمان منّا أهل البيت(2) .

ص: 254


1- تفسير الثعلبي : 9/49 ، وفيه : « خرجنا ليلاً مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الى خيبر يسير ليلاً وعام ابن الأكوع معنا ، فقال رجل من القوم لعامر : ألا تسمعنا من هينهاتك ، وكان عامر شاعر ، فنزل يحدوا بالقوم ، وهو يرجز لهم : . . وذكر الثعلبي أبيات ، ثم قال : فقال صلى الله عليه و آله : غفر لك ربّك » .
2- المستدرك للحاكم : 3/598 ، المعجم الكبير للطبراني : 6/213 ، الدرر لابنعبد البر : 170 ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 121 ، تفسير فرات : 171 ، مجمع البيان : 2/269 ، جامع البيان للطبراني : 21/162 ، تفسير الثعلبي : 3/40 ، الطبقات الكبرى : 4/83 ، طبقات المحدثين باصبهان لابن حبان : 1/203 ، ت-اري-خ الطبري : 2/235 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/70 ح282 ، المناقب لمحمد بن سلمان الكوفي : 221 ح140 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/14 ، دلائل الإمامة للطبري : 140 ، الإختصاص للمفيد : 341 .
أبيات لأمير المؤمنين

[ قال ] أمير المؤمنين عليه السلام :

ألم تر أنّ اللّه أبلى رسوله

بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل

وقد أنزل الكفار دار مذلّة

فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل

فأمسى رسول اللّه قد عزّ نصره

وكان أمين اللّه أرسل بالعدل

فجاء بفرقان من اللّه منزل

مبينة آياته لذوي العقل

فآمن أقوام بذاك فأيقنوا

فامسوا بحمد اللّه مجتمعي الشمل

وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم

فزادهم ذو العرش خبلاً على خبل

وحكّم فيهم يوم بدر رسوله

وقوما كماة فعلهم أحسن الفعل(1)

* * *

ص: 255


1- دستور معالم الحكم لابن سلامة : 192 ، السيرة لابن هشام : 2/538 .

ص: 256

فصل 11 : في الهواتف في المنام أو من الأصنام

اشارة

ص: 257

ص: 258

« لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا »

صنم عتيرة

في حديث مازن بن العصفور الطائي : إنّه لمّا نحر عتيرة(1) سمع من صنمه :

بعث نبي من مضر

فدع نحيتا من حجر

ثم نحر في يوم(2) آخر نحيرة(3) أخرى ، فسمع منه :

هذا نبي مرسل

جاء بخير منزل(4)

هاتف على أبي قبيس

أبو عبيس(5) قال : سمعت قريش في الليل هاتفا على أبي قبيس يقول شعرا :

ص: 259


1- العتيرة : الذبيحة .
2- في « المخطوطة » : « يوما » .
3- في نسخة « النجف » : « نحرة » .
4- المعجم الكبير للطبراني : 20/338 .
5- في نسخة « النجف » : « عميس » .

إذا أسلم السعدان يصبح بمكة(1)

محمد لا يخشى خلاف المخالف

فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : من السعدان ؟ [ قيل ] : سعد بكر وسعد تميم .

ثم سمع في الليلة الثانية :

أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا

ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داع الهدى وتمنّيا

على اللّه في الفردوس خير زخارف

فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : هو سعد بن معاذ وسعد بن عبادة(2) .

هاتف في بعض طرقات الشام

قال تميم الداري : أدركني الليل في بعض طرقات الشام ، فلمّا أخذت مضجعي قلت : أنا الليلة في جوار هذا الوادي ، فإذا مناد يقول : عذ باللّه ، فإنّ الجنّ لا تجير أحدا على اللّه ، قد بعث نبي الأميين رسول اللّه

صلى الله عليه و آله ، وقد صلّينا خلفه بالحجون ، وذهب كيد الشياطين ، ورميت بالشهب ، فانطلق إلى محمد صلى الله عليه و آله رسول ربّ العالمين .

ص: 260


1- في بعض المصادر : « محمد بمكة » .
2- المستدرك للحاكم : 3/253 ، الهواتف لابن أبي الدنيا : 259 ، الإستيعاب : 2/596 ، كتاب المنمق : 148 ، تاريخ اليعقوبي : 2/40 ، تاريخ الطبري : 2/105 .
آت أتى سواد بن قارب

سعد بن جبير قال : قال سواد بن قارب : نمت على جبل من جبال السراة ، فأتاني آت ، وضربني برجله وقال :

قم يا سواد بن قارب

أتاك رسول من لوي بن غالب

فلمّا استويت أدبر ، وهو يقول :

عجبت للجنّ وأرجاسها

ورحلها العيس بأحلاسها(1)

تهوي إلى مكة تبغي الهدى

ما صالحوها مثل أنجاسها

فعدت فنمت ، فضربني برجله ، فقال مثل الأول ، فأدبر قائلاً :

عجبت للجنّ وتطلابها

ورحلها العيس بأقتابها

تهوي إلى مكة تبغي الهدى

ما صادقوها مثل كذابها(2)

فعدت فنمت ، فضربني برجله ، فقال مثل الأول ، فلمّا استويت أدبر وهو يقول :

عجبت للجنّ وأشرارها

ورحلها العيس بأكوارها(3)

تهوي إلى مكة تبغي الهدى

ما مؤمنوها مثل كفارها

قال : فركبت ناقتي ، وأتيت مكة عند النبي

صلى الله عليه و آله ، وأنشدته :

أتاني جنّ قبل هدء ورقدة

ولم يك فيما قد أتانا بكاذب

ص: 261


1- الأحلاس : كلّ شيء ولي ظهر البعير والدابة تحت الرحل والقتب والسرج .
2- في نسخة « النجف » : « كعذابها » .
3- الأكوار : جمع الكور : الرحل ، وقيل : الرحل بأداته .

ثلاث ليال قوله كلّ ليلة

أتاك رسول من لوي بن غالب

فأشهد أنّ اللّه لا ربّ غيره

وأنّك مأمون على كلّ غائب(1)

وكان لبني عذرة صنم يقال له « حمام » فلمّا بعث النبي صلى الله عليه و آله سمع من جوفه يقول :

يا بني هند بن حزام

ظهر الحقّ وأودى حمام

ودفع الشرك الإسلام

ثم نادى بعد أيام لطارق يقول : يا طارق يا طارق ، بعث النبي الصادق ، جاء بوحي ناطق ، صدع صادع بتهامة ، لناصريه السلامة ، ولخاذليه الندامة ، هذا الوداع منّي ، إلى يوم القيامة ، ثم وقع الصنم لوجهه فتكسّر .

قال زيد بن ربيعة : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فأخبرته بذلك ، فقال : كلام الجنّ

المؤمنين ، فدعانا إلى الإسلام(2) .

صوت الجنّ بمكة ليلة خروج النبي صلى الله عليه و آله

وسمع صوت الجنّ بمكة ليلة خرج النبي صلى الله عليه و آله :

جزى اللّه ربّ الناس خير جزائه

رسولاً أتى في خيمتي أم معبد

فيا لقصيّ ما زوى اللّه عنكم

به من فعال لا يجازى بسؤدد

ص: 262


1- المعجم الكبير للطبراني : 7/93 ، دلائل النبوة للاصبهاني : 4/1192 ، الكامل لابن عدي : 2/211 .
2- كنز الفوائد للكراجكي : 93 ، تاريخ دمشق : 11/490 .

فأجابه حسان بقوله :

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقد سرّ من يسري إليه ويقتدي

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب اللّه في كلّ مشهد

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في ضحوة العيد أو غد(1)

هاتف من جبال مكة يوم بدر

وهتف من جبال مكة يوم بدر :

أذلّ الحنيفيون بدرا بوقعة

سينقض منها ملك كسرى وقيصرا

أصاب رجالاً من لوي وجرّدت

حرائر يضربن الجرائد حسّرا

ألا ويح من أمسى عدو محمد

لقد ذاق خزيا في الحياة وخسرا

وأصبح في هامي العجاجة معفرا

تناوله الطير الجياع وتنقرا

فعلموا الواقعة وظهر الخبر من الغد(2) .

ص: 263


1- المستدرك للحاكم : 3/210 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 6/255 ، الأخبار الطوال للطبراني : 83 ، المعجم الكبير للطبراني : 4/50 .
2- الدر النظيم : 156 .
هاتف يصيح بعباس بن مرداس

ودخل العباس بن مرداس السلمي على وثن يقال له « الضمير » ، فكنس ما حوله ومسحه وقبّله ، فإذا بصائح يصيح : يا عباس بن مرداس .

قل للقبائل من سليم كلّها

هلك « الضمير » وفاز أهل المسجد

هلك الضمير وكان يعبد مرّة

قبل الكتاب إلى النبي محمد

إنّ الذي جا بالنبوة(1) والهدى

بعد ابن مريم من قريش مهتد

فخرج ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه و آلهتبسّم ،

ثم قال : يا عباس بن مرداس ، كيف كان إسلامك ؟ فقصّ عليه القصّة ، فقال : صدقت ، وسرّ بذلك(2) .

هاتف يكلّم سيار الغساني

وفي حديث سيار الغساني لمّا قال له عمر : أكاهن أنت ؟ فقال : قد هدى اللّه بالإسلام كلّ جاهل ، ودفع بالحقّ كلّ باطل ، وأقام بالقرآن كلّمائل . . القصّة ، فأخذت ظبية بذي العسف ، فإذا بهاتف :

ص: 264


1- في نسخة « النجف » : « جاء النبوة » .
2- الهواتف لابن أبي الدنيا : 273 ، الآحاد والمثاني : 3/75 .

يا أيّها الراكب السراع الأربعه

خلّوا سبيل الظبية المروعه

فخلّيتها ، فلمّا جنّ الليل ، فإذا أنا بهاتف يقول :

خذها ولا تعجل وخذها عن ثقه

فإنّ شرّ السير سير الحقحقه(1)

هذا نبي فائز من حققه(2)

هاتف من جوف صنم

وقال عمرو بن جبلة الكلبي : عترنا عتيرة ل-« عمرة » - اسم صنم - ، فسمعنا من جوفه يخاطب(3) سادنه : [ يا ] عصام ، يا عصام ، جاء الإسلام ، وذهبت الأصنام ، وحقنت الدماء ، ووصلت الأرحام ، ففزعت من ذلك(4) .

ثم عترنا أخرى ، فسمعناه يقول لرجل اسمه بكر : يا بكر بن جبل ، جاء النبي المرسل ، يصدّقه المطعمون في المحل ، أرباب يثرب ذات(5) النخل ، ويكذبه أهل نجد وتهامة ، وأهل فلح واليمامة .

فأتيا إلى النبي صلى الله عليه و آله وأسلما ، وأنشد عمرو :أجبت رسول اللّه إذ جاء بالهدى

فأصبحت بعد الجحد(6) للّه أوحدا

ص: 265


1- الحقحقة : شدّة السير .
2- الهواتف لابن أبي الدنيا : 70 .
3- في المخطوطة : « مخاطب » .
4- دلائل النبوة للبيهقي : 2/259 ، الإصابة : 4/414 .
5- في « نج » : « ذلك » .
6- في نسخة « النجف » : « الحمد » .
كلام شيطان من جوف هبل

تكلّم شيطان من جوف هبل بهذه الأبيات :

قاتل اللّه رهط كعب بن فهر

ما أضلّ العقول والأحلاما

جاءنا تايه يعيب علينا

دين آباءنا الحماة الكراما

فسجدوا كلّهم ، وتنقّصوا النبي صلى الله عليه و آله ، وقال : هلمّوا غدا نسمع أيضا ، فحزن النبي صلى الله عليه و آله من ذلك ، فأتاه جنّي مؤمن وقال : يا رسول اللّه ، أنا قتلت مسعرا الشيطان المتكلّم في الأوثان ، فأحضر المجمع لأجيبه .

فلمّا اجتمعوا ودخل النبي صلى الله عليه و آله خرّت الأصنام على وجوهها ، فنصبوها ، وقالوا : تكلّم ، فقال :

أنا الذي سمّاني المطهرا

أنا قتلت ذا الفجور مسعرا

إذا طغى لمّا طغى واستكبرا

وأنكر الحقّ ورام المنكرا

بشتمه نبيّنا المطهّرا

قد أنزل اللّه عليه السورا

من بعد موسى فاتبعنا الأثرا

فقالوا : إنّ محمدا يخادع اللاّت كما خادعنا(1) .

صائح يصيح في جوف الصنم

تاريخ الطبري : إنّه روى الزهري في حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال : كنّا جلوسا قبل أن يبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشهر ونحرنا جزورا ،

ص: 266


1- الدر النظيم : 95 .

فإذا صائح يصيح في جوف الصنم : اسمعوا العجب ، ذهب استراق الوحي ويرمى بالشهب ، لنبي بمكة اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » مهاجرته إلى يثرب(1) .

سمع عمر صوتا من جوف العجل المذبوح للوثن

الطبري في حديث ابن إسحاق والزهري عن عبد اللّه بن كعب مولى عثمان أنّه قال عمر : لقد كنّا في الجاهلية نعبد الأصنام ، ونعتنق الأوثان ، حتى أكرمنا اللّه بالإسلام ، فقال الأعرابي : لقد كنت كاهنا في الجاهلية ، قال : فأخبرنا ما أعجب ما جاءك به صاحبك ؟ قال : جاءني قبل الإسلام ، جاء فقال : ألم تر إلى الجن وأبالسها وإياسها من دينها ولحاقها(2) بالقلاص وأحلاسها .

فقال عمر : إنّي - واللّه - لعند وثن من أوثان الجاهلية في معشر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلاً ، فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه ، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قطّ أنفذ منه ، وذلك قبل الإسلام بشهر أو سنة يقول : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، رجلفصيح يقول : لا إله إلاّ اللّه (3) .

ومنه حديث الخثعمي وحديث سعد بن عمرو الهذلي .

ص: 267


1- تاريخ الطبري : 2/46 ، الطبقات الكبرى : 1/161 .
2- في بعض المصادر : « لحوقها » .
3- تاريخ الطبري : 2/46 ، الطبقات الكبرى : 1/158 .

ص: 268

فصل 12 : في نطق الجمادات

اشارة

ص: 269

ص: 270

« وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ »

أمير المؤمنين يسمع تسليم الأشجار والأحجار على النبي

أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أخرج مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أسفل مكة وأشجارها ، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلاّ قالت : السلام عليك يا رسول اللّه ، وأنا أسمع(1) .

الطعام يسبّح والنبي يأكل

علقمة وابن مسعود : كنّا نجلس مع النبي صلى الله عليه و آله ، ونسمع الطعام يسبّح ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل(2) .

تسبيح الحصى في يده

وأتاه مكرز العامري وسأله آية ، فدعا بتسع حصيات ، فسبّحن في يده .

ص: 271


1- دلائل النبوة : 2/154 ، إعلام الورى : 1/104 .
2- ابن حبان : 14/417 .

وفي حديث [ أبي ] : فوضعهن على الأرض ، فلم يسبّحن وسكتن ، ثم عاد وأخذها من فسبّحن(1) .

ابن عباس قال : قدم ملوك حضر موت على النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : كيف نعلم أنّك رسول اللّه ؟!

فأخذ كفّا من حصى ، فقال : هذا يشهد أنّي رسول ، فسبّح الحصا في يده ، وشهد أنّه رسول اللّه (2) .

حجر ما مرّ عليه النبي إلاّ سلّم عليه

النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّي لأعرف حجرا بمكة ما مررت عليه إلاّ سلّم عليّ(3) .

حنين الجذع اليه

أبو هريرة ، وجابر الأنصاري ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزين العابدين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يخطب بالمدينة إلى بعض الأجذاع ، فلمّا كثر الناس ، واتخذوا له منبرا ، وتحوّل إليه حنّ كما تحنّ الناقة .

فلمّا جاء(4) إليه والتزمه كان يئن أنين الصبي الذي يسكّت(5) .

ص: 272


1- الخرائج : 1/47 ح61 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : 529 .
2- إمتاع الأسماع : 4/355 ، الدر النظيم : 120 .
3- الأمالي للطوسي : 341 ح696 ، الخرائج : 1/46 ح58 ، مسند أحمد : 5/89 ، سنن الدارمي : 1/12 ، مسلم : 7/58 ، ابن حبان : 14/402 .
4- في نسخة « النجف » : « حنّ » .
5- روضة الواعظين : 63 .

وفي رواية : فاحتضنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة(1) .

وفي رواية : فدعاه النبي

صلى الله عليه و آله ، فأقبل يخدّ الأرض والتزمه ، وقال : عد إلى مكانك ، فمرّ كأحد(2) الخيل(3) .

وفي مسند "الأنصار عن" أحمد قال أبي بن كعب : قال النبي صلى الله عليه و آله : أسكن أسكن ، إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن تشأ أعيدك كما كنت رطبا ، فاختار الآخرة على الدنيا(4).

وفي سنن ابن ماجة : إنّه لمّا هدم المسجد أخذ أبي بن كعب الجذع الحنّانة ، وكان عنده في بيته حتى بلى ، فأكلته الأرضة وعاد رفاتا(5)!!

* * *

قال خطيب منيح :

ومن أضحى عليه الجذع لمّا

تولّى منه مكتئبا حزينا

وحنّ إليه من كلف وشوق

فأظهر معلنا منه الحنينا(6)* * *

ص: 273


1- المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 99 ، مسند أحمد : 1/249 ، سنن الدارمي : 9/19 ، سنن ابن ماجة : 1/455 .
2- في بعض المصادر : « أسرع » .
3- الخرائج : 1/26 ح10 ، الدر النظيم : 121 .
4- سند أحمد : 5/139 .
5- سنن الدارمي : 1/18 ، سنن ابن ماجة : 1/454 .
6- الدر النظيم : 121 .

[ وقال ] غيره :

والجذع حنّ لئن فارقته أسفا

حنين ثكلى شجتها لوعة الثكل

ماصبر من صار من عين على أثر

وحال من حال عن حال إلى عطل

الذراع المسمومة تكلّم النبي

أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اليهود اجتمعت عند امرأة يقال لها « عبدة » على أن تسمّه في هذه الشاة ، فشوتها ، ثم اجتمعت الرؤوساء في بيتها ، فأتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت : يا محمد ! قد علمت ما توجب لي من حقّ الجوار ، وقد حضرني رؤوساء اليهود ، فزينّي بأصحابك ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،

ومعه علي عليه السلاموأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف .

وفي خبر : وسلمان ، والمقداد ، وعمار ، وصهيب ، وأبو ذر ، وبلال ، والبراء بن معرور .

فلمّا دخلوا ، وأخرجت الشاة سدّوا آنافهم بالصوف ، وقاموا على أرجلهم ، وتوكؤا على عصيّهم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اقعدوا ، فقالوا : إنّا إذا زارنا نبي لا نقعد ، وكرهنا أن تصل إليه أنفاسنا .

فلمّا وضعت الشاة بين يديه تكلّم كتفها ، فقالت : مه يا محمد ، لا تأكل منّي ، فإنّي مسمومة .فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله « عبدة » ، فقال لها : ما حملك على ما صنعت ؟

قالت : قلت : إن كان نبيا لا يضرّه ، وإن كان كذابا أرحت قومي منه .

فهبط جبرئيل عليه السلام ، فقال : السلام يقرئك السلام ويقول : قل بسم اللّه

ص: 274

الذي يسمّيه به كلّ مؤمن ، وبه عزّ مؤمن ، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض ، وبقدرته التي خضع لها كلّ جبار عنيد ، وانتكس كلّ شيطان مريد ، من شرّ السمّ والسحر واللمم ، بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلاّ هو « وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً » .

فقال النبي صلى الله عليه و آله ذلك ، وأمر أصحابه ، فتكلّموا به ، ثم قال : كلوا ، ثم أمرهم أن يحتجموا(1) .

وفي خبر : إنّ البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم فوضعها في فيه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : لا نتقدّم(2) رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، في كلام له . . جاءت به هذه - وكانت يهودية - ولسنا نعرف حالها ، فإن أكلته بأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فهو الضامن لسلامتك منه ، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك ، فنطق الذراع ، وسقط البراء ومات(3) .

وروي أنّها كانت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مسلم ، والآكلكان بشر بن البراء بن معرور ، وأنّه دخلت أمّه على النبي صلى الله عليه و آله عند وفاته ، فقال : يا أم بشر ، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني ، فهذا أوان قطعت أبهري ، ولذلك يقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مات شهيدا(4) .

ص: 275


1- روضة الواعظين : 61 ، الثاقب في المناقب : 81 ح65 .
2- في نسخة « النجف » : « تتقدم » .
3- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 178 .
4- مجمع البيان : 9/204 ، تفسير الثعلبي : 9/53 ، تفسير البغوي : 4/198 ، تاريخ الطبري : 2/303 ، التنبيه والأشراف : 224 ، السيرة لابن هشام : 3/801 .

وعن عروة بن الزبير : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه .

وفي رواية : أربع سنين ، وهو الصحيح .

* * *

[ قال ] نصر بن المنتصر :

ومن يناديه الذراع أنّني

مسمومة قد سمّنى القوم العدى

* * *

[ وقال ] ابن حماد :

وأبصر الناس منه كلّ معجزة

ومعجب بين مراء ومستمع

مثل الذراع التي سمّت ليأكلها

فكلّمته وكلّ للكلام يعي

* * *

وله [ أيضا ] :

وكلّمته الذراع إذ سمّ فيها

يا رسول الإله دع عنك أكلي

أمر الجبل فشهد له

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالى « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ » قالت اليهود : زعمت أنّ الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع للّه منّا ، فاستشهد هذه الجبال على تصديقك .

ص: 276

فأمر صلى الله عليه و آله فتحرك الجبل وتزلزل ، وفاض منه الماء ، ونادى : أشهد أنّك رسول ربّ العالمين وسيد الخلق أجمعين .

ثم أمره أن ينقطع نصفين ، وترتفع السفلى وتنخفض العليا ، وتباعد صلى الله عليه و آله إلى فضاء واسع ، ثم نادى : أيّها الجبل بحقّ محمد وآله الطيبين ، في كلام له ، فتزلزل الجبل وسار كالقارح الهملاج(1) حتى وقف بين يديه ، فقالوا : رجل مبخوت .

رموا النبي وعلي عليهماالسلام بالحجارة فكلّمتهما وأنطق اللّه الجنائز لتشهد لهما

وفيه : إنّه رمت قريش بالأحجار على محمد وعلي - عليهما السلام - فرأوا كلّ حجر منها يسلّم عليهما ، فوجموا ، فقال عشرة من مردتهم : ما هذه الأحجار تكلّمهما ، ولكنّهم رجال في حفرة بحضرة الأحجار قدخبأهم محمد صلى الله عليه و آله تحت الأرض ، فتحلّق عشرة أحجار ، ورضت رؤوس المتكلّمين بهذا الكلام .

فجاء عشائرهم يبكون ويضجون ويقولون : قتل محمد صلى الله عليه و آله أصحابنا بسحره ، فأنطق اللّه جنائزهم : صدق محمد صلى الله عليه و آله وكذبتم ، واضطربت

ص: 277


1- القارحُ : الناقةُ أَوّلَ ما تَحْمِلُ ، وقيل : هي التي لا تشعر بلَقاحِها حتى يستبين حملها ، والهَمْلَجَة والهِمْلاجُ : حُسْنُ سير الدابة في سُرْعة ، والهِمْلاجُ : الحَسَنُ السير في سُرْعَة وبَخْتَرَةٍ ، والهملاج من البراذين : ما يمشي الهملجة ، وهو مشي شبيه الهرولة .

الجنائز ، وأسقطت من عليها ونادت : ما كنّا لنحمل أعداء اللّه ، فقال أبو جهل : إنّ ذلك سحر عظيم .

ثم دعيا اللّه - تعالى - فنشروا ثم نادى المحيّون : إنّ لمحمد وعلي عليهماالسلامشأن عظيم في الممالك التي كنّا فيها(1) .

تكلّم البساط والسوط والحمار

وفيه : في تفسير قوله تعالى « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ » ، أنّه قال مالك بن الصيف : أريد أن يشهد بساطي بنبوتك ، وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : أريد أن يشهد سوطي بها ، وقال كعب بن الأشرف : أريد أن يؤمن بك هذا الحمار .

فأنطق اللّه البساط فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّك - يا محمد - عبده ورسوله ، وأشهد أنّ علي بن أبي طالب وصيك .

فقالوا : ما هذا إلاّ سحر مبين ، فارتفع البساط ، ونكس مالكا وأصحابه .

ثم نطق سوط أبي لبابة بالنبوة والإمامة ، ثم انجذب من يده ، وجذب أبالبابة فخرّ لوجهه ، ثم قال : لا أزال أجذبك حتى أثخنك ، ثم أقتلك أو تسلم ، فأسلم أبو لبابة .

وجاء كعب يركب حماره ، فشبّ به الحمار ، وصرعه على رأسه ، ثم قال : بئس العبد أنت ، شاهدت آيات اللّه وكفرت بها .

ص: 278


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 375 ح260 .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : حمارك خير منك ، قد أبى أن تركبه ، فلن تركبه(1) أبدا ، فاشتراه منه ثابت بن قيس(2) .

شهادة الشجرة بالتوحيد والنبوة والولاية

وفيه : إنّه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي ، وسأل معجزة وقال : فادع لي تلك الشجرة ، فدعاها النبي صلى الله عليه و آله ، فجعلت تخدّ في الأرض أخدودا عظيما

كالنهر ، حتى وقفت بين يديه ، ونادت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك - يا محمد - عبده ورسوله ، وأشهد أنّ عليا ابن عمّك ، هو أخوك في دينك ، فأسلم الحارث(3) .

ص: 279


1- في نسخة « النجف » : « يركبه » .
2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 92 .
3- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 169 ح83 .

تكملة اللطائف

شجرة من مكة نطقت بالشهادة على نبوته

إنّه كان النبي صلى الله عليه و آله يبني مسجدا في المدينة ، فدعا شجرة من مكة ، فخدّت الأرض حتى وقفت بين يديه ، ونطقت بالشهادة على نبوته ، صلوات اللّه وسلامه عليه .

* * *

ومن دعا الدوحة(1) إذ قال لها

ألا أقبلي فأقبلت لمّا(2) دعا

* * *

[ وقال ] عبد اللّه بن رواحة(3) :

لو لم تكن فيك آيات مبينة

كانت بديهته(4) تنبئك بالخبر

* * *

ص: 280


1- الدوحة : الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدّة .
2- في نسخة « النجف » : « لمن » .
3- عبد اللّه بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري ،، من الخزرج ،، أبو محمد ، صحابي ، يعدّ من الأمراء والشعراء الراجزين ، كان يكتب في الجاهلية ، وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية ، وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة ، فاستشهد فيها . الأعلام للزركلي .
4- في نسخة « النجف » : « بديهية » .

[ وقال ] قطن بن حارثة العليمي(1) :

رأيتك يا خير البرية كلّها

ثبت(2) نضارا في الأُرمة من كعب

أغرّ كأنّ البدر غرّة وجهه

إذا ما بدا للناس في حلل العصب

أقمت سبيل الحقّ بعد اعوجاجها

ورشت(3) اليتامى في السغابة والجدب(4)

ص: 281


1- ترجم له في الإستيعاب : 3/1307 رقم 1269 ، وقال ابن حجر في الإصابة : 5/341 : قطن بن حارثة العليمي من بني عليم بن جناب بن كلب ، قال المرزباني في معجم الشعراء : وفد مع قومه على النبي صلى الله عليه و آله ، فأسلم وأنشد النبي صلى الله عليه و آله من قوله : « رأيتك يا خير البرية كلّها . .» ، قال : فروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله ردّ عليه خيرا ، وكتب له كتابا .
2- في نسخة « النجف » : « نبت » .
3- راش اليتامى : أطعمهم وكساهم وأصلح حالهم .
4- البداية والنهاية : 9/290 .

ص: 282

فصل 13 : في كلام الحيوانات

اشارة

ص: 283

ص: 284

استنطق الضبّ فشهد الشهادتين

أبو هريرة وعائشة : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وفي يده ضبّ ، فقال : يا محمد ! لا أسلم حتى تسلم هذه الحيّة .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : من ربّك ؟ فقال : الذي في السماء ملكه ، وفي الأرض

سلطانه ، وفي البحر عجائبه ، وفي البرّ بدائعه ، وفي الأرحام علمه .

ثم قال : يا ضبّ من أنا ؟ قال : أنت رسول ربّ العالمين ، وزين الخلق يوم القيامة أجمعين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، قد أفلح من آمن بك وأسعد .

فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم ضحك وقال : دخلت عليك وكنت أبغض الخلق إليّ ، وأخرج

وأنت أحبّهم إليّ .

فلمّا بلغ الأعرابي منزله اسجتمع أصحابه(1) ، وأخبرهم بما رأى ، فقصدوا نحو النبي صلى الله عليه و آله بأجمعهم ، فاستقبلهم النبي

صلى الله عليه و آله .

فأنشأ الأعرابي :

ألا يا رسول اللّه إنّك صادق

فبوركت مهديّا وبوركت هاديا

ص: 285


1- في نسخة « النجف » : « اجتمع بأصحابه » .

شرعت لنا دين الحنيفي بعدما

عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعو ويا خير مرسل

إلى الإنس ثم الجنّ لبيك داعيا

أتيت ببرهان من اللّه واضح

فأصبحت فينا صادق القول راضيا

فبوركت في الأقوام حيّا وميتا

وبوركت مولودا وبوركت ناشيا(1)

وروي إنّ اسم الأعرابي سعد بن معاذ السلمي ، فسرّ النبي صلى الله عليه و آله بإسلامهم ، وأمر الأعرابي عليهم(2) .

ظبية مربوطة تطلب من النبي أن يخلّيها

زيد بن الأرقم ، وأنس ، وأم سلمة ، والصادق عليه السلام : إنّه مرّ بظبية مربوطة بطنب خيمة يهودي ، فقالت : يا رسول اللّه ، إنّي أم خشفين(3) عطشانين ، وهذا ضرعي قد امتلأ لبنا ، فخلّني حتى أرضعهما ، ثم أعود

ص: 286


1- المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 47 ح14 ، كفاية الأثر : 173 ، الخرائج : 1/38 ، الثاقب في المناقب : 73 ح56 ، إمتاع الأسماع : 5/246 ، المعجم الأوسط للطبراني : 6/127 ، المعجم الصغير : 2/64 ، تاريخ الطبري : 6/165 .
2- الدر النظيم : 123 .
3- الخشف : الظبي الصغير ، وقيل : هو خشف أول ما يولد .

فتربطني ، فقال : أخاف ألا تعودي ، قالت : جعل اللّه عليّ عذاب العشارين إن لم أعد ، فخلّى سبيلها .

فخرجت وحكت لخشفيها ما جرى ، فقالا : لا نشرب الّلبن وضامنك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أذى منك .

فخرجت مع خشفيها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأثنت عليه ، وجعلا يمسحان

رؤوسهما برسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فبكى اليهودي وأسلم وقال : قد أطلقتها ، واتخذ هناك مسجدا .

فخنق رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أعناقها بسلسلة ، وقال : حرّمت لحومكم على

الصيادين ، ثم قال : لو أنّ البهائم يعلمون من الموت [ ما تعلمون أنتم ما أكلتم منها سمينا (1)] ، الخبر .

وفي رواية زيد : فأنا - واللّه - رأيتها تسبح في البرية ، وهي تقول : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه .

وروي : أنّ الرجل اسمه : أهيب بن سماع(2) .

انقياد الجمل القطم

جابر الأنصاري وعبادة بن الصامت قالا : كان في حائط بني النجار جمل قطم(3) لا يدخل الحائط أحد إلاّ شدّ عليه ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله الحائط

ص: 287


1- أمالي الطوسي : 453 مج 16 ح1011 .
2- دلائل النبوة للبيهقي : 6/34 ، الدلائل لأبي نعيم : 320 .
3- قَطِمَ يَقْطَم قَطَماً ، فهو قَطِمٌ بيِّن القَطَم : أي اهتاجَ وأَراد الضراب ، وه-و ش-دّة اغتلامه ، وقطَمَ يَقطِم إذا عضَّ بمقدَّم الأَسنان .

ودعاه ، فجاءه ووضع مشفره على الأرض ، ونزل بين يديه ، فخطمه ، ودفعه إلى أصحابه .

فقيل : البهائم يعرفون نبوتك ؟ فقال : ما من شيء إلاّ وهو عارف بنبوتي سوى أبي جهل وقريش ، فقالوا : نحن أحرى بالجسود لك من البهائم ، قال : إنّي أموت ، فاسجدوا للحيّ الذي لا يموت(1) .

جمل يشكو اليه قلّة العلف وثقل الحمل

وجاء جمل آخر يحرّك شفتيه ، ثم أصغى إلى الجمل وضحك ، ثم قال : هذا يشكو قلّة العلف وثقل الحمل ، يا جابر ، اذهب معه إلى صاحبه فأتني به ، قلت : واللّه ، ما أعرف صاحبه ، قال : هو يدلّك .

قال : فخرجت معه إلى بعض بني حنظلة ، وأتيت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : بعيرك هذا يخبرني بكذا وكذا ، قال : إنّما كان ذلك لعصيانه ، ففعلنا به ذلك ليلين .

فواجهه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : انطلق مع أهلك ، فكان يتقدّمهم متذلّلاً ، فقالوا : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أعتقناه لحرمتك ، فكان يدور في الأسواق ، والناس يقولون : هذا عتيق رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) .

ص: 288


1- مسند أحمد : 3/158 ، سنن الدارمي : 1/11 ، المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 66 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/428 ح81 .
2- إعلام الورى : 1/86 ، بصائر الدرجات : 368 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/312 .

[ قال ] نصر بن المنتصر :

ومن شكا البعير ظلم أهله

له إليه ثقل حمل وخوى

* * *

[ وقال ] ابن حماد :

ودعاه البعير أن يا رسول اللّه

أشكو إليك جفوة أهلي

جمل يستغيث به من أصحابه

وفي خبر : بينما هو جالس إذا هو بجمل قد أقبل له رغاء ، فقال صلى الله عليه و آله : أتدرون ما يقول ؟ يقول : إنّي لآل فلان - الحي من الخزرج - استعملوني وكدّوني حتى كبرت وضعفت ، فلمّا لم يجدوا فيّ حيلة يريدون نحري ، وأنا مستغيث بك منه .

فأوقفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ جاء أصحابه يطلبونه ، فحكى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : فشأنك به يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فسرّحوه يرتع حيث شاء .

قال : فسرّحوه ، فتباعد الجمل قليلاً ، ثم خرّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ساجدا ، فقالت الصحابة : هذه بهيمة سجدت لك ، فنحن أحقّ بالسجود منه ، فقال صلى الله عليه و آله : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لعظم حقّه عليها(1) .* * *

ص: 289


1- المعجم الوسيط للطبراني : 9/81 ، قصص الراوندي : 286 ، الإحتجاج : 1/317 .

[ قال ] خطيب منبج :

ومن قدم البعير إليه يشكو

فآمنه شفار الجازرينا

* * *

[ وقال ] ابن حماد :

وكالبعير الذي وافاه مشتكيا

والذئب والضبّ واليربوع والسبع

ناقة تشهد عنده على سارقها

أمير المؤمنين عليه السلام : ولقد كنّا معه صلى الله عليه و آله ، فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي ، وقال : إنّه سرق ناقتي ، وهو يسوقها ، وقد استسلم للقطع لما زوّر عليه الشهود ، فقالت الناقة : يا رسول اللّه ، إنّ فلانا منّي بريء ، وإنّ الشهود شهدوا بالزور ، وإنّ سارقي فلان اليهودي(1) .

تكلّم الحمار « عفير » معه صلى الله عليه و آله

عروة بن الزبير : إنّه لمّا فتح خيبر كان في سهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أربعة أزواج ثقالاً ، وأربعة أزواج خفافا ، وعشرة أواقي ذهبا وفضة ، وحمارأقمر(2) ، فلمّا ركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله نطق وقال : يا رسول اللّه ، أنا « عفير »

ص: 290


1- روضة الواعظين : 62 ، الإحتجاج : 1/317 .
2- يقال حمار أقمر : وهو الأبيض فيه كدرة .

ملكني ملك اليهود ، وكنت عضوضا جموحا غير طائع ، فقال له : هل لك من أبّ ؟ قال : لا ، لأنّه كان منّا سبعون مركبا للأنبياء ، والآن نسلنا منقطع لم يبق غيري ، ولم يبق غيرك من الأنبياء ، وبشّرنا بذلك زكريا عليه السلام .

فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبعثه إلى باب الرجل ، فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومى ء إليه أن أجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله أتلف نفسه في بئر لأبي هيثم بن التيهان ، فصار قبره(1) .

وروى أبو جعفر نحوا منه في علل الشرائع(2) .

قصّة ناقته العضباء

عبد الرحمن العنبري : خطب النبي صلى الله عليه و آله يوم عرفة ، وحثّ على الصدقة ، فقال رجل : يا رسول اللّه ، إنّ إبلي هذه للفقراء ، فنظر النبي صلى الله عليه و آلهإليها ، فقال : اشتروها لي ، فاشتريت .

فأتت ليلة إلى حجرة النبي صلى الله عليه و آله ، وسلّمت ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : بارك اللّه فيك ، قالت : كنت حاميا ، فاستعرت من صاحبي فشردت منهم ، وكنتأرعى ، فكان النبات يدعوني ، والسباع تصيح عليّ إنّه لمحمد صلى الله عليه و آله ، فسألها النبي صلى الله عليه و آله عن اسم مولاها ، فقالت : عضبا ، فسمّاها « عضباء » .

ص: 291


1- الدلائل لأبي نعيم : 2/386 رقم 288 .
2- علل الشرائع : 1/167 باب 131 ح1 .

قال عمر بن الخطاب : فلمّا حضر النبي صلى الله عليه و آله الوفاة قالت : لمن توصي بي بعدك ؟ قال : يا عضباء ، بارك اللّه فيك ، أنت لابنتي فاطمة عليهاالسلام تركبك في الدنيا والآخرة .

فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله أتت إلى فاطمة عليهاالسلام ليلاً ، فقالت : السلام عليك - يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله - قد حان فراقي الدنيا ، واللّه ما تهنأت بعلف ولا شراب بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وماتت بعد النبي صلى الله عليه و آله بثلاثة أيام .

عنز يسجد للنبي وأبو بكر ينوي الإقتداء به

أنس في خبر : دخل النبي صلى الله عليه و آله حائطا لبعض الأنصار ، وفي الحائط عنز ، فسجدت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال أبو بكر : نحن أحقّ بالسجود لك من هذه العنز ، فقال صلى الله عليه و آله إنّه لا ينبغي السجود لأحد ، ولو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها(1) .

قصّة سفينة مولى النبي والأسد

محمد بن المنكدر في حديثه عن سفينة مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : كنت في البحر في سفينة فانكسرت ، فركبت لوحا منها ، فطرحني في أجمة فيها الأسد ، فقلت : يا أبا الحارث ، أنا مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فطأطأ رأسه ،

ص: 292


1- الشفاء للقاضي عياض : 1/312 .

ثم غمزني بمنكبه يسعى ، فما زال يغمزني حتى وضعني على الطريق ، ثم همهم ، فظننت أنّه يودّعني(1) .

ذئب يخبر أبا ذر ببعثة النبي

الخدري : كان أبو ذر في « بطن مر » يرعى غنما له ، فانتزع الذئب منه شاة ، فهجهج(2) به حتى استنقذ منه شاته ؟ فأقعى الذئب مستثفرا بذنبه مقابلاً له ، ثم قال : أما اتقيت اللّه ؟ حلت بيني وبين شاة رزقنيها اللّه تعالى ، فقال أبو ذر : تاللّه ، ما سمعت أعجب من ذلك ، فقال الذئب : وأعجب من ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبين الحرّتين في النخلات يحدّث الناس بما خلا ، ويحدّثهم بما هو آت ، وأنت تتبع غنمك ، فقال أبو ذر : يا لك من هو كه ؟ من يرعى غنمي حتى أخرج إليه ، وأومن به ؟ فقال الذئب : أنا .

فجاء إلى مكة ، فإذا هو بحلقة مجتمعين يشتمون النبي صلى الله عليه و آله ، فأقبل أبو طالب عليه السلام ، فقالوا : كفّوا عنه ، فقد جاء عمّه .

فتبعه أبو ذر ، فالتفت إليه ، فقال : ما حاجتك ؟ قال : هذا النبي صلى الله عليه و آلهالمبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك إليه ؟ قال : أؤمن به وأصدقه ، ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ؟ قال : نعم .

ص: 293


1- المستدرك للحاكم : 2/619 .
2- هجهج به : زجره ليكفّ .

فدلّه إلى جعفر ، فلمّا عرف جعفر حاجته دلّه إلى حمزة ، فلمّا عرف حمزة حاجته دلّه إلى علي عليه السلام ، فلمّا عرف علي عليه السلام حاجته رفعه إلى بيت فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فلمّا دخل عليه قال الرسول صلى الله عليه و آله : ما حاجتك ؟ قال : هذا النبي صلى الله عليه و آله المبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك ؟ قال : أؤمن به وأصدقه ، ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ؟ قال : نعم ، قال : أنا رسول اللّه ، يا أبا ذر انطلق إلى بلادك ، فإنّك تجد ابن عمّ لك قد مات ، فخذ ماله ، وكن بها حتى يظهر أمري .

ثم دعاه وقال : كفاك اللّه همّ دنياك وعقباك ، فصار أربعين يوما ماء زمزم غسلاً له ، فما اشتهى شيئا آخر ، وانطلق إلى بلاده فوجده كما قال(1) .

وأتى أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : إنّ لي غنيمات ، وأكره أن أفارق حضرتك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّك فيها


1- الكافي : 8/297 ح457 ، أمالي الصدوق : 569 ح770 ، روضة الواعظين : 279 .

فلمّا كان في اليوم السابع جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أبا ذر، فقال : لبيك يا رسول اللّه ، قال : ما فعلت غنيماتك ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّ لها قصّة عجيبة ، قال: وما هي ؟ قال : يا رسول اللّه ، بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب علىغنمي، فقلت : يا ربّ صلاتي ، يا ربّ غنمي ، فآثرت صلاتي على غنمي ، فأخطر الشيطان ببالي : يا أبا ذر ، أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي فأهلكتها كلّها ، وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيش به ؟ فقلت للشيطان : يبقى لي توحيد اللّه تعالى ، والإيمان بمحمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ، وموالاة الأئمة الهادين الطاهرين من ولده عليهم السلام ، ومعاداة أعدائهم ، وكلّما فات من الدنيا بعد ذلك جلل .(1)تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 74 ، القصص للراوندي : 305 ، الخرائج : 2/504 .

ذئبان يحثّان الراعي على الإسلام ويكلّمان النبي وعلي

تفسير الإمام عليه السلام : إنّ ذئبين كلّما راعيا ، وحثّاه على الإسلام ، فأتى الراعي إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وحكى له كلامهما .

فأتى النبي صلى الله عليه و آله إلى القطيع ، وقال : أحيطوا بي حتى لا يراني الذئبان ،فأحاطوا به ، فقال للراعي : قل للذئب من محمد ؟ فجاءا يتفحّصان عنه حتى دخلا في وسطهم ، فدخلا إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وقالا : السلام عليك يا رسول ربّ العالمين ، وسيّد الخلق أجمعين ، ووضعا خدودهما على التراب ، ومرغاها بين يديه .

ص: 295


1- .فلمّا كان يوم السابع جاءه ، فقال : بينما أنا في صلاتي إذ أخذ ذئب حملاً ، فاستقبله أسد فقطعه بنصفين ، واستنقذ الحمل وردّه إلى القطيع ، وناداني : يا أبا ذر ، أقبل على صلاتك ، فإنّ اللّه قد وكلني بغنمك إلى أن تصلّي ، فلمّا فرغت منها قال : امض إلى محمد صلى الله عليه و آله ، فأخبره بحفظي لغنمك

فقال النبي صلى الله عليه و آله : أحيطوا بعلي عليه السلام ، ففعلوا ، فنادى يا أيّها الذئبان عيّنا عليا عليه السلام .

فجاءا يتخلّلان القوم ، ويتأملان الوجوه والأقدام حتى بلغا عليا عليه السلام ، فمرغا في التراب أبدانهما ، ووضعا بين يديه خدودهما ، وقالا : السلام عليك يا حليف الندى ، ومعدن النهى ، ومحل الحجى ، وعالما بما في الصحف الأولى ، ووصيّ المصطفى(1) .

ويقال : كان اسم الراعي « عمير الطائي » - ويقال : « عقبة »(2) - فبقي له شرف يفتخرون على العرب ويقول مفتخرهم : أنا ابن مكلّم الذئب(3) .

* * *

[ قال ] خطيب منيح :

وخبرنا بأنّ الذئب أمسى

بمبعثه من المتكلمينا(4)* * *

[ وقال ] غيره :

الذئب قد أخبر الراعي بمبعثه

فجاء يشهد بالإسلام في العجل

* * *

ص: 296


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 186 .
2- في إعلام الورى وغيره : « وأبقى لعقبه شرفا . . . » .
3- اعلام الورى : 1/97 ، الخرائج : 1/27 و36 ، الدر النظيم : 125 .
4- الدر النظيم : 125 .

[ وقال ] آخر :

ومنطق الذئب بالتصديق معجزة

مع الذراع ونطق العير والجمل

حيّة عظيمة عرّفت نفسها للنبي

لمّا سار النبي صلى الله عليه و آله إلى وادي حنين للحرب إذا بالطلائع قد رجعت والأعلام والألوية قد وقفت ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : يا قوم ما الخبر ؟ فقالوا : يا رسول اللّه ، حيّة عظيمة قد سدّت علينا الطريق ، كأنّها جبل عظيم ، لا تمكننا(1) من المسير .

فسار النبي صلى الله عليه و آله حتى أشرف عليها ، فرفعت رأسها ، ونادت : السلام عليك يا رسول اللّه ، أنا الهيثم بن طاح بن إبليس ، مؤمن بك ، قد سرت إليك في عشرة آلاف من أهل بيتي حتى أعينك على حرب القوم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : انعزل عنّا ، وسر بأهلك عن أيماننا ، ففعل ذلك ، وسار المسلمون .

صبي ابن شهرين يسلّم على النبي بالرسالة

محمد بن إسحاق : مرّت امرأة من المشركين شديدة القول في النبي صلى الله عليه و آله ، ومعها صبي لها ابن شهرين ، فقال الصبي : السلام عليك يا رسول اللّه ! محمد بن عبد اللّه .

ص: 297


1- في نسخة « النجف » : « يمكننا » .

فأنكرت الأم ذلك من ابنها ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : يا غلام ، من أين تعلم أنّي رسول اللّه ، وأنّي محمد بن عبد اللّه ؟ قال : أعلمني ربّي ربّ العالمين والروح الأمين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من الروح الأمين ؟ قال : جبرئيل ، وها هو قائم على رأسك ينظر(1) إليك .

فقال له النبي

صلى الله عليه و آله : ما اسمك يا غلام ؟ فقال : عبد العزّى ، وأنا كافر به ، فسمّني ما شئت يا رسول اللّه ، قال : أنت عبد اللّه ، فقال : يا رسول اللّه ّ ادع

اللّه أن يجعلني من خدمك في الجنة .

فدعا له ، فقال : سعد من آمن بك ، وشقي من كفر بك ، ثم شهق شهقة ، فمات(2) .

صبي شبّ لم يتكلّم فسأله النبي فتكلّم

شمر بن عطية : إنّه أتي النبي صلى الله عليه و آله بصبي قد شبّ ، ولم يتكلّم قطّ ، فقال :ادن منّي ، فدنا ، فقال : من أنا ؟ قال : أنت رسول اللّه (3) .

وافد السباع يطلب من النبي رزقه

الواقدي عن المطلب بن عبد اللّه قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس بالمدينة في أصحابه ، إذ أقبل ذئب ، فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه و آله يعوي ،

ص: 298


1- في نسخة « النجف » : « ينزل » .
2- الثاقب في المناقب : 82 ح66 ، الدر النظيم : 125 .
3- الدلائل للبيهقي : 6/60 ، إمتاع الأسماع: 5/300 ، السيرة لابن إسحاق: 5/258 .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : هذا وفد السباع إليكم ، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره ، وإن أحببتم تركتموه وأحرزتم منه ، فما أخذ فهو رزقه ، فقالوا : يا رسول اللّه ، ما تطيب أنفسنا له بشيء ، فأومى ء النبي

صلى الله عليه و آله بأصابعه الثلاثة ، أي خالسهم ، فولّى وله عسلان(1)(2) .

دفع الحية عن الوادي وردّ النخلة من ساعتها

وفى حكاية عمرو بن المنتشر : أنّه سأل النبي صلى الله عليه و آله أن يدفع الحيّة عن الوادي ، ويردّ النخلة [ من ساعتها (3)] .

فخرج النبي صلى الله عليه و آله ، فإذا الحيّة تجرجر وتكشكش(4) كالبعير الهائج ،وتخور كما يخور الثور ، فلمّا نظرت إلى النبي صلى الله عليه و آله قامت وسلّمت عليه .

ثم وقف على النخلة ، وأمرّ يده عليها ، وقال : بسم اللّه الذي قدّر فهدى ، وأمات وأحيى ، فصارت بطول النبي صلى الله عليه و آله ، وأثمرت ونبع الماء من أصلها .

ص: 299


1- عَسَل الذِّئْبُ والثعلبُ يَعْسِلُ عَسَلاً وعَسَلاناً : مَضَى مُسْرِعاً واضْطَرب في عَدْوِه وهَزَّ رأْسَه . لسان العرب مادة « عسل » .
2- الطبقات الكبرى : 1/359 ، إمتاع الأسماع : 5/235 .
3- في المخطوطة غير واضحة ، وفي نسخة « النجف » : « عن عادتها » ، وما أثبتناه من بحار الأنوار عن المناقب .
4- الكشكشة : يقال : كشت الأفعى كشيشا : وهو صوت جلدها إذا حكّت بعضها ببعض .

أنا مالك بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وفي حديث خزيم بن فاتك الأسدي : أنّه وجد إبله بأبرق العزل . . القصّة ، فسمع هاتفا :

هذا رسول اللّه ذو الخيرات

جاء بياسين وحاميمات

فقلت : من أنت ؟ قال : أنا مالك "بن مالك" بعثني رسول اللّه

صلى الله عليه و آله إلى حيّ نجد ، قلت : لو كان لي من يكفيني إبلي لأتيته فآمنت به ، فقال : أنا .

فعلوت بعيرا منها ، وقصدت المدينة - والناس في صلاة الجمعة - ، فقلت في نفسي : لا أدخل حتى تنقضي صلاتهم ، فأنا أنيخ راحلتي ، إذ خرج إليّ رجل ، قال : يقول لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ادخل ، فدخلت .

فلمّا رآني قال : ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك ؟ قلت : لا علم لي به ، قال : إنّه أداها سالمين(1) ، قلت : أشهد أن لاإله إلاّ اللّه ، وأنّك رسول اللّه (2) .

ص: 300


1- في نسخة « النجف » : « سالمة » .
2- المستدرك للحاكم : 3/621 ، الهواتف لابن أبي الدنيا : 71 .

فصل 14 : في تكثير الطعام والشراب

اشارة

ص: 301

ص: 302

« وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً »

أصاب الناس مجاعة في تبوك

أبو هريرة ، وأبو سعيد ، وواثلة بن الأسقع ، وعبد اللّه بن عاصم ، وبلال ، وعمر بن الخطاب ، قالوا : أصاب الناس مجاعة في تبوك ، فقالوا : إن أذنت لنا نحرنا نواضحنا(1) ، فدعا(2) بالنطع(3) ، فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم(4) ، فجعل الرجل يجيء بكفّ الذرة ، والآخر بكفّ التمر ، والآخر بالكسرة ، حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك ، ثم دعا له بالبركة .

ثم قال : خذوا في أوعيتكم .

قال : فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلاّ وملؤوه ، وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة .

ص: 303


1- النواضح : جمع الناضح ، وهي الدابة أو الناقة يستقى عليها الماء .
2- في نسخة النجف : « فدعانا لنطع » .
3- النطع : بساط من الجلد .
4- المزود - بكسر الميم - ما يجعل فيه الزاد ، وهو وعاء من أدم ، ومنه قولهم : كان في مزودتي تمر . مجمع البحرين .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّي رسول اللّه ، لا يقولها أحد إلاّ حرّمه اللّه على النار(1) .

تميرات أكل منها ثلاثة آلاف رجل

ورأي صلى الله عليه و آله عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات إلى أبيها يوم الخندق ، فقال : اجعليها على يدي ، ثم جعلها على نطع ، فجعل يربو حتى أكل منه ثلاثة آلاف رجل(2) .

طبخ له ضلعا وقت بيعة العشيرة

ومنه حديث علي بن أبي طالب عليه السلام وقد طبخ له ضلعا وقت بيعت العشيرة(3)(4) .

أطعم القوم بيت جابر بجدي وصاع شعير

البخاري : عن جابر الأنصاري في حديث حفر الخندق : فلمّا رأيت ضعف النبي صلى الله عليه و آله طبخت جديا ، وخبزت صاع شعير ، وقلت :

ص: 304


1- مسند أحمد : 3/11 ، البخاري : 3/109 ، مسلم : 1/42 ، مسند أبييعلى : 2/412 رقم 1199 .
2- السيرة لابن هشام : 3/703 ، إمتاع الأسماع : 5/231 .
3- وفي الشفاء : « وقت جمعه العشيرة » .
4- الشفاء للقاضي عياض : 1/293 ، تاريخ الطبري : 2/64 .

[ يا ] رسول اللّه تكرمني بكذا وكذا ، فقال : لا ترفع القدر من النار ، ولا الخبز من التنّور .

ثم قال : يا قوم ، قوموا إلى بيت جابر ، فأتوا ، وهم سبعمائة رجل .

وفى رواية : ثمانمائة .

وفى رواية : ألف رجل .

فلم يكن موضع الجلوس ، فكان يشير إلى الحائط ، والحائط يبعد ، حتى تمكّنوا ، فجعل يطعمهم بنفسه حتى شبعوا ، ولم يزل يأكل ويهدي إلى قومنا أجمع .

فلمّا خرجوا أتيت القدر ، فإذا هو مملو ، والتنّور محشو(1) .

يا أم سليم هلمّي بما عندك

روى أنس : أنّه أرسلني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه و آله لمّا رأى فيه أثر الجوع ، فلمّا رآني قال : أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم ، قال لمن معه : قوموا .

فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناس ، وليس عندنا من الطعام ما يطعمهم ، فقال صلى الله عليه و آله : يا أم سليم ، هلمّي بما عندك .

ص: 305


1- البخاري : 5/46 ، سنن الدارمي : 1/21 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/425 ، التمهيد لابن عبد البر : 1/293 .

فجاءت بأقراص من شعير ، فأمر به ففتّ ، وعصرت أم سليم عكّة سمن ، فأخذها النبي صلى الله عليه و آله ، ثم وضع يده على رأس الثريد ، وكان يدعو بعشرة عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، وكانوا سبعين - أو ثمانين - رجلاً(1) .

صحفة أصحاب الصفة

وروى أبو هريرة في أصحاب الصفة ، وقد وضعت بين أيديهم صحفة ، فوضع النبي صلى الله عليه و آله يده فيها ، فأكلوا ، وبقيت ملأى فيها أثر الأصابع(2) .

في عرس زينب بنت جحش

ومثله حديث ثابت [ بن أسلم ] البناني عن أنس في عرس زينب بنت جحش(3) .

عكة أم شريك

وروي : أنّ أم شريك أهدت إلى النبي صلى الله عليه و آله عكّة فيها سمن ، فأمر

ص: 306


1- البخاري : 6/197 ، مسلم : 6/118 ، سنن الترمذي : 5/255 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/273 ، ابن حبان : 14/470 ، المعجم الكبير للطبراني : 25/107 .
2- المصنف لابن أبي شيبة : 7/426 رقم 73 ، الطبقات الكبرى : 1/256 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/293 .
3- مسند أبي يعلى : 6/168 ، المعجم الكبير للطبراني : 42/47 .

النبي صلى الله عليه و آله الخادم ، ففرّغها وردّها خالية ، فجاءت أم شريك ، فوجدت العكّة ملأى ، فلم تزل تأخذ منها السمن زمانا طويلاً ، وأبقى لها شرفا(1) .

أعطى لعجوز قصعة فيها عسل

وأعطى صلى الله عليه و آله لعجوز قصعة فيها عسل ، فكانت تأكل ولا تفنى ، فيوما

من الأيام حوّلت ما كان فيها إلى إناء آخر ، ففنى سريعا .

فجاءت إلى النبي صلى الله عليه و آله وأخبرته بذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الأول كان من فعل اللّه وصنعه ، والثاني كان من فعلك .

أطعم رجلاً وسق شعير

وقال جابر : إنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و آله يستطعمه ، فأطمعه وسق [ من ]

شعير ، فما زال الرجل يأكل منه ، وامرأته ووصيفهما(2) ، حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره ، فقال : لو لم تكيلوه لأكلتم منه ، ولقام بكم(3) .

جراب أبي هريرة

وقال أبو هريرة : أتيت إلى النبي صلى الله عليه و آله بتميرات ، فقلت : ادع اللّه لي

ص: 307


1- الخرائج : 1/25 ح7 .
2- الوصيف : الخادم والغلام .
3- مسند أحمد : 3/337 ، مسلم : 7/60 ، وفيهما : « لكم » بدل : « بكم » .

بالبركة يا رسول اللّه ، قال : فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم وكان لا يفارقني ، فلمّا قتل عثمان كان على حقوي ، فسقط وذهب ، وكنت عنه في شغل(1)(2) .

جاشت البئر فاغترفوا وهم جلوس على شفتها

جابر بن عبد اللّه ، والبراء بن عازب ، وسلمة بن الأكوع ، والمسور بن مخزمة : فلمّا نزل النبي صلى الله عليه و آلهبالحديبية في ألف وخمسمائة ، وذلك في حرّ

شديد ، قالوا : يا رسول اللّه ، ما بها من ماء ، والوادي يابس ، وقريش في « بلدح »(3) في ماء كثير .

فدعا بدلو من ماء ، فتوضأ من الدلو ، ومضمض فاه ، ثم مجّ فيه ، وأمر أن يصبّ في البئر ، فجاشت ، فسقينا واستقينا(4) .

وفي رواية : فنزع سهما من كنانته ، فألقاه في البئر ، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها ، وهم جلوس على شفتها(5) .

ص: 308


1- مسند أحمد : 2/352 ، سنن الترمذي : 5/349 رقم 3928 .
2- الخبر عاميّ ، وليس فيه دلالة سوى الإعجاز الذي ظهر من النبي صلى الله عليه و آله ، لأنّ نبي الرحمة كان يفعل ذلك لكلّ الناس برّهم وفاجرهم ، ولكنّ الغريب اشتغاله وغفلته عن بركة النبي صلى الله عليه و آله ومصدر رزقه وعدم اهتمامه بعطاء سيد المرسلين صلى الله عليه و آله !
3- بلدح : واد قبل مكة .
4- مجمع البيان : 9/184 ، الثاقب في المناقب : 43 ح3 .
5- مجمع البيان : 9/184 .
أيّها الماتح دلوي دونكا

أبو عوانة وأبو هريرة : أنّه صلى الله عليه و آله أعطى ناجية بن عمرو(1) نشابة ، وأمر أن يقعرها في البئر ، فامتلأ البئر ماءا ، فأتته امرأة ، فأنشأت :

يا أيّها الماتح(2) دلوي دونكا

إنّي رأيت الناس يحمدونكا

يثنون خيرا ويمجّدونكاأرجوك للخير كما يرجونكا

فأجابها ناجية :

قد علمت جارية يمانيه

إنّي أنا الماتح واسمي ناجيه

وطعنة ذات رشاش واهيه

طعنتها تحت صدور العاتيه(3)

اغرز السهم في بعض قُلب الحديبية

وفي رواية : أنّه دفعها إلى البراء بن عازب ، وقال : اغرز هذا السهم في بعض قُلب(4) الحديبية .

فجاءت قريش ، ومعهم سهيل بن عمرو ، فأشرفوا على القليب والعيون تنبع تحت السهم ، فقالت : ما رأينا كاليوم قطّ ، وهذا من سحرمحمد ( صلى الله عليه و آله) قليل !

ص: 309


1- ناجية بن عمرو بن جندب بن كعب الخزاعي ، معدود من أهل المدينة ، قيل : كان اسمه ذكوان ، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله« ناجية » ، مات في المدينة أيام ملك معاوية .
2- متح الماء : نزعه واستخرجه .
3- تفسير الثعلبي : 9/56 .
4- في نسخة « النجف » : « قليب » .

فلمّا أمر الناس بالرحيل ، قال : خذوا حاجتكم من الماء ، ثم قال للبراء : اذهب فردّ السهم .

فلمّا فرغوا وارتحلوا أخذ السهم ، فجفّ الماء كأنّه لم يكن هناك ماء(1) .

وضع يده ويد علي في التنّور فنبع الماء

أمير المؤمنين عليه السلام ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني في بعض غزواته ، وقد نفد الماء : يا علي ، قم وائت بتنّور(2) .

قال : فأتيته ، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التنّور ، فقال : أنبع ، فنبع [ الماء من بين أصابعنا (3)] .

نبع الماء من بين أصابعه يوم الشجرة

وفي رواية سالم بن أبي الجعد وأنس : فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنّه العيون ، فشربنا ووسعنا(4) ، وذلك في يوم الشجرة ، وكانوا ألف

وخمسمائة رجل(5) .

ص: 310


1- اعلام النبوة للماوردي : 1/140 ، الدر النظيم : 127 ، السيرة الحلبية : 2/693 .
2- في الخصال : « بتور » .
3- الخصال للصدوق : 579 ، الثاقب في المناقب : 42 ح2 .
4- في نسخة « النجف » : « وشبعنا » .
5- مسند أبي داود الطيالسي : 239 ، تفسير جوامع الجامع : 3/379 ، مجمعالبيان : 9/184 ، سنن الدارمي : 4/14 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/286 .
غرز سهما في ركي ففار الماء

وشكا أصحابه إليه في غزوة تبوك من العطش ، فدفع سهما إلى رجل ، فقال : انزل فاغرزه في الركي(1) ، ففعل ، ففار الماء ، فطمى(2) إلى أعلى الركي ، فارتوى منه ثلاثون ألف رجل في دوابهم(3) .

وضع يده تحت وشل فانخرق الماء

ووضع صلى الله عليه و آله يده تحت وشل(4) بوادي المشفق ، فجعل ينصب في يديه ، فانخرق الماء حتى سمع له حسّ كحسّ الصواعق ، فشرب الناس واستقوا منه .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لئن بقيتم ، أو بقي منكم أحد ، ليسمعن بهذا الوادي ، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .

قيل : وهو إلى اليوم كما قاله صلى الله عليه و آله(5) .

تفجّر الماء من بين أصابعه في غزوة بني المصطلق

وفى رواية أبي قتادة : كان يتفجّر الماء من بين أصابعه لمّا وضع

ص: 311


1- الركي : البئر .
2- طمى : ارتفع وغزر .
3- إعلام الورى : 81 ، الخرائج : 1/28 .
4- الوَشَل، بالتحريك : الماءُ القليل يَتَحَلَّب من جبل أَو صخْرة يقطُر منه قليلاً قليلاً ، لا يَتَّصِلُ قطْره .
5- الشفاء للقاضي عياض : 1/288 ، قرب الإسناد : 327 ، الخرائج : 1/110 ح182 ، الثقات لابن حبان : 2/98 ، السيرة لابن هشام : 4/954 .

يده فيها حتى شرب [ الماء ] الجيش العظيم ، وسقوا وتزوّدوا في غزوة بني المصطلق(1) .

وضع يده في الإناء ففار الماء من بين أصابعه

وفى رواية علقمة بن عبد اللّه : أنّه وضع يده في الإناء ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه ، فقال : حيّ على الوضوء والبركة من اللّه ، فتوضأ القوم كلّهم(2) .

نبع الماء من بين أصابعه حتى روى القوم

وفى حديث أبي ليلى : شكونا إلى النبي صلى الله عليه و آله من العطش ، فأمر بحفرة فحفرت ، فوضع عليها نطعا ، ووضع يده على النطع ، وقال : هل من ماء ، فقال لصاحب الإداوة : صبّ الماء على كفّي ، واذكر اسم اللّه ، ففعل .

فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى روى القوم ، وسقوا ركابهم(3) .

وضع يده في القدح فشرب الجيش

وشكا إليه الجيش في بعض غزواته صلى الله عليه و آله فقدان الماء ، فوضع يده

ص: 312


1- الدلائل للبيهقي : 4/123 .
2- الدلائل للبيهقي : 4/103 .
3- المعجم الكبير للطبراني : 7/77 .

في القدح ، فضاق القدح عن يده ، فقال للناس : اشربوا ، فشرب الجيش ، وأسقوا ، وتوضأوا ، وملأوا المزاود .

* * *

ومنه حديث معاد(1) .

* * *

وانبع الماء عذبا من أنامله

من غير ما صخرة كانت على وشل

* * *

وأنشد :

أنت الذي أنبع في راحته

من حجر ماءا معينا فجرى

* * *

وأنشد [ أيضا ] :

ومن فاضت أنامله بماء

سقاء لواردين وصادرينا

وقرّب جفنة صنعت لعشر

على قدر فأطعمها مئينا

وعادت بعد أكل القوم ملأى

يفور عليهم لحما سمينا(2)* * *

ص: 313


1- دلائل النبوة للبيهقي : 4/123 .
2- الدر النظيم : 128 .

ص: 314

فصل 15 : في معجزات أقواله صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 315

ص: 316

الآيات

مثل ما أخبر به عن اللّه - تعالى - في القرآن « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .

وقوله « وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا » .

وقوله « فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآْخِرَةِ » .

وقوله « حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ » .

وقوله « إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ » ، وأمثالها .

انقضاض الكواكب

أبو رجاء العطاردي قال : أول ما أنكرنا عند مبعث النبي صلى الله عليه و آلهانقضاض الكواكب(1) .

قال الزجاج في قوله « اسْتَرَقَ السَّمْعَ » « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » الشهاب من معجزات نبينا صلى الله عليه و آله ، لأنّه لم ير قبل زمانه .

والدليل عليه : إنّ الشعراء كانوا يمثّلون في السرعة بالبرق والسيل ، ولم يوجد في أشعارها بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضّة ، فلمّا حدثت بعد مولده صلى الله عليه و آله استعملت .

ص: 317


1- تاريخ اليعقوبي : 2/8 .

قال ذو الرمة(1) :

كأنّه كوكب في إثر عفرية

مسوّم(2) في سواد الليل منقضب(3)(4)

كشف اللّه عنهم بدعاء النبي ثم عادوا كفارا

الضحاك في قوله « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ » الآيات ، كان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان ، وأكلوا الميتة والعظام ، ثم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله وقالوا : يا محمد ، جئت تأمر بصلة

الرحم ، وقومك قد هلكوا ، فاسأل اللّه - تعالى - لهم الخصب والسعة ، فكشف اللّه عنهم ، ثم عادوا إلى الكفر(5) .

ما قاله صلى الله عليه و آله عن فارس والروم

الزبيري والشعبي : إنّ قيصر حارب كسرى ، فكان هوى المسلمين معقيصر ، لأنّه صاحب كتاب وملّة ، وأشدّ تعظيما لأمر النبي صلى الله عليه و آله ، وكان

ص: 318


1- هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي ، شاعر ، مات سنة 117 ه .
2- في بعض النسخ : « مسود » وفي نسخة « النجف » : « مسموم » .
3- مجمع البيان : 6/104 ، تفسير السمعاني : 3/133 .
4- في النسخ : « مقتضب » ، وما أثبتناه من مجمع البيان وتفسير السمعاني ، والمنقضب : المنقض من مكانه .
5- مجمع البيان : 9/104 ، البخاري : 6/19 .

وضع كتابه على عينه ، وأمر كسرى بتمزيقه ، حين أتاهما كتابه يدعوهما إلى الحقّ .

فلمّا كثر الكلام بين المسلمين والمشركين ، قرأ الرسول صلى الله عليه و آله «الم غُلِبَتِ

الرُّومُ » ، ثم حدّد الوقت في قوله « بِضْعِ سِنِينَ » ، ثم أكّده في قوله « وَعْدَ اللّهِ » ، فغلبوا يوم الحديبية ، وبنوا الرومية(1) .

وروي عنه صلى الله عليه و آله : لفارس نطحة أو نطحتان ، ثم [ قال : ] لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون ، كلّما ذهب قرن خلف قرن هبهب(2) إلى آخر الأبد(3) .

إخباره بموت النجاشي

قتادة وجابر بن عبد اللّه في قوله « وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤمِنُ »

نزل في النجاشي ، لمّا مات نعاه جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فجمع الناس في البقيع ، وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي وصلّى عليه .

فقالت المنافقون في ذلك ، فجاءت الأخبار من كلّ جانب أنّه مات في ذلك اليوم في تلك الساعة ، وما علم هرقل بموته إلاّ من تجّار رأوا "من"المدينة(4) .

ص: 319


1- سنن الترمذي : 5/223 ، المستدرك للحاكم : 2/410 .
2- الهبهب : السريع .
3- مجمع البيان : 8/45 ، تفسير الثعلبي : 7/259 .
4- مجمع البيان : 2/480 ، تفسير الثعلبي : 3/238 ، أسباب النزول للواحدي : 93 .

إخباره عمّه العباس بماله الذي خبّأه في مكة

الكلبي في قوله « فَشُدُّوا الْوَثاقَ » ، ثم نزلت في العباس لمّا أسر في يوم بدر .

فقال له النبي صلى الله عليه و آله : افد نفسك وابني أخيك - يعني عقيلاً ونوفلاً - وحليفك - يعنى عتبة بن أبي جحدر - فإنّك ذو مال ، فقال : إنّ القوم استكرهوني ، ولا مال عندي .

قال : فأين المال الذي وضعته بمكّة عند أم الفضل حين خرجت ، ولم يكن معكما أحد ، وقلت : إن أصبت في سفري فللفضل كذا [ وكذا ] ، ولعبد اللّه كذا ، وقثم كذا .

قال : والذي بعثك بالحقّ نبيا ما علم بهذا أحد غيرها ، وإنّي لأعلم أنّك لرسول اللّه .

ففدى نفسه بمائة أوقية ، وكلّ واحد بمائة أوقية ، فنزل « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَْسْرى »(1) الآية .

فكان العباس يقول : صدق اللّه وصدق رسوله صلى الله عليه و آله ، فإنّه كان معي عشرون أوقية ، فأخذت ، فأعطاني اللّه مكانها عشرين عبدا ، كلّ منهم يضرب بمال كثير ، أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم(2) .

ص: 320


1- إعلام الورى : 1/170 ، دلائل النبوة للاصبهاني : 4/1243 ، تاريخ الطبري : 2/162 ، المعارف لابن قتيبة : 155 .
2- مجمع البيان : 4/469 ، التبيان للطوسي : 5/160 ، تفسير الثعلبي : 4/347 .

إخباره جماعة أنّهم لا يزكون

وقال أبو جعفر عليه السلام : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد ، إذ قال : قم يا فلان ، قم يا فلان ، حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا ، لا تصلّون فيه وأنتم لا تزكّون(1) .

حكمه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ واعتراض عمر

وحكمه « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » . وفيه حديث عمر(2) .

ص: 321


1- الكافي : 3/503 ح2 ، الفقيه للصدوق : 2/12 ح1592 ، التهذيب للطوسي : 4/112 ، 327 .
2- في الإرشاد للشيخ المفيد : 1/153 ، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي : 1/235 ، المغني لابن قدامه : 8/350 ، تفسير ابن كثير : 4/215 ، البداية والنهاية لابن كثير : 4/258 ، السيرة النبوية لابن كثير : 3/428 ، واللفظ للأول : عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا خلا بعلي بن أبي طالب عليه السلام يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا ؟! وتخلو به دوننا ؟! فقال : يا عمر ، ما أنا انتجيته ، بل اللّه انتجاه . قال : فأعرض عمر ، وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ » فلم ندخله وصددنا عنه ، فناداه النبي صلى الله عليه و آله : لم أقل إنّكم تدخلونه في ذلك العام ! . وفي المغني: روي عن عمر أنّه قال : قلت للنبي صلى الله عليه و آله : أوليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به ؟!! قال : بلى ، فأخبرتك أنّك آتيه العام ؟ قلت : لا ، قال : فإنّك آتيه ومطوف به . وفي تفسير ابن كثير : . . حتى سأل عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال له فيما قال : أفلم تكن تخبرنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنّك تأتيه عامك هذا ؟ قال : لا ، قال النبي صلى الله عليه و آله : فإنّك آتيه ومطوف به .

النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب

ومثل : النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب قوله : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ » .

حكمه على اليهود أنّهم لن يتمنوا الموت

ومثل : حكمه على اليهود أنّهم لن يتمنوا الموت ، فعجزوا عنه(1) ، وهم مكلّفون مختارون ، ويقرأ هذه الآية في سورة يقرأ بها في جوامع الإسلام يوم الجمعة جهرا تعظيما للآية التي فيها .

حكمه على أهل نجران

وحكمه على أهل نجران أنّهم لو باهلوا لأضرم الوادي عليهم نارا ، فامتنعوا وعلموا صحّة قوله(2) .

ونحو قوله : « فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً » .

وقوله : « يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى » .

إخباره بهبوب ريح عظيمة

وروي أنّهم كانوا على تبوك ، فقال لأصحابه : الليلة تهبّ ريح عظيمة شديدة ، فلا يقومنّ أحدكم الليلة .

ص: 322


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 443 .
2- مجمع البيان : 1/310 .

فهاجت الريح ، فقام رجل من القوم ، فحملته الريح ، فألقته بجبل طي(1) .

إخباره بموت رجل عظيم النفاق

وأخبر - وهو بتبوك - بموت رجل بالمدينة عظيم النفاق .

فلمّا قدموا المدينة وجدوه وقد مات في ذلك اليوم(2) .

إخباره بمقتل الأسود العنسي

وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذّاب ليلة قتله ، وهو بصنعا ، وأخبر بمن قتله(3) .

إخباره بانتصار العرب على العجم

وقال يوما لأصحابه : اليوم تنصر العرب على العجم ، فجاء الخبربوقعة ذي قار بنصر العرب على العجم(4) .

ص: 323


1- مسلم : 7/61 ، المصنف لابن أبي شيبة : 8/559 .
2- مسند أحمد : 3/341 ، ابن حبان : 14/426 ، مجمع البيان : 10/23 ، كتاب المحبر : 470 ، الخرائج : 1/102 .
3- الإستيعاب : 2/469 ، تفسير جوامع الجامع : 1/593 .
4- الإستيعاب : 1/177 ، التاريخ الكبير للبخاري : 2/63 ، تاريخ اليعقوبي :1/215 ، المعجم الكبير للطبراني : 2/46 ، وفيها جميعا : « اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم » .

إخباره بشهادة اللواء في مؤتة

وكان يوما جالسا بين أصحابه ، فقال : وقعت الواقعة ، أخذ الراية زيد بن حارثة ، فقتل ومضى شهيدا ، وقد أخذها بعده جعفر بن أبي طالب وتقدّم ، فقتل ومضى شهيدا .

ثم وقف صلى الله عليه و آله وقفة ، لأنّ عبد اللّه كان توقف عند أخذ الراية ، ثم قال : أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة وتقدّم ، فقتل ومات شهيدا ، ثم قال : أخذ الراية خالد بن الوليد ، فكشف العدو عن المسلمين !!

ثم قام من وقته ، ودخل إلى بيت جعفر ، ونعاه إلى أهله ، واستخرج ولده(1) .

إخباره سراقة أنّه سيلبس سواري كسرى

ونظر صلى الله عليه و آله إلى ذراعي سراقة بن مالك دقيقين أشعرين ، فقال : كيف بك- يا سراقة - إذا ألبست بعدي سواري كسرى .

فلمّا فتحت فارس دعاه عمر ، وألبسه سواري كسرى(2) .

ص: 324


1- دلائل النبوة للبيهقي : 4/358 ، السيرة لابن هشام : 3/322 ، الطبقات الكبرى : 2/128 ، البخاري : 5/141 ، تاريخ الطبري : 3/23 ، أنساب الأشراف : 1/169 ، الخرائج : 1/121 .
2- الإستيعاب : 2/581 .

إخباره سلمان أنّه سيلبس تاج كسرى

وقوله صلى الله عليه و آله لسلمان : [ أن ] سيوضع على رأسك تاج كسرى ، فوضع التاج على رأسه عند الفتح .

إخباره أبا ذر أنّه يُخرج من المدينة

وقوله صلى الله عليه و آله لأبي ذر : كيف تصنع إذا أخرجت منها(1) . . الخبر .

إخباره بقطع يد زيد بن صوحان

وذكر صلى الله عليه و آله يوما زيد بن صوحان ، فقال : زيد ؟! وما زيد ؟! يسبقه عضو منه إلى الجنة ، فقطعت يده في يوم « نهاوند » في سبيل اللّه (2) .

إخباره بفتح مصر

وقال : إنّكم ستفتحون مصر ، فإذا فتحتموها فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإنّ لهم رحما وذمّة ، يعني : أنّ أم إبراهيم منهم(3) .

ص: 325


1- مسند أحمد : 5/144 ، ابن حبان : 15/53 ، الخرائج : 1/65 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 2/34 ، العثمانية للجاحظ : 250 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/343 ، المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 359 ح837 .
3- المستدرك للحاكم : 2/553 ، المعجم الكبير للطبراني : 19/61 ، الإستيعاب : 1/59 ، فتوح البلدان للبلاذري : 1/257 .

إخباره بفتح رومية

وقوله : إنّكم تفتحون رومية ، فإذا فتحتم كنيستها الشرقية [ فاجعلوها ]مسجدا ، وعدّوا سبع بلاطات ، ثم ارفعوا البلاطة الثامنة ، فإنّكم تجدون تحتها عصى موسى عليه السلام ، وكسوة إيليا(1) .

إخباره عن طوائف من أمّته تغزو في البحر

وأخبر صلى الله عليه و آله بأنّ طوائف من أمّته يغزون في البحر ، وكان كذلك(2) .

إخباره أنّ الزبير يقتل ياسرا

وخرج الزبير إلى ياسر بخيبر مبارزا ، فقالت أمّه صفيّة : ياسر يقتل ابني يا رسول اللّه ؟ قال : لا ، بل ابنك يقتله إن شاء اللّه ، فكان كما قال(3) .

إخباره طلحة والزبير أنّهما سيقاتلان عليا وهما ظالمان

وفي شرف المصطفى عن الخركوشي أنّه قال لطلحة : إنّك ستقاتل عليا عليه السلام وأنت ظالم .

ص: 326


1- تفسير مقاتل : 1/87 ، الفتن لابن حماد : 228 .
2- الشفاء للقاضي عياض : 1/342 .
3- تفسير الثعلبي : 9/51 ، تاريخ الطبري : 2/299 ، السيرة لابن هشام : 3/797 .

وقوله المشهور للزبير : إنّك تقاتل عليا عليه السلام وأنت ظالم(1) .

إخباره عائشة أنّها ستنبح عليها كلاب الحوأب

وقوله لعائشة : ستنبح عليك كلاب الحوأب(2) .

إخباره فاطمة أنّها أول أهله لحوقا به

وقوله لفاطمة عليهاالسلام بأنّها أول أهله لحاقا به ، فكان كذلك(3) .

إخباره عليا أنّه سيعطى الراية غدا

وقوله لعلي عليه السلام : لأعطين الراية غدا رجلاً ، فكان كما قال(4) .

ص: 327


1- الإستيعاب : 2/515 ، العثمانية للجاحظ : 335 ، الإحتجاج : 1/238 .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/181 ، مسند أحمد : 6/52 ، المستدرك للحاكم : 3/130 ، المصنف لابن أبي شيبة : 8/708 ، مسند ابن راهويه : 2/32 ، مسند أبي يعلى : 8/282 ، ابن حبان : 15/126 ، المعجم الأوسط للطبراني : 6/234 ، مجمع البيان : 4/47 ، الفتن لابن حماد : 45 ، تاريخ الطبري : 3/475 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1/60 ، الفتوح لابن أعثم الكوفي : 2/455 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/329 ، إعلام الورى : 1/91 . . .
3- الآحاد والمثاني للضحاك : 5/357 ، المعجم الكبير للطبراني : 22/415 ، وما أكثر مصادره .
4- سنن النسائي : 5/111 ، مسند أبي يعلى : 1/291 ، ابن حبان : 15/377 ، المعجم الكبير للطبراني : 18/237 ، الإستيعاب : 3/1099 ، الأمالي للصدوق : 604 مج 76 ، وغيرها كثير ، لا يحتاج الى توثيق .

إخباره عليا أنّه يقاتل الطوائف الثلاث

وقوله له : إنّك ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(1) .

إخباره أنّهم لن ينالوا مثلها أبدا

وقوله في يوم أحد، وقد أفاق من غشيته: إنّهم لن ينالوا منّا مثلها أبدا(2) .

إخباره بقتل علي والحسنين وعمار

وإخباره بقتل علي(3) والحسنين عليهم السلام "وعمار"(4) .

إخباره أنّهم يغزون ولا يُغزون

سليمان بن صرد : قال النبي صلى الله عليه و آله حين أجلي عنه الأحزاب : الآن(5) نغزوهم ولا يغزوننا(6) .

ص: 328


1- الخصال للصدوق : 573 ، المستدرك للحاكم : 3/139 ، المعجم الكبير للطبراني : 10/91 ، وغيرها كثير جدّا ، لا يحتاج الى توثيق .
2- الطبقات الكبرى : 2/44 ، إمتاع الأسماع : 1/154 ، كتاب سليم : 166 .
3- الإحتجاج : 1/229 ، الروضة لابن شاذان : 146 ، الفضائل لابن شاذان : 145 ، الدلائل للاصبهاني : 4/1188 .
4- إخباره صلى الله عليه و آله بمقتل أمير المؤمنين عليه السلام وشهادة الحسن عليه السلام مسموما والحسين عليه السلامشهيدا مذبوحا ، وأنّ عمار تقتله الفئة الباغية ممّا توافرت عليه مصادر الفريقين ، وستأتي الإشارة الى بعضها في مواضعه من الكتاب إن شاء اللّه تعالى .
5- في نسخة « النجف » : « أن لا » .
6- مسند أحمد : 4/262، مسند أبي داود : 182، المعجم الكبير : 7/98، تاريخ الطبري : 2/253 ، الإرشاد للمفيد : 1/105 .

إخباره بارتداد أحد أصحابه

وقال صلى الله عليه و آله لرجال(1) من أصحابه مجتمعين : أحدكم ضرسه في النار مثل أحد ، فماتوا كلّهم على استقامة ، وارتد منهم واحد ، فقتل مرتدا(2) .

إخباره بإحراق سمرة

وقال لآخرين : آخركم موتا في النار ، يعنى أبا محذورة ، وأبا هريرة ، وسمرة .

فمات أبو هريرة ، ثم أبو محذورة ، ووقع سمرة في نار فاحترق فيها(3) .

إخباره بقتل أبي بن خلف

وأخبر بقتل أبي بن خلف الجمحي ، فخدش يوم أحد خدشا لطيفا ، فكانت منيته(4) .

ص: 329


1- في نسخة « النجف » : « لرجل » .
2- مسند الحميدي : 2/496 ، الإستيعاب : 2/552 ، تاريخ الطبري : 2/509 .
3- الشفاء للقاضي عياض : 1/339 ، المعجم الأوسط : 6/208 ، المعجم الكبير :7/177 .
4- مجمع البيان : 2/405 ، تفسير الصنعاني : 3/69 ، تفسير الثعلبي : 3/175 .

إخباره الأنصار أنّهم سيرون بعده إثرة

الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله : أنّه قال للأنصار : إنّكم سترون بعدي إثرة .

فلمّا تولى معاوية عليهم منع عطاياهم ، فقدم عليهم فلم يتلقّوه ، فقال لهم : ما الذي منعكم أن تلقوني ؟ قالوا : لم يكن لنا ظهور نركبها ، فقال لهم : أين كانت نواضحكم ؟! فقال أبو قتادة : عقرناها يوم بدر في طلب أبيك .

ثم رووا له الحديث ، فقال لهم : ما قال لكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : قال لنا : اصبروا حتى تلقوني ، قال : فاصبروا إذا .

فقال في ذلك عبد الرحمن ابن حسان(1) :

ألا أبلغ معاوية بن صخر

أمير المؤمنين بنا كلامي

فإنّا صابرون ومنظروكم

إلى يوم التغابن والخصام(2)

إخباره بدخول رجل من ربيعة يتكلّم بكلام الشيطان

السدي : قال النبي صلى الله عليه و آله لأصحابه : يدخل عليكم الآن رجل من ربيعة

يتكلّم بكلام الشيطان .

فدخل الحطيم بن هند وحده ، فقال : إلى ما تدعو يا محمد ؟ فأخبره ، فقال : انظرني ، فلي من أشاوره ، ثم خرج .

ص: 330


1- عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري ، أبو محمد ، وقيل : أبو سعيد المدني .
2- المصنف للصنعاني : 11/60 ، الإستيعاب : 3/1421 ، تفسير الثعلبي : 5/155 .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : دخل بوجه كافر ، وخرج بعقب غادر ، فذهب وأخذ سرح المدينة(1)(2) .

إخباره أنّ أحد جبابرة بني أمية سيرعف على منبره

أبو هريرة : قال صلى الله عليه و آله : ليرعفن جبّار من جبابرة بني أميّة على منبري هذا .

فرأى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه(3) .

إخباره أنّ الأئمة من قريش

وروى عنه صلى الله عليه و آله : الأئمة من قريش ، فلم يوجد إمام ضلال(4) أو حقّ إلاّ منهم(5) .

ص: 331


1- تفسير الثعلبي : 4/8 ، التبيان للطوسي : 3/421 ، مجمع البيان : 3/263 ، جامع البيان للطبري : 6/78 .
2- السرح : المال السائم ، والماشية .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي : 2/150 ، مسند أحمد : 2/385 وفيه : « ليرتقيّن » .
4- قوله صلى الله عليه و آله لا يشمل أئمة الضلال كما هو واضح من جملة ما روي عنه صلى الله عليه و آله في هذا الباب ، وقد أطلق لفظ الإمام فيما بعد على غير الحاكم أيضا ، وفي أئمة الضلال من هم من غير العرب فضلاً عن قريش ، وحديث خاتم الأنبياء إنّما هو نصّ على الأئمة الإثني عشر المعصومين عليهم السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام وأولاد علي أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة سيدة نساء العالمين عليهاالسلام .
5- بصائر الدرجات : 53 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/546 .

إخباره بنسب رجل من بني سهم

أنس : قال صلى الله عليه و آله : لا تسألوني عن شيء إلاّ بيّنته .

فقام رجل من بني سهم يقال له : « عبد اللّه بن حذاقة » ، وكان يطعن في نسبه ، فقال : يا نبي اللّه ، من أبي ؟ قال : أبوك حذاقة بن قيس .

فنزلت « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ »(1) .

إخباره بما جرى في الإسراء عليهاالسلام

قوله : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » ، ووصفه بيت المقدس ،وتعديده أبوابه وأساطينه ، وحديث العير التي مرّ بها ، والجمل الأحمر الذي يقدمها ، والغرارتين عليه(2) .

إخباره بمقتل خبيب في مكة وردّ سلامه

واستأسر بنو لحيان خبيب(3) بن عدي الأنصاري ، وباعوه من أهل مكّة ، فأنشد حبيب :

ص: 332


1- مسند أحمد : 2/503 ، البخاري : 1/32 ، المصنف للصنعاني : 11/380 ، ابن حبان : 14/338 ، الإستيعاب : 3/889 ، مجمع البيان : 3/428 ، تفسير مقاتل : 1/324 ، جامع البيان : 7/108 ، تفسير الواحدي : 1/337 .
2- تفسير القمي : 2/13 ، مجمع البيان : 6/217 .
3- في نسخة « النجف » : « بنو الحيان حبيب » .

لقد جمع الأحزاب حولي وألّبوا

قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمع

وقد حشدوا أولادهم ونساءهم

وقرّبت من جذع طويل ممنّع

فذا العرش صبّرني على ما يراد بي

فقد ياس منهم بعد يومي ومطمعي

وتاللّه ما أخشى إذا كنت ذا تقى

على أيّ جمع كان للّه مصرعي

فلمّا صلب ، قال : السلام عليك يا رسول اللّه .

وكان النبي صلى الله عليه و آله في ذلك الوقت بين أصحابه بالمدينة ، فقال : وعليك السلام ، ثم بكى ، وقال : هذا خبيب يسلّم عليّ حين قتلته قريش(1) .

إخباره أنّ دينه يطبّق الأرض

كتب عهدا يوصي بحيّ سلمان « كازرون »

وكتب صلى الله عليه و آله عهدا لحيّ سلمان بكازرون :

هذا كتاب من محمد بن عبد اللّه رسول اللّه ، سأله الفارسي سلمان وصية بأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار ، وأقاربه وأهل بيته ، وعقبه من بعده ، ما تناسلوا ، من أسلم منهم ، وأقام على دينه سلام اللّه .

ص: 333


1- المعجم الكبير : 5/261 ، الإستيعاب : 2/441 ، السيرة لابن هشام : 3/673 .

أحمد اللّه إليكم ، إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أقول : لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، أقولها وآمر الناس بها ، والأمر كلّه للّه ، خلقهم وأماتهم ، وهو ينشرهم ، واليه المصير .

ثم ذكر فيه من إحترام سلمان . .

إلى أن قال : وقد رفعت عنهم جزّ الناصية ، والجزية ، والخمس ، والعشر ، وسائر المؤن والكلف ، فإن سألوكم فاعطوهم ، وإن استغاثوا بكم فأغيثوهم ، وإن استجاروا بكم فأجيروهم ، وإن أساؤوا فاغفروا لهم ، وإن أسيء إليهم فامنعوا عنهم ، وليعطوا من بيت مال المسلمين في كلّ سنة مائتي حلّة ، ومن الأواقي مائة ، فقد استحقّ سلمان ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ثم دعا لمن عمل به ، ودعا على من آذاهم ، وكتب علي بن أبي طالب(1) .والكتاب إلى اليوم في أيديهم ، ويعمل القوم برسم النبي صلى الله عليه و آله ، فلولا ثقته بأنّ دينه يطبق الأرض لكان كتبه هذا السجل مستحيلاً .

كتابه لأهل تميم الداري

وكتب نحوه لأهل تميم الداري :

من محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله للداريين ، إذا أعطاه اللّه الأرض وهبت(2) لهم بيت عين وحيرين وبيت إبراهيم(3) .

ص: 334


1- طبقات المحدّثين لابن حبان : 234 ، ذكر أخبار اصبهان للاصبهاني : 1/52 .
2- في نسخة « النجف » : « وهب » .
3- الآحاد والمثاني للضحاك : 5/13 .

كتابه للعباس

وكتب صلى الله عليه و آله للعباس : الحيرة من الكوفة ، والميدان من الشام ، والخطّ من هجر ، ومسيرة ثلاثة أيام من أرض اليمن .

فلمّا افتتح ذلك أتى به إلى عمر ، فقال : هذا مال كثير . . القصّة .

عجائب تدبيره أمر دينه

ومن العجائب الموجودة تدبيره صلى الله عليه و آله أمر دينه بأشياء قبل حاجته إليها مثل :

وضعه المواقيت للحجّ ، ووضع غمرة والمسخ وبطن العقيق ميقاتا لأهل العراق ، ولا عراق يومئذٍ ، والجحفة لأهل الشام ، وليس به من يحجّيومئذٍ .

ومن أصغى إلى ما نقل عنه علم أنّ الأولين والآخرين يعجزون عن أمثالها ، وإنّ ذلك لا يتصوّر إلاّ أن يكون من الوحي والتنزيل .

إخباره بما سيبلغ ملك أمّته

وقوله صلى الله عليه و آله : زويت(1) لي الأرض ، فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها(2) .

ص: 335


1- في لسان العرب : زويت لي الأرض : جمعت ، وزوى الشيء : طواه وجمعه وقبضه .
2- مسلم : 8/171 ، سنن أبي داود : 2/302، سنن الترمذي : 3/319، المستدرك للحاكم : 4/449 ، المصنف للكوفي : 7/421 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 1/2332 ، ابن حبان : 16/221 ، مجمع البيان : 7/119 .

فصدق خبره ، فقد ملكهم من أول المشرق إلى آخر المغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ، ولم يتسعوا في الجنوب ، ولا في الشمال ، كما أخبر صلى الله عليه و آله سواء بسواء .

إخباره عدي بن حاتم ببعض الفتوحات

وقوله صلى الله عليه و آله لعدي بن حاتم : لا يمنعك من هذا الدين الذي ترى من جهد أهله ، وضعف أصحابه ، وكأنّهم(1) بيضاء المدائن ، وقد فتحت عليهم ،وكأنّهم بالظعينة تخرج من الحيرة حتى تأتي مكة بغير خفار ، ولا تخاف إلاّ اللّه ، فأبصر عدي ذلك كلّه(2) .

إخباره عن ملك كندة

وقوله صلى الله عليه و آله لخالد بن الوليد ، وقد بعثه إلى كيدر بن عبد الملك - ملك كنده - وكان نصرانيا : ستجده يصيد البقر .

فخرج حتى كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأة ، فبانت البقرة تخدّ بقرونها باب القصر ، فقالت :

ص: 336


1- في نسخة « النجف » : « فلكأنهم » .
2- المعجم الأوسط : 6/360 .

هل رأيت مثل ذلك قطّ ؟ قال : لا واللّه ، قالت : فمن [ يترك مثل (1)] هذا ؟ قال : لا أحد .

فنزل ، وركب على فرسه ، ومعه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ يقال له « حسان » ، "فقتلوا أخاه حسان" ، وبعث به إلى رسول اللّه

صلى الله عليه و آله .

وأنشد في ذلك رجل من بني طي :

تبارك سائق البقرات أنّي

رأيت اللّه يهدي كلّ هاد

فمن يك حائدا عن ذي تبوك

فإنّا قد أمرنا بالجهاد(2)

إخباره كنانة والربيع بموضع آنيتهما

وقوله لكنانة زوج صفية والربيع : أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكّة ؟ قالا : هزمنا ، فلم تزل تضعنا أرض ، وتقلّنا أرض أخرى ، وأنفقناها .

فقال لهما : إنّكما إن كتمتما شيئا فاطلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما ، قالا : نعم .

فدعا رجلاً من الأنصار ، وقال : اذهب إلى قراح(3) كذا وكذا ، ثم ائت

ص: 337


1- في نسخة « النجف » : « بترك » ، وفي « المخطوطة » : « تبرك » ، وما أثبتناه من المصادر .
2- الدلائل للاصبهاني : 4/1284 ، السيرة لابن هشام : 4/953 ، تاريخ الطبري : 2/372 .
3- القراح من الأرض : المخلاة للزرع ، وليس عليها بناء .

النخيل ، فانظر نخلة عن يمينك وعن يسارك ، وانظر نخلة مرفوعة ، فأتيني بما فيها .

فانطلق ، وجاء بالآنية والأموال ، فضرب عنقهما(1) .

إخباره بما في نفس الجارود وسلمة

وقال جارود بن عمرو العبدي وسلمة بن العباد الأزدي : إن كنت نبيا فحدثنا عمّا جئنا نسألك عنه ، فقال صلى الله عليه و آله : أمّا أنت - يا جارود - فإنّك جئت تسألني عن دماء الجاهلية ، وعن حلف الإسلام ، وعن المنيحة ،قال : أصبت .

فقال صلى الله عليه و آله فإنّ دماء الجاهلية موضوع ، وحلفها لا يزيده الإسلام إلاّ

شدّة ، ولا حلف في الإسلام ، ومن أفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر الدابة ، ولبن الشاة .

وأمّا أنت - يا سلمة بن عباد - فجئتني تسألني عن عبادة الأوثان ، ويوم السباسب(2) ، وعقل الهجين(3) .

أمّا عبادة الأوثان ، فإنّ اللّه - جلّ وعزّ - يقول « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » ، وأمّا يوم السباسب ، فقد أبدلك اللّه - عزّ وجلّ - ليلة القدر

ص: 338


1- الطبقات الكبرى : 2/112 .
2- يوم السباسب : عيد للنصارى .
3- عقل الهجين : العقل : الدية ، والهجين : من كان أبوه عربي وأمّه أعجمية .

[ ويوم العيد ] لمحة تطلع الشمس لا شعاع لها ، وأمّا عقل الهجين ، فإنّ أهل الإسلام تتكافأ دماؤهم ، ويجير أقصاهم على أدناهم ، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم .

قالا : نشهد باللّه أنّ ذلك كان في أنفسنا(1) .

إخباره بما في نفس الأنصاري والثقفي

وفي حديث أبي جعفر عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله صلّى ، وتفرّق الناس ، فبقي أنصاري وثقفي ، فقال لهما : قد علمت أنّ لكما حاجة تريدان أن تسألانيعنها ، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني ، وإن شئتما فاسألا .

فقالا : نحبّ أن تخبرنا بها قبل أن نسألك ، فإنّ ذلك أجلى للعماء ، وأثبت للإيمان .

فقال صلى الله عليه و آله : يا أخا الأنصار ، إنّك من قوم يؤثرون على أنفسهم ، وأنت قروي ، وهذا بدوي ، أفتؤثره بالمسألة ؟ قال : نعم .

قال : أمّا أنت - يا أخا ثقيف - فإنّك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ، وما لك على ذلك من الأجر ، فأخبره بذلك .

وأمّا أنت - يا أخا الأنصار - فجئت تسألني عن حجّك وعمرتك ، وما لك فيهما ، فأخبره بفضلهما(2) .

ص: 339


1- سبل الهداية والرشاد : 6/304 ، السيرة الحلبية : 3/250 .
2- روضة الواعظين : 305 ، الفقيه للصدوق : 2/302 ، الخرائج : 2/515 .

إخباره بما في نفس أبي بدر

أنس : أنّه صلى الله عليه و آله قال لرجل اسمه أبو بدر : قل : لا إله إلاّ اللّه ، فسأله حجّة ، قال : في قلبك من أربعة أشهر كذا وكذا ، فصدّقه وأسلم .

تحويل كيس الدراهم الى دنانير

أتى سائل إلى النبي

صلى الله عليه و آله ، وسأله شيئا ، فأمره بالجلوس ، فأتاه رجل بكيس ووضع قبله ، وقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هذه أربعمائة درهم أعطها

المستحق ، فقال : يا سائل ، خذ هذه الأربعمائة دينار ، فقال صاحب المال : يا رسول اللّه ! ليس بدينار ، وإنّما هو درهم ، فقال

صلى الله عليه و آله : لا تكذبني ،فإنّ اللّه صدّقني .

وفتح رأس الكيس ، فإذا هو دينار ، فعجب الرجل ، وحلف أنّه شحنها من الدراهم .

قال : صدقت ، ولكن لمّا جرى على لساني الدنانير جعل اللّه الدراهم دنانير .

إخباره أبا ذر بقتل ابن أخيه

واستأذن أبو ذر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يكون في مزينة(1) مع ابن أخيه ، فقال : إنّي أخشى أن تغير عليك خيل من العرب ، فتقتل ابن أخيك ،

ص: 340


1- قبيلة عربية .

فتأتيني شعثا ، فتقوم بين يدي متكئا على عصى ، فتقول : قتل ابن أخي ، وأخذ السرح ، ثم أذن له ، فخرج .

ولم يلبث إلاّ قليلاً حتى أغار عليه عيينة بن حصن ، وأخذ السرح ، وقتل ابن أخيه ، وأخذت امرأته .

فأقبل أبو ذر يشتدّ(1) حتى وقف بين "يدي" رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبه طعنة جائفة(2) ، فاعتمد على عصاه ، وقال : صدق اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله ، أخذ السرح ، وقتل ابن أخي ، وقمت بين يديك على عصاي .فصاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسلمين ، فخرجوا بالطلب ، فردّوا السرح(3) .

إخباره بما يقوله الجلندي

وكتب صلى الله عليه و آله إلى ابن جلندي ، وأهل عمان وقال : أما أنّهم سيقبلون كتابي ، ويصدّقوني ، ويسألكم ابن جلندي : هل بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله معكم بهدية ؟ فقولوا : لا ، فسيقول : لو كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث معكم بهدية ، لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل ، وعلى المسيح ، فكان كما قال(4) .

ص: 341


1- في بعض النسخ : « مسبدا » ، والتسبيد : ترك التدهن وغسل الرأس ، وقيل : الحلق وإستئصال الشعر ، وقد يكون الأمران معا ، وما أثبتناه من المخطوطة والكافي .
2- الطعنة الجائفة : هي التي تبلغ الجوف .
3- الكافي : 8/126 ح96 ، الخرائج : 1/105 .
4- الآحاد والمثاني : 4/270 .

إخباره السائل بما رأى في المنام

وفي حديث حريز بن عبد اللّه البجلي وعبدة بن مسهر لمّا قال له : أخبرني عمّا أسألك ؟ وما أحرت ؟ وما أبصرت - يريد في المنام - ؟

فقال صلى الله عليه و آله : أمّا ما أحرت فسيفك الحسام ، وابنك الهمام ، وفرسك عصام ، ورأيت في المنام ، في غلس الظلام ، أنّ ابنك يريد الغزل ، فلقيه أبو ثعل ، على سفح الجبل ، مع إحدى نساء بني ثعل ، فقتله نجدة بن جبل ، ثم أخبره بما يجري ، وما يجب أن يعمل .

إخباره أبا شهم بما جرى له مع الجارية

قال أبو شهم : مرّت بي جارية بالمدينة ، فأخذت بكشحها(1) .

قال : وأصبح الرسول صلى الله عليه و آله يبايع الناس ، قال : فأتيته فلم يبايعني ، فقال : صاحب الخبندة(2) ! قلت : واللّه لا أعود ، قال : فبايعني(3) .

* * *

وأمثلة ذلك كثيرة ، فصار مخبرات مقاله على ما أخبر به صلى الله عليه و آله .

ص: 342


1- الكَشْحُ : ما بين الخاصرة إِلى الضِّلَعِ الخَلف ، وهو من لَدُن السرّة إِلى المَتْن ، وقيل : هو الخَصْر ، والكَشْحُ : أَحد جانِبَيِ الوِشاحِ ؛ وقيل : إِنّ الكَشْحَ من الجسم إِنّما سمّي بذلك لوقوعه عليه .
2- في بعض النسخ : « الجذندة » ، والخَبَنْداة من النساء : التَّارَّة الممتلئة ، كالبَخَنداة ؛ وقيل : التامة القَصب ؛ وقيل : التامة الخَلْق كلّه ؛ وقيل : الثقيلة الوركين .
3- مسند أحمد : 5/294 ، المستدرك للحاكم : 4/377 ، الآحاد والمثاني : 5/139 ، المعجم الكبير : 22/373 ، الإستيعاب : 4/169 .

فصل 16 : في معجزات أفعاله صلى الله عليه و آله

اشارة

ص: 343

ص: 344

شفاء جابر

محمد بن المنكدر : سمعت جابرا يقول : جاء رسول اللّه

صلى الله عليه و آلهيعودني ، وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصبّ عليّ من وضوئه ، فعقلت(1) . . الخبر .

شفاء الطفيل من الجذام

وشكى إليه طفيل العامري الجذام ، فدعا بركوة ، ثم تفل فيها ، وأمره أن يغتسل به ، فاغتسل وعاد صحيحا .

شفاء حسان الخزاعي من الجذام

وأتاه صلى الله عليه و آله حسان بن عمرو الخزاعي مجذوما ، فدعا له بماء ، فتفل فيه ، ثم أمره فصبّه على نفسه ، فخرج من علّته ، فأسلم قومه .

شفاء قيس اللخمي من البرص

وأتاه قيس اللخمي ، وبه برص ، فتفل عليه فبرأ(2) .

ص: 345


1- سنن الدارمي : 1/187 ، البخاري : 1/56 ، مسلم : 5/60 ، السنن الكبرى للبيهقي : 1/235 ، مسند أبي الجعد : 252 ، ابن حبان : 4/77 .
2- الثاقب في المناقب : 64 ح4 ، الخرائج : 1/36 .

شفاء البراء ملاعب الأسنة من الإستسقاء

أبو بكر القفال في دلائل النبي صلى الله عليه و آله : إنّ البراء - ملاعب الأسنة - كان به استسقاء ، فبعث إليه لبيد بن ربيعة ، وأهدى إليه فرسين ونجائب ، فقال صلى الله عليه و آله : لا أقبل هدية مشرك ، قال : فإنّه يستشفيك من الاستسقاء .

فأخذ بيده حثوة(1) من الأرض ، فتفل عليها ، وأعطاه ، ثم قال : دفها بماء ، ثم اسقه إياه .

فلمّا شربها البراء برأ من مرضه(2) .

شفى ساعد محمد بن خاطب

محمد بن خاطب : انكب القدر على ساعدي في الصغر ، فأتت بي أمّي إلى النبي صلى الله عليه و آله .

قالت : فتفل في في ، ومسح على ذراعي ، وجعل يقول "ويتفل" : اذهب الباس ربّ الناس ، واشف أنت الشافي ، لا شافي إلاّ أنت شفاء ، لا يغادر سقما .

فبرأ بإذن اللّه (3) .

ص: 346


1- الحثوة : الغرفة من التراب وغيره .
2- الشفاء للقاضي عياض : 1/322 ، إعلام الورى : 1/85 .
3- مسند أحمد : 4/259 ، المستدرك للحاكم : 4/63 .

دعاؤه لغلام أن يعيش قرنا

الفائق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مسح على رأس غلام ، وقال : عش قرنا .

فعاش مائة(1) .

شفاء صبي من عاهته

وإنّ امرأة أتته بصبي لها للتبرّك ، وكانت به عاهة ، فمسح يده على رأسه الصبي ، فاستوى شعره ، وبرأ داؤه .

وروى ابن بطة : إنّ الصبي كان المهلب .

وبلغ ذلك أهل اليمامة ، فأتت امرأة مسيلمة بصبي لها ، فمسح رأسه فصلع ، وبقى نسله إلى يومنا هذا(2) .

لزق يد عبد اللّه بن عتيك المقطوعة

وقطع يد أنصاري - وهو عبد اللّه بن عتيك - في حرب أحدا ، فألزقها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ونفخ عليه ، فصار كما كان(3) .

ص: 347


1- الفائق : 3/79 .
2- إعلام الورى : 1/82 ، الخرائج : 1/29 .
3- الخرائج : 2/506 ، الإحتجاج : 1/332 .

نفخ في عين علي فصحّ من الرمد

وتفل(1) صلى الله عليه و آله في عين علي عليه السلام ، وهو أرمد يوم خيبر ، فصحّ من وقته(2) .

* * *

قال أبو العباس أحمد بن عطية :

تفل النبي بمحضر يختصه

في مقلتيه ولحظه يتطلّع

فرأى البسيطة مثل راحة كفّه

حتى كأنّ السهل منها إصبع

ردّ العين التي فقئت

وفقئت في أحد عين قتادة بن ربعي ، أو قتادة بن النعمان الأنصاري ، فقال : يا رسول اللّه ! الغوث الغوث .

فأخذها بيده ، فردّها مكانها ، فكانت أصحّهما ، وكانت تعتل الباقية ولا تعتل المردودة .

فلقب « ذا العينين » أي له عينان مكان الواحدة(3) .

فقال الخرنق الأوسي(4) :

ص: 348


1- في نسخة « النجف » : « ونفخ » .
2- المصنف لابن أبي شيبة : 8/525 ، المستدرك للحاكم : 3/109 ، الخصائص للنسائي : 82 .
3- الإحتجاج : 1/332 ، الثاقب في المناقب : 64/41 ، الخرائج : 2/505 ، إعلام الورى : 1/84 .
4- في إكمال الكمال لابن ماكولا : 3/138 : الخرنق الشاعر ، واسمه سعيد بن ثابت بن سويد بن النعمان الأنصاري ، وفي الاستيعاب لابن عبد البر : 3/1275 : وفد أبو بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز رجل من ولد قتادة بن النعمان . فلمّا قدم عليه ، قال له : ممّن الرجل ؟ فقال : أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه . . الأبيات .

ومنّا الذي سالت على الخدّ عينه

فردّت بكفّ المصطفى أحسن الردّ

فعادت كما كانت لأحسن حالها

فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد(1)

* * *

مسح على رجل وركبة وعين أصيبت فعادت سالمة

وأصيبت رجل بعض أصحابه ، فمسحها بيده ، فبرأت من حينها(2) .

وأصاب محمد بن مسلمة يوم قتل كعب بن الأشرف مثل ذلك في عيني ركبتيه ، فمسحه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، فلم تبن من أختها(3) .

وأصاب عبد اللّه بن أنيس مثل ذلك في عينه ، فمسحها ، فما عرفت من الأخرى(4) .

ص: 349


1- الإستيعاب : 3/1275 ، .
2- البخاري : 5/27 ، دلائل النبوة للاصبهاني : 3/1097 .
3- الإحتجاج : 1/332 .
4- الإحتجاج : 1/332 .

ردّ على زهرة بصرها

عروة بن الزبير عن زنيرة(1) قال : أسلمت(2) ، فأصيب بصرها ، فقالوا لها : أصابك اللاّت والعزى ، فردّ صلى الله عليه و آله عليها بصرها ، فقالت قريش :

لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتنا(3) إليه زنيرة(4) .

فنزل « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ »(5) .

شفاء رجل عبد اللّه بن عتيك

وأنفذ النبي صلى الله عليه و آله عبد اللّه بن عتيك إلى حصن أبي رافع اليهودي ، فدخل فيه بغتة ، فإذا أبو رافع في بيت مظلم لا يدري أين هو ، فقال : أنا رافع ، قال : من هذا ؟ فأهوى نحو الصوت ، فضربه ضربة وخرج ، فصاح أبو رافع .

ثم دخل عليه ، فقال : ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال : إنّ رجلاً في البيت ضربني ، فضربه ضربة أخرى ، وكان ينزل ، فانكسر ساقهفعصبها .

ص: 350


1- كذا في المخطوطة وتفسير السمعاني ، وفي نسخة النجف : « زهرة » .
2- يعني زنيرة .
3- في « المخطوطة » : « سبقتها » .
4- في تفسير السمعاني : « هذه الأمة » .
5- تفسير السمعاني : 5/152 ، الكشاف : 3/519 ، تفسير القرطبي : 16/189 .

فلمّا انتهى إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فحدّثه قال : ابسط رجلك ، فبسطها ، فمسحها

فبرأت(1) .

قتل أبيّ بن خلف بخدشة

وكان أبيّ بن(2) خلف يقول : عندي رمكة(3) أعلفها كلّ يوم فرق(4) ذرة ، أقتلك عليها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أنا أقتلك إن شاء اللّه .

فطعنه النبي صلى الله عليه و آله يوم أحد في عنقه ، وخدشه خدشة ، فتدهدى(5) عن فرسه ، وهو يخور كما يخور الثور .

فقالوا له في ذلك ، فقال : لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم ، أليس قال لي : أقتلك ؟ فلو بزق عليّ بعد تلك المقالة قتلني ، فمات بعد يوم(6) .

فقال حسان :

لقد ورث الضلالة عن أبيه

أبيّ حين بارزه الرسول

أتيت إليه تحمل منه عضوا

وتوعده وأنت به جهول

وقد قتلت بنو النجار منكم

أمية إذ يغوث يا عقيل(7)

ص: 351


1- تاريخ الطبري : 2/183 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/81 .
2- في « المخطوطة » : « أبي بن أبي خلف » .
3- الرمكة : الفرس تتّخذ للنسل .
4- الفرق : مكيال معروف لأهل المدينة .
5- تدهدى : تدحرج .
6- مجمع البيان : 2/405 ، تفسير البغوي : 1/358 ، تفسير الصنعاني : 3/69 .
7- تفسير الثعلبي : 3/175 .

تفل في بئر فعذب ماؤها

وفي لطائف القصص : إنّ قوما شكوا إليه ملوحة مائهم ، فجاء معهم ، وتفل في بئرهم ، فانفجرت بالماء العذب الفرات ، فها هي تتوارثها أهلها .

وكان ممّا أكد اللّه به صدقه أن قوم مسيلمة سألوه مثلها ، فتفل في بئر فعادت ملحا أجاجا كبول الحمار ، وهي إلى اليوم بحالها معروفة المكان(1) .

تفل في بئر ففاضت

وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله تفل في بئر معطلة ، ففاضت حتى سقي منها بغير دلو ولا رشاء(2) .

إمرأة متبرزة أكلت من فلق فيه فصارت ذات حياء

وكانت امرأة متبرّزة وفيها وقاحة ، فرأت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل ، فسألت لقمة من فلق فيه فأعطاها ، فصارت ذات حياء بعد ذلك(3) .

نفث على يمين جرهد فما اشتكاها

وروي أنّ جرهدا أتى النبي صلى الله عليه و آله وبين يديه طبق ، فمدّ يده الشمال ليأكل ،

ص: 352


1- إعلام الورى : 1/82 ، الخرائج : 1/29 ح18 .
2- الرشاء : الحبل .
3- المعجم الكبير : 8/200 .

وكانت اليمين مصابة ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : كلّ باليمين ، فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّها مصابة ، فنفث عليها فما اشتكاها(1) .

أعطى قتادة عرجونا يستضيء به

أبو هريرة قال : انصرف النبي صلى الله عليه و آله ليلة من العشاء ، فأضاءت له برقة ، فنظر إلى قتادة بن النعمان فعرفه ، فقال : يا نبي اللّه ، كانت ليلة مطيرة ، فأحببت أن أصلّي معك ، فأعطاه النبي عرجونا وقال : خذها تستضئ به ليلتك(2) . . الخبر .

أعطى عبد اللّه بن الطفيل نورا في سوطه

وأعطى صلى الله عليه و آله عبد اللّه بن طفيل الأزدي نورا في جبينه ، ليدعو به قومه ، فقال : يا رسول اللّه ، هذه مثلة !!

فجعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سوطه ، واهتدى به ! أبو هريرة(3) .

أسمع الطفيل وقد حشى أذنيه بكرسف وجعل له آية في سوطه

وروى أبو هريرة: إنّ الطفيل بن عمرو نهته قريش عن قرب النبي صلى الله عليه و آله،

ص: 353


1- المعجم الكبير : 2/273 ، الخرائج : 1/54 ح86 .
2- الخرائج : 1/34 ح35 ، الإستيعاب : 3/1276 .
3- الإستيعاب : 2/478 .

فدخل المسجد محشوّا أذنيه بكرسف(1) لكيلا يسمع صوته ، فكان يسمع ، فأسلم ، وقال :

يحذّرني محمّدها قريش

وما أنا بالهيوب لدى الخصام

فقام إلى المقام وقمت منه

بعيدا حيث أنجو من ملام

وأسمعت الهدى وسمعت قولاً

كريما ليس من سجع الأنام

وصدّقت الرسول وهان قوم

عليّ رموه بالبهت العظام

ثم قال : يا رسول اللّه ، إنّي امرئ مطاع في قومي ، فادع اللّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم إلى الإسلام ، فقال صلى الله عليه و آله :

اللّهم اجعل له آية .

فانصرف إلى قومه ، إذ رأى نورا في طرفه سوطه ، كالقنديل(2) .

فأنشأ قصيدة منها :

ألا أبلغ لديك بني لوي

على الشنآن والغضب المرد

بأنّ اللّه ربّ الناس فردا

تعالى جدّه عن كلّ جدّ

وأنّ محمدا عبد رسول

دليل هدى وموضح كلّ رشد

رأيت له دلائل أنبأتني

بأنّ سبيله للفضل يهدي

ضرب ثلاث ضربات في كلّ ضربة لمعة

أبو عبد اللّه الحافظ قال : خطّ النبي صلى الله عليه و آله عام الأحزاب أربعين ذراعا

ص: 354


1- الكرسف : القطن .
2- الثاقب في المناقب : 97 ، الطبقات الكبرى : 4/238 .

بين كلّ عشرة ، فكان سلمان وحذيفة يقطعون نصيبهم ، فبلغوا ندبا عجزوا عنه ، فذكر سلمان للنبي صلى الله عليه و آله ذلك ، فهبط وأخذ معوله ، وضرب ثلاث ضربات في كلّ ضربة لمعة ، وهو يكبّر ، ويكبّر الناس معه ، فقال : يا أصحابي ، هذا ما يبلغ اللّه شريعتي الأفق(1) .

وفي خبر : بالأولى اليمن ، وبالثانية الشام والمغرب ، وبالثالثة المشرق .

فنزل « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ »(2) الآيات .

نضح الماء على الكذانة فعادت كالكندر

جابر بن عبد اللّه : اشتد علينا في حفر الخندق كذانة(3) فشكونا(4) ، إلى النبي صلى الله عليه و آله .

فدعا بإناء من ماء ، فتفل فيه ، ثم دعا بما شاء اللّه أن يدعو ، ثم نضح الماء على تلك الكذانة ، فعادت كالكندر(5)(6) .

ص: 355


1- تفسير الثعلبي : 3/40 ، تاريخ الطبري : 2/236 .
2- إعلام الورى : 1/192 ، الدرر لابن عبد البر : 170 .
3- الكذانة : حجارة كأنّها المدر فيها رخاوة .
4- في « المخطوطة » : « فشكوا » .
5- إعلام الورى : 1/191 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/425 ، سنن الدارمي : 1/20 .
6- في بعض النسخ : « كالكدر » ، والكدرة : هي القلاعة الضخمة المثارة من مدرالأرض .

صار الجريد حساما صقيلاً

وروي أنّ عكاشة انقطع سيفه يوم يدر ، فناوله رسول اللّه

صلى الله عليه و آله خشبة وقال : قاتل بها الكفار ، فصارت سيفا قاطعا يقاتل به ، حتى قتل به طليحة في الردّة(1) .

وأعطى عبد اللّه بن جحش يوم أحد عسيبا(2) من نخل ، فرجع في يده سيفا(3) .

وروى في ذي الفقار مثله رواية(4) .

وأعطى صلى الله عليه و آله يوم أحد لأبي دجانة سعفة نخل ، فصارت سيفا .

فأنشأ أبو دجانة :

نصرنا النبي بسعف النخيل

فصار الجريد حساما صقيلا

وذا عجبا من أمور الإله

ومن عجب اللّه ثم الرسولا

ومن هزّ الجريدة فاستحالت

رهيف الحدّ لم يلق الغلولا(5)(6)

* * *

ص: 356


1- السيرة لابن هشام : 22/465 ، الدرر لابن عبد البر : 106 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/333 .
2- العسيب : جريدة من النخل مستقيمة .
3- المصنف للصنعاني : 11/280 رقم 20539 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/333 .
4- الخرائج : 1/148 .
5- في « المخطوطة » : « القنونا » .
6- الدر النظيم : 129 .

غمز أصول آذان الغنم فابيضت

وأتاه قوم من عبد القيس بغنم لهم ، فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها ، فغمز إصبعه في أصول آذآنها، فابيضت ، فهي إلى اليوم معروفة النسل ظاهرة الأثر .

أكلت الشاة النوى من يده

وأكل النبي صلى الله عليه و آله يوما رطبا كان في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرّت شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل في كفّه اليسرى ، وهو يأكل بيمينه حتى فرغ ، وانصرفت الشاة(1) .

رمى الأصنام بكفّ من حصى ناوله علي فانكبت لوجهها

وروي انه صلى الله عليه و آله قال : اعطني يا علي كفّا من الحصى ، فرماها ، وهو يقول : « جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ » .

قال الكلبي : فجعل الصنم ينكبّ لوجهه إذا قال ذلك ، وأهل مكةيقولون : ما رأينا رجلاً أسحر من محمد(2) .

ص: 357


1- مكارم الأخلاق : 29 ، الدعوات للراوندي : 141 .
2- الإرشاد للمفيد : 1/138 ، إعلام الورى : 1/376 .

وضع يده على تمثال العقاب فأذهبه اللّه

أبو هريرة : إنّ رجلاً أهدى إليه قوسا عليه تمثال عقاب ، فوضع يده عليه ، فأذهبه اللّه (1) .

مسح على ضرع شويهة خباب فدرّت

وكان خباب بن الأرت في سفر ، فأتت بنيّته إلى الرسول صلى الله عليه و آله وشكت نفاد النفقة ، فقال أوديني(2) بشوية لكم ، فمسح يده على ضرعها ، فكانت تدرّ إلى انصراف خباب(3) .

قصّة نخلة الجيران

أمالي الطوسي عن زيد بن أرقم في خبر طويل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أصبح طاويا ، فأتى فاطمة عليهاالسلام فرأى الحسن والحسين عليهماالسلام يبكيان من الجوع ،وجعل يزقّهما بريقه حتى شبعا وناما .

فذهب مع علي عليه السلام إلى دار أبي الهيثم ، فقال : مرحبا برسول اللّه

صلى الله عليه و آله ما كنت أحبّ أن تأتيني وأصحابك إلاّ وعندي شيء ، وكان لي شيء ففرّقته

ص: 358


1- دلائل النبوة للبيهقي : 6/81 ، إمتاع الأسماع : 7/153 ، تاريخ الإسلام للذهبي : 1/355 ، البداية والنهاية : 6/149 .
2- في نسخة « النجف » : « اوربني » .
3- مسند أحمد : 5/111 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/438 ، المعجم الكبير : 25/7 .18 .

في الجيران ، فقال : أوصاني جبرئيل بالجار حتى حسبت أنّه سيورّثه .

قال : فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى نخلة في جانب الدار ، فقال : يا أبا الهيثم ، تأذن في هذه النخلة ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّه لفحل ، وما حمل شيئا قطّ ، شأنك به .

فقال : يا علي ، اتيني بقدح ماء ، فشرب منه ، ثم مجّ فيه ، ثم رشّ على النخلة ، فتملّت أعذاقا من بسر ورطب ما شئنا ، فقال : ابدؤا بالجيران .

فأكلنا وشربنا ماءا باردا حتى شربنا وروينا ، فقال : يا علي ، هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة ، يا علي تزود لمن وراك لفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .

قال : فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها « نخلة الجيران » حتى قطعها يزيد عام الحرّة(1) .

شاة أم معبد الخزاعية

هند بنت الجون ، وحبيش بن خالد ، وأبو معبد الخزاعي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله عند الهجرة نزل على أم معبد الخزاعية ، وسألوها شيئا ليشتروه ، فلميصيبوا ، فإذا شاة في كسر البيت جرباء ضعيفة ، فدعا بها ، فمسح يده على ضرعها ، وقال : اللّهم بارك لها(2) في شأنها .

ص: 359


1- المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 6/23 .
2- في نسخة « النجف » : « لي » .

فتفاجت(1) ، ودرّت وأخبزت(2) ، فدعا النبي صلى الله عليه و آله بإناء لها يربض الرهط(3) ، فحلبها وشرب هو وأصحابه ، والمرأة وأصحابها(4) .

ولم يشرب حتى شربوا بجمعهم ، ثم قال : ساقي القوم آخرهم شربا ، ثم حلب لها عودا بعد بدء(5) .

* * *

قال خطيب منيح :

ومن حلب الضئيلة وهي نضو

فأسبل درّها للحالبينا

وكانت حائلاً فغدت وراحت

بيمن المصطفى الهادي لبونا(6)

* * *

[ وقال ] غيره :والشاة لمّا مسحت الكفّ منك على

جهد الهزال بأوصال لها قحل(7)

ص: 360


1- التفاج : المبالغة في التفريج ما بين الرجلين ، والتباعد ما بين الفخذين .
2- الخَبْزُ : الضرب باليدين ، وقيل : هو الضرب باليد ، وقيل : هو الضرب ، والخَبْزُ : السَّوْق الشديد .
3- يربض الرهط : أي يسعهم أو يرويهم .
4- في نسخة « النجف » : « وأحصابها » .
5- الطبقات الكبرى : 1/230 ، الثقات لابن حبان : 1/124 ، الآحاد والمثاني : 6/353 .
6- الدر النظيم : 130 .
7- قحل الشيء : يبس .

سحت(1) بدرة سكر الضرع(2) حافلة

فروّت الركب بعد النهل بالعلل(3)(4)

* * *

وسمع صوت :

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنّكم إن تسألوا الناس تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلّبت

له بصريح صرّة الشاة مزبد(5)

فلمّا أصبح الناس اخذوا نحو المدينة حتى لحقوا به(6) .

مسح ضرع شاة حائل فدرّت

ومسح صلى الله عليه و آله ضرع شاة حائل لا لبن لها ، فدرّت ، فكان ذلك سببإسلام ابن مسعود(7) .

ص: 361


1- في نسخة « النجف » : « سنحت » .
2- سكر الضرع : ملؤه ، والضرع الحافلة المليئة باللبن .
3- الدر النظيم : 130 .
4- النهل : الشرب الأول ، والعلل : الشرب الثاني .
5- في نسخة « النجف » : « من يد » .
6- المستدرك للحاكم : 3/10 ، المعجم الكبير للطبراني : 4/50 ، الإستيعاب : 4/1960 ، الفائق : 1/86 .
7- مسند أحمد : 1/379 ، ابن حبان : 15/536 ، المعجم الكبير للطبراني : 9/79 ، الدر النظيم : 130 .

قصة العوسجة المباركة

أمالي الحاكم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يوما قائظا ، فلمّا انتبه من نومه دعا بماء ، فغسل يديه ، ثم مضمض ماء ومجّه إلى عوسجة ، فأصبحوا وقد غلظت العوسجة وأثمرت ، وأينعت بثمر أعظم ما يكون في لون الورس ، ورائحة العنبر ، وطعم الشهد .

واللّه ما أكل منها جائع إلاّ شبع ، ولا ظمآن إلاّ روى ، ولا سقيم إلاّ برء ، ولا أكل من ورقها حيوان إلاّ درّ لبنها ، وكان الناس يستشفون من ورقها ، وكان يقوم مقام الطعام والشراب ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا .

فلم يزل كذلك حتى أصبحنا ذات يوم ، وقد تساقط ثمرها ، وصغر ورقها ، فإذا قبض النبي صلى الله عليه و آله ، فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم

والرائحة .

وأقامت على ذلك ثلاثين سنة ، فأصبحنا يوما ، وقد ذهبت نضارة عيدآنها، فإذا قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، فما أثمرت بعد ذلك قليلاً ولا كثيرا .

فأقامت بعد ذلك مدّة طويلة ، ثم أصبحنا ، وإذا بها قد نبع من ساقهادم عبيط ، وورقها ذابل(1) يقطر ماء كماء اللحم ، فإذا قتل الحسين عليه السلام(2) .

ص: 362


1- في نسخة « النجف » : « زائل » .
2- الثاقب في المناقب : 112 ح107 ، الدر النظيم : 131 .

شقّ القمر شقّتين

أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطا والحسين والبلخي في قوله « اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » إنّه [ قد ] اجتمع المشركون ليلة بدر إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : إن كنت صادقا ، فشقّ لنا القمر فرقتين .

قال : إن فعلت تؤمنون ؟ قالوا : نعم .

فأشار إليه بإصبعه ، فانشق شقتين ، رؤي حرى(1) بين فلقيه .

وفي رواية : نصفا على أبى قبيس ، ونصفا على قعيقعان(2) .

وفى رواية : نصف على الصفا ، ونصف على المروة .

فقال صلى الله عليه و آله : اشهدوا ، اشهدوا ، فقال ناس : سحرنا محمد ، فقال رجل : إن كان سحركم ، فلم يسحر الناس كلّهم .

وكان ذلك قبل الهجرة ، وبقى قدر ما بين العصر إلى الليل ، وهم ينظرون إليه ويقولون : هذا « سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » ، فنزل « وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا » الآيات .وفى رواية : أنّه قدم السفار من كلّ وجه ، فما من أحد قدم إلاّ أخبرهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا(3) .

* * *

ص: 363


1- الحرى : النقصان بعد الزيادة ، والحراة : الساحة .
2- اسم جبل بمكة مقابل أبي قبيس .
3- مجمع البيان : 9/310 ، الدلائل لأبي نعيم : 234 ، الدر النظيم : 131 .

قال نصر بن المنتصر :

والقمر البدر المنير شقّه

فقيل سحر عجب لما رأى(1)

غرس نوى فنبت نخلاً

وغرس صلى الله عليه و آله نوى فنبت نخلاً ، وحملت الذهب الذي دفعه إلى سلمان ، وبارك فيه ، ووفى بكلّ ما كان عليه ، وما نقص منه ، وأرطبت في وقت واحدا(2) .

ص: 364


1- الدر النظيم : 131 .
2- كمال الدين : 163 باب 9 ح21 ، روضة الواعظين : 275 في خبر طويل .

فصل 17 : في معجزاته في ذاته

اشارة

ص: 365

ص: 366

أوصاف الأنبياء فيه قبل المبعث

كان النبي صلى الله عليه و آله قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء ، لو انفرد واحد بأحدها لدلّ على جلاله ، فكيف من اجتمعت فيه ، كان نبيا :

[ 1 ] أمينا .

[ 2 ] صادقا .

[ 3 ] حاذقا .

[ 4 ] أصيلاً .

[ 5 ] نبيلاً .

[ 6 ] مكينا .

[ 7 ] فصيحا .

[ 8 ] عاقلاً .

[ 9 ] فاضلاً .

[ 10 ] عابدا .

[ 11 ] زاهدا .

[ 12 ] سخيا .

[ 13 ] كميا .

ص: 367

[ 14 ] قانعا .

[ 15 ] متواضعا .

[ 16 ] حليما .

[ 17 ] رحيما .

[ 18 ] غيورا .

[ 19 ] صبورا .

[ 20 ] موافقا مرافقا .

لم يخالط منجما ، ولا كاهنا ، ولا عيافا(1) .

ثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه

ولمّا قالت قريش : إنّه ساحر علمنا أنّه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله .

وقالوا : هذا مجنون لمّا هجم منه على شيء لم يفكر في عاقبته منهم .

وقالوا : هو كاهن ، لأنّه أنبأ بالغائبات .

وقالوا : معلم ، لأنّه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم .

فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه .

خصال دلّت على نبوته

وكان فيه خصال الضعفاء ، ومن كان فيه بعضها لا ينظم أمره .

ص: 368


1- العيافة : زجر الطير ، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها .

كان يتيما ، فقيرا ، ضعيفا ، وحيدا ، غريبا ، بلا حصار ولا شوكة ، كثير الأعداء .

ومع جميع ذلك تعالى مكانه ، وارتفع شأنه ، فدلّ على نبوته .

وكان البدوي يرى وجهه الكريم ، فيقول : واللّه ما هذا وجه كذاب(1) .

خصال أثبتت له الملك

وكان ثابتا في الشدائد وهو مطلوب ، وصابرا على البأساء والضراء وهو مكروب محروب ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ، فثبت له الملك .

ص: 369


1- المصنف لابن أبي شيبة : 6/97 ، الأوائل للطبراني : 62 ، مسند الشهاب : 1/418 .

شهادة كلّ عضو منه على معجزة

وكان يشهد كلّ عضو منه على معجزة :

نوره :

كان إذا مشى في ليلة ظلماء بدا له نور ، كأنّه قمر(1) .

عائشة : فقدت إبرة ليلة ، فما كان في منزلي سراج ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله ، فوجدت الإبرة بنور وجهه(2) .

حمزة بن عمر الأسلمي قال : نفرنا مع النبي صلى الله عليه و آله في ليلة ظلماء ، فأضاءت أصابعه(3) .

عرفه(4) :

جابر بن عبد اللّه : إنّه كان لا يمرّ في طريق فيمرّ فيه إنسان بعد يومين إلاّ عرف أنّه عبر فيه(5) .

مسلم : كان النبي صلى الله عليه و آله يقيل(6) عند أم سلمة ، فكانت تجمع عرقه ،

ص: 370


1- الكافي 1/446 ح20 ، مجمع البيان : 2/354 ، مكارم الأخلاق : 23 .
2- الدلائل للاصبهاني : 3/962 ، تاريخ دمشق : 3/310 .
3- الدلائل للاصبهاني : 3/1018 ، اعلام النبوة للماوردي : 1/195 ، الخرائج : 2/913 .
4- العرف : الرائحة مطلقا ، وأكثر ما تستعمل في الطيبة منها .
5- الكافي : 1/442 ، مكارم الأخلاق : 34 .
6- يقيل : ينام وسط النهار .

وتجعله في الطيب(1) .

عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : أتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدلو من ماء فشرب ، ثم توضأ ، فتمضمض ثم مجّ مجّة في الدلو ، فصار مسكا أو أطيب من المسك(2) .

ظلّه :

لم يقع ظلّه على الأرض ، لأنّ الظلّ من الظلمة .

وكان إذا وقف في الشمس والقمر والمصباح نوره يغلب أنوارها(3) .

قامته :

كلّ ما مشى مع أحد كان أطول منه برأس ، وإن كان طويلاً .

رأسه :

كان يظلّه سحابة من الشمس ، وتسير لمسيرة ، وتركد لركوده ، ولا يطير الطير فوقه(4) .

عينه :

كان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه ، ويرى من خلفه كما يرى من قدامه(5) .

ص: 371


1- مسلم : 7/82 ، الآحاد والمثاني : 6/96 ، المعجم الكبير : 25/122 .
2- المعجم الكبير : 22/51 ، مسند أحمد : 4/315 .
3- الخرائج : 2/507 ، القصص للراوندي : 313 .
4- فتوح الشام للواقدي : 2/34 .
5- تفسير البغوي : 3/402 ، مجمع البيان : 2/354 .

أنفه :

لم يشمّ به منذ خلقه اللّه - تعالى - رائحة كريهة .

فمه :

كان يمجّ في الكوز والبئر فيجدون له رائحة أطيب من المسك .

لسانه :

كان ينطق بلغات كثيرة(1) .

محاسنه :

كانت فيه سبع عشرة طاقة نور تتلألأ في عوارضه .

أُذنه :

كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه ، ويسمع كلام جبرئيل عليه السلام عند الناس ولا يسمعونه(2) .

ربيع الأبرار : إنّه دخل أبو سفيان على النبي صلى الله عليه و آله وهو مقاد(3) ، فأحس بتكاثر الناس ، فقال في نفسه : واللات والعزى ، يا ابن أبي كبشة ، لأملأنّها عليك خيلاً ورجلاً ، وإنّى لأرجو أن أرقى هذه الأعواد ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أو يكفينا اللّه شرّك يا أبا سفيان(4) .

صدره :

لم يكن على وجه الأرض أعلم منه .

ص: 372


1- الدر النظيم : 133 .
2- الدر النظيم : 133 .
3- في نسخة « النجف » : « نفاد » .
4- عيون العبرة : 56 ، الدر النظيم : 133 عن ربيع الأبرار :

ظهره :

كان بين كتفيه ختم(1) النبوة ، كلّما أبداه غطى(2) نوره نور الشمس ،

مكتوب عليه : « لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له توجه حيث شئت فأنت منصور »(3) .

في حديث جابر بن سمرة : رأيت خاتمة غضروف كتفيه مثل بيض الحمامة(4) .

وسئل الخدري عنه ، فقال : بضعة ناشزة(5) .

أبو زيد الأنصاري : شعر مجتمع على كتفيه(6) .

السائب بن يزيد : مثل زر الحجلة(7)(8) .

ولمّا شكّ في موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه ، فقالت : قد توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد رفع الخاتم(9) .

ص: 373


1- في نسخة « النجف » : « خاتم » .
2- في نسخة « النجف » : « علا » .
3- البداية والنهاية : 6/32 ، نصب الراية : 6/185 .
4- المصنف لابن أبي شيبة : 8/454 ، ابن حبان : 16/56 .
5- التاريخ الكبير للبخاري : 2/85 رقم 1775 ، طبقات المحدثين باصبهان لابن أبي حبان : 2/356 ، السيرة لابن إسحاق : 2/71 .
6- تاريخ الطبري : 2/426 .
7- البخاري : 1/56 ، مسلم : 7/86 ، سنن الترمذي : 5/263 ، الإستيعاب : 2/577 ، المعجم الكبير : 7/157 .
8- الحجلة بالتحريك : واحدة حجال العروس، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور، والزِّر واحد الأَزْرَارِ التي تشدّ بها الكِلَلُ والستور على ما يكون في حَجَلَةِ العروس .
9- الطبقات الكبرى : 2/272 .

بطنه :

كان يشدّ عليه الحجر من الغرث(1) ، فتشبع .

قلبه :

كان تنام عيناه ولا ينام قلبه(2) .

يداه :

فار الماء من بين أصابعه(3) ، وسبح الحصى في كفّه(4) .

ركبه :

ولد مسرورا مختونا(5) ، وما احتلم قطّ ، لأنّ ذلك من الشيطان ، وكان له شهوة أربعين نبيا(6) .

جلوسه :عائشة: قلت: يا رسول اللّه، إنّك تدخل الخلاء، فإذا خرجت دخلت على أثرك فما أرى شيئا ، إلاّ أنّى أجد رائحة المسلك ؟ فقال : إنّا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة ، فما يخرج منه شيء إلاّ ابتلعته الأرض(7) .

ص: 374


1- الغرث بالتحريك : الجوع .
2- البخاري : 1/44 ، المصنف للصنعاني : 3/37 ، التمهيد لابن عبد البر : 21/73 .
3- روضة الواعظين : 63 ، الهداية الكبرى : 64 ، دلائل الإمامة : 10 ، الإرشاد للمفيد : 1/342 ، مسند أحمد : 1/251 ، سنن الدارمي : 1/15 .
4- الدلائل للاصبهاني : 1/404 .
5- الكامل لابن عدي : 2/155 ، مجمع البيان : 2/354 .
6- الدر النظيم : 134 .
7- الفردوس للدليمي : 1/87 ، البداية والنهاية : 5/351 ، أسد الغابة : 5/542 ، الإصابة : 8/308 .

وتبعه رجل علم صلى الله عليه و آله مراده ، فقال : إنّا معاشر الأنبياء لا يكون منّا ما يكون من البشر .

أم أيمن : أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أم أيمن ، قومي فاهرقي ما في الفخارة - يعني البول - قلت : واللّه شربت ما فيها وكنت عطشى .

قالت : فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال : أما إنّك لا تنجع بطنك أبدا(1) .

ومنه حديث دم الفصد(2) .

فخذه :

كلّ دابة ركبها النبي صلى الله عليه و آله بقيت على سنّها لا تهرم قطّ(3) .

رجلاه :

أرسلهما في بئر ماؤه أجاج فعذب(4) .

قوته :

كان لا يقاومه أحد .

إسحاق بن بشار : إنّ ركانة بن عبد بن زيد بن هاشم كان من أشدّ قريش فحلاً ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله في وادي أصم : يا ركانة ، ألا تتّقي اللّه

ص: 375


1- المستدرك للحاكم : 4/63 ، المتخب من ذليل المذيل للطبري : 112 ، تاريخ دمشق : 4/303 .
2- الكافي : 5/116 ح3 ، الفقيه للصدوق : 3/160 ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 419 .
3- الدر النظيم : 133 .
4- الدر النظيم : 133 .

وتقبل ما أدعوك إليه ، قال : إنّي لو أعلم أنّه حقّ لا تبعتك ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أفرأيت إن صرعتك أتعلم أنّ ما أقول حقّ ؟ قال : نعم ، قال : قم حتى أصارعك .

قال : فقام إليه ركانة فصارعه ، فلمّا بطش به رسول اللّه صلى الله عليه و آله اضجعه .

قال : فعد ، فعاد فصرعه ، فقال : إنّ ذا العجب يا قوم ، إنّ صاحبكم أسحر أهل الأرض(1) .

حرمته :

كان القمر يحرّك مهده في حال صباه(2) ، وكان لا يمرّ على شجرة إلاّ سلّمت عليه(3) ، ولم يجلس عليه الذباب(4) ، ولم تدن منه هامة ولا سامة(5) .مشيه :

كان إذا مشى على الأرض السهلة لا يبين لقدمه أثر ، وإذا مشى على الصلبة بان أثرها(6) .

هيبته :

كان عظيما مهيبا في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى ، مع أنّه كان

ص: 376


1- كنز الفوائد : 94 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/215 ، السيرة لابن هشام : 1/262 .
2- الدر النظيم : 59 .
3- المعجم الأوسط : 5/322 .
4- مجمع البيان : 2/354 .
5- الدر النظيم : 134 .
6- الدر النظيم : 134 .

بالتواضع موصوفا ، وكان محبوبا في القلوب حتى لا يقليه مصاحب ، ولا يتباعد عنه مقارب .

قال السدي : في قوله « سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » لمّا ارتحل أبو سفيان والمشركين يوم أحد متوجهين إلى مكة قالوا : ما صنعنا ، قتلناهم حتى لم يبق منهم إلاّ الشريد ، وتركناهم إذ هموا ، وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم .

فلمّا عزموا على ذلك ألقى اللّه في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عمّا همّوا(1) .

وروي : أنّ الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين مخافة أن يكون له الكرّة عليهم .

وقال صلى الله عليه و آله : نصرت بالرعب مسيرة شهر(2) .

قوله تعالى : « وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ » ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا قصد خيبر ، وحاصر أهلها همّت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أهل المدينة ، فكفّ اللّه عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم(3) ، قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .

وقال صلى الله عليه و آله : لم نخل من(4) ظفر ، أمّا في ابتداء الأمر ، وأمّا في انتهائه(5) .

ص: 377


1- مجمع البيان : 2/414 ، جامع البيان : 4/165 ، تفسير الثعلبي : 3/208 .
2- مجمع البيان : 2/414 .
3- مجمع البيان : 9/194 .
4- في نسخة « النجف » : « تخلو في » .
5- مجمع البيان : 2/400 .

وكان جميل بن معمر الفهري حفيظا لما يسمع ، ويقول : إنّ في جوفي لقلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه و آله !! فكانت قريش تسمّيه « ذا القلبين » .

فتلقّاه أبو سفيان يوم بدر ، وهو آخذ بيده إحدى نعليه ، والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمر ، ما الخبر ؟ قال : انهزموا ، قال : فما حال نعليك ؟ قال : ما شعرت إلاّ أنّها في رجلي لهيبة محمد صلى الله عليه و آله ، فنزل « ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ »(1) .

* * *

أمير المؤمنين عليه السلام :

وينصر اللّه من لاقاه إنّ له

نصرا يمثل بالكفار إذ(2) عندوا* * *

ص: 378


1- مجمع البيان : 8/117 .
2- في نسخة « النجف » : « ما » .

أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه و آله

اشارة

ومن أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه و آله

استيقان كافتهم بحدوده

استيقان كافتهم بحدوده ، وتمكّن موجباتها في غوامض صدورهم حتى أنّهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حدّ من حدوده ، وبالجهل من لم يعرفه ، وبالكفر من أعرض عنه ، ويقيمون الحدود ، ويحكمون بالقتل والضرب والأسر لمن خرج عن شريعته ، ويتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبّته .

انتشار دعوته واقتران اسمه باسم ربّه

وإنّه بقي في نبوته نيفا وعشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلاّ جزيرة العرب ، فاتسقت دعوته برّا وبحرا منذ خمسمائة وسبعين سنة ، مقرونا باسم ربّه ينادى بأقصى الصين والهند والترك والخرز والصقالبة والشرق والغرب والجنوب والشمال في كلّ يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة ، وخضعت الجبابرة لها ، ولا تبقى لملك نوبته بعد موته .

ص: 379

وعلى ذلك فسّر الحسن ومجاهد قوله تعالى « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » ما يقول المؤذنون على المنابر ، والخطباء على المنابر .

* * *

قال الشاعر :

وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد(1)

الاستجابة للحجّ والصوم وباقي العبادات

ومن تمام قوّته أنّها تجذب العالم من أدنى الأرض وأقصى أطرافها في كلّ عام إلى الحجّ حتى تخرج العذراء من خدرها ، والعجوز في ضعفها ، ومن حضرته وفاته يوصي بأدائه .

وقد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهّب عطشا حتى يخوض الماء إلى حلقه ، ولا يستطيع أن يجرع منه جرعة .

وكلّ يوم خمس مرات يسجدون خوفا وتضرّعا ، وكذلك أكثر الشرائع .

وقد تخرب الناس في محبّته حتى يقول كلّ واحد : أنا على الحقّ وأنت لست على دينه .

* * *

ص: 380


1- مجمع البيان : 10/389 .

[ قال ] الفرزدق(1) :

جعلت لأهل العدل عدلاً ورحمة

وبرء لآثار الجروح الكواتم

كما بعث اللّه النبي محمدا

على فترة والناس مثل البهائم

* * *

[ وقال ] البيياري :

اللّه قد أيّد بالوحي

محمدا ذا الأمر والنهى

يأمر بالعدل وينهى عن

الفحشاء والمنكر والبغي

* * *

ص: 381


1- هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، المعروف بالفرزدق ، شاعر ، من أهل البصرة ، لقب الفرزدق لجهامة وجهه وغلظه ، مات في بادية البصرة ، وقد قارب المائة .

ص: 382

الفهرست

مقدّمة المحقّق··· 5

المؤلف··· 15

تلامذته··· 18

أساتذته··· 18

مشايخ الرواية··· 19

مؤلفاته··· 22

شعره··· 24

وفاته··· 24

الكتاب وعملنا فيه··· 27

منهج الكتاب··· 29

الآيات··· 30

الشعر··· 31

التخريج والتوثيق··· 31

العناوين··· 33

النسخ··· 33

ختاما··· 34

وأخيرا··· 35

ص: 383

سبب تأليف الكتاب··· 39

طرق المؤلف··· 48

طرق العامة··· 49

أسانيد التفاسير والمعاني··· 57

أسانيد كتب الشيعة··· 60

منهج التأليف··· 62

اسم الكتاب والغرض من تأليفه··· 64

فصل 1 : في البشائر بنبوته

( 67 - 92 )

بشائر الأنبياء··· 69

خبر كعب بن لؤي بن غالب··· 69

خبر زيد بن عمرو بن نفيل··· 70

خبر تبع الأول··· 72

خبر سلمان الفارسي··· 74

خبر سيف بن ذي يزن··· 78

قصة ذبح عبد اللّه عليه السلام··· 82

راهب يبشّر طلحة في سوق بصرى··· 88

عفكلان الحميري يبشّر ابن عوف··· 88

كاهنة تبشر عثمان··· 89

بشائر بشر بن أوس وقس بن ساعدة··· 89

بشائر عبد المطلب وأبي طالب

عليهماالسلام··· 90

ص: 384

فصل 2 : في المنامات والآيات

( 93 - 104 )

رؤيا عبد المطلب عليه السلام··· 95

رؤيا العباس بن عبد المطلب··· 95

رؤيا أخرى لعبد المطلب عليه السلام··· 96

رؤيا كسرى يؤولها سطيح··· 97

ملك يهدد كسرى··· 98

النور في آباء النبي

صلى الله عليه و آله··· 99

نوره في جبين عبد المطلب

عليه السلام··· 99

نوره في وجه أبيه عبد اللّه

عليه السلام··· 100

قطّر دم يحيى عند مولده

صلى الله عليه و آله··· 102

انتقل نوره صلى الله عليه و آله الى آمنة عليهاالسلام يوم عرفة··· 102

كلام الأسد مع أبي طالب في شأن علي والنبي عليهم السلام··· 102

شعر العباس في النبي

صلى الله عليه و آله··· 103

فصل 3 : في مولده صلى الله عليه و آله

( 105 - 118 )

مشاهدات أمّه آمنه عليهاالسلام عند ولادته··· 107

مشاهدات عبد المطلب عند ولادته··· 109

عوّذه الإله بالأركان··· 110

حوادث عند الولادة··· 110

ص: 385

أحداث عند الفرس··· 112

إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين··· 112

حجب إبليس عن السماوات كلّها··· 113

علّة النجوم التي ترمى بها··· 113

إستبشار المخلوقات بمولده

صلى الله عليه و آله··· 114

صيحة إبليس في أبالسته··· 114

سمعوا صوتا من الكعبة··· 115

تنكست الأصنام وسمعوا صيحة من السماء··· 115

أضاءت الدنيا وضحك الجماد وسبّح كلّ شيء··· 115

اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلاّ النبوة··· 116

فصل 4 : في منشئه صلى الله عليه و آله

( 119 - 142 )

ولد مختونا مسرورا··· 121

رضع أياما من أبي طالب··· 121

رضاعه صلى الله عليه و آله··· 121

نمّوه··· 123

النبي صلى الله عليه و آله مع عبد المطلب وأبي طالب عليهماالسلام··· 125

إنّ اللّه لا يضيع محمدا

صلى الله عليه و آله··· 125

إنّي أخاف أن تغتال فتقتل··· 126

دعوا ابني فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما··· 126

ص: 386

أبو طالب يحمل النبي من المدينة··· 127

عبد المطلب يوصي بالنبي··· 128

أبو طالب لم يفارقه في ليل أو نهار··· 129

اهتمامه بطعام النبي··· 130

مشاهدات أبي طالب··· 131

امتناعه صلى الله عليه و آله عن أكل الحرام··· 131

أمّره صبيان بني هاشم منذ الصغر··· 132

معجزة النخلة اليابسة في بيت أبي طالب··· 132

سفره الى الشام مع عمّه ولقاء بحيرا··· 133

لقاء أبي الميهب الراهب··· 137

لقاء نسطور··· 137

خروج ميسرة مع النبي ولقاء نسطورا··· 138

خطبة خديجة··· 140

فصل 5 : في مبعث النبي صلى الله عليه و آله

( 143 - 158 )

درجات بعثته··· 145

كيفية نزول الوحي··· 147

ورقة يعرف جبرئيل ويخبر النبي بنبوته !!··· 150

نزول جبرئيل على جواد أصفر··· 153

نزول جبرئيل وميكائيل ومعهم الملائكة والكراسي والتاج··· 153

ص: 387

نزول سورة تبت يدا أبي لهب··· 154

خطبة النبي ونزول سورة الضحى··· 155

إنذار الجن··· 156

قول خزيمة بن حكيم في النبي··· 158

فصل 6 : فيما لاقى النبي من الكفار

( 159 - 182 )

ردّ أبي طالب على أبي لهب··· 161

افتراءات القرشيين ونزول ن والقلم··· 161

نزول القرآن ردّا على قول النضر بن الحرث··· 162

الردّ على من قال للنبي أخرج الى الشام··· 162

الردّ على من أراد أغراه بالمال··· 163

الردّ على من قال أساطير الأولين··· 163

الردّ على من قال إنّما يعلّمه بشر··· 163

الردّ على قول الغرانيق العلى··· 164

لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ··· 165

الردّ على من قال ما وجد اللّه رسولاً غيرك ؟!··· 165

الردّ على من تعجب من إرسال يتيم أبي طالب··· 166

الردّ على من قال أنّه أولى بالنبوة من النبي··· 166

الردّ على أبي جهل··· 167

الردّ على خاف أن يتخطّفه الناس إن آمن··· 167

ص: 388

كان اليهود يستنصرون به ويعرفونه ثم أنكروه··· 167

إسلام ابن سلام ومحاججته اليهود··· 169

الردّ على طلب اليهود قربان تأكله النار··· 170

تحديث النضر بأخبار العجم··· 170

كتابة بعض المسلمين كتب أهل الكتاب··· 171

فرية الوليد بن المغيرة وقوله في القرآن··· 171

الردّ على من قال لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً··· 172

لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ··· 172

الردّ على إنكار العاص للمعاد··· 173

محاججة ابن الزبعرى··· 173

محاججة مع اليهود··· 174

استهزاؤهم بالتوحيد··· 174

طلب الاعتراف بالآلهة··· 174

عيّروا النبي بكثرة التزوّج··· 175

تهديد أبي جهل··· 175

موقف قريش وتحدياتهم··· 175

قريش تطلب الآيات··· 176

إستهزاؤهم بالنبي··· 177

إنكار أبي بن خلف المعاد··· 178

حرب أبي لهب والعباس مع النبي ودفاع أبي طالب··· 178

يعبدون اللّه على حرف··· 180

تهديد أبي جهل··· 180

ص: 389

مساومتهم على الدين··· 180

عقبة يشتم النبي ويجرّه··· 181

أبو جهل يشتم النبي··· 181

أبيات لحمزة عليه السلام··· 181

فصل 7 : في استظهاره صلى الله عليه و آله بأبي طالب

( 183 - 206 )

تهديد أبي طالب··· 185

واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم··· 186

موقف أبي طالب من مطالب قريش··· 187

حرب الفرث والدم··· 189

خطاب النبي لأهل قليب بدر··· 190

مقايضتهم النبي بعمارة··· 191

تبييت قريش ووصية أبي طالب··· 193

حضّ حمزة على اتباع النبي··· 194

قوله لابنه طالب··· 195

كتابه الى النجاشي يدعوه الى الإسلام··· 196

المحاصرة في الشعب··· 196

من قصيدة له··· 199

أبو طالب يفدي النبي ببنيه··· 200

مقايضة أخرى مع أبي طالب··· 201

ص: 390

ميرة أبي العاص الى الشعب··· 202

مدّة المكث في الشعب··· 202

خبر الصحيفة··· 202

الخروج من الشعب··· 203

فصل 8 : فيما لقيه صلى الله عليه و آله من قومه بعد موت عمّه

( 207 - 214 )

ما نال منّي قريش شيئا حتى مات أبو طالب··· 209

أم جميل تحمل على النبي··· 209

خروج النبي الى الطائف بعد وفاة أبي طالب··· 210

قولهم عند وفاة أبي طالب وخديجة··· 211

كتاب أبي جهل الى النبي

صلى الله عليه و آله وردّ النبي عليه··· 211

فصل 9 : في حفظ اللّه - تعالى - له من المشركين وكيد الشياطين

( 215 - 232 )

محاولة إغتيال النبي··· 217

لو دنا منّي لاختطفته الملائكة··· 218

تعاقدوا على قتله فقتلهم اللّه ··· 218

يا أرض خذيه··· 219

رماه أبو جهل بحصاة فوقفت الحصاة معلّقه··· 220

يا شيب قاتل الكفار··· 220

ص: 391

اللّهم اكفنيهما بما شئت··· 221

دعا عليهم النبي فأخذ اللّه بأبصارهم··· 222

عاقبة المستهزئين··· 223

أرادوا قتله فأعماهم اللّه ··· 227

كلّ من رمى سهما عاد السهم إليه··· 228

محاولة يهودي إغتيال النبي

صلى الله عليه و آله ودفاع جبرئيل عنه··· 228

هدد النبي فوثب به فرسه فاندقت رقبته··· 229

شجاعان أقرعان يثبان على معمر بن يزيد··· 229

رجوع المزراق على كلدة بن أسد··· 230

حيلولة الأساود بينه وبين النضر بن الحارث··· 230

رفع يده ليرمي النبي بحجر فيبست يده··· 231

قاموا ليأخذوه فجمعت أيديهم إلى أعناقهم··· 231

أراد أبو لهب ضرب النبي بالحجر فثبتت يده في الهواء··· 231

أراد أبو جهل ضرب النبي بالحجر فأمسكت من يده··· 232

تكمّن نضر بن الحرث لقتل الني فخاف··· 232

فصل 10 : في استجابة دعواته صلى الله عليه و آله

( 233 - 256 )

من دعا عليهم··· 235

دعاؤه على بني شجاعة··· 235

دعا فساخ الجبل··· 235

ص: 392

دعاؤه على ابن قمية··· 236

دعاؤه على الأحزاب··· 236

وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ··· 236

دعاؤه على كسرى··· 237

رواية الماوردي لدعوة كسرى الى الإسلام··· 238

اللّهم عمّ عليهم الطريق··· 239

اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك··· 239

دعا على الحكم فلم يزل يرتعش حتى مات··· 241

دعا عليها فبرصت··· 241

اللّهم أعذني من شيطانه··· 241

فتح اللّه شعرك··· 241

دعا على رجل فما نالت يمينه فاه بعد··· 242

دعاؤه على بني حارثة بن عمرو··· 242

اللّهم أطل شقاه وبقاه··· 242

دعاؤه على مضر··· 243

اللّهم أخس سهمه··· 244

دعاؤه على من كاد الوصي برمية··· 245

من دعا لهم··· 248

دعاؤه للفرس··· 248

اللّهم ألّف بينهما··· 248

دعاؤه للمرأة العمياء··· 249

دعاؤه لقيصر··· 249

ص: 393

دعاؤه لأبي طالب··· 250

دعاؤه لعمرو بن أخطب··· 250

دعاؤه لجعفر بن نسطور الرومي··· 250

دعاؤه للنابغة··· 251

دعاؤه لعمرو بن الحمق··· 251

دعاؤه لعبد اللّه بن جعفر··· 251

دعاؤه لتميرات أبي هريرة··· 252

دعاؤه لابن عباس··· 252

دعاؤه لأمير المؤمنين عندما وجهه الى اليمن··· 252

دعاؤه لسعد !!!··· 253

دعاؤه لعامر بن الأكوع··· 253

اللّهم أطلق لسان سلمان··· 254

أبيات لأمير المؤمنين··· 255

فصل 11 : في الهواتف في المنام أو من الأصنام

( 257 - 268 )

( لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا )··· 259

صنم عتيرة··· 259

هاتف على أبي قبيس··· 259

هاتف في بعض طرقات الشام··· 260

آت أتى سواد بن قارب··· 261

ص: 394

صوت الجنّ بمكة ليلة خروج النبي صلى الله عليه و آله··· 262

هاتف من جبال مكة يوم بدر··· 263

هاتف يصيح بعباس بن مرداس··· 264

هاتف يكلّم سيار الغساني··· 264

هاتف من جوف صنم··· 265

كلام شيطان من جوف هبل··· 266

صائح يصيح في جوف الصنم··· 266

سمع عمر صوتا من جوف العجل المذبوح للوثن··· 267

فصل 12 : في نطق الجمادات

( 269 - 282 )

( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )··· 271

أمير المؤمنين يسمع تسليم الأشجار والأحجار على النبي··· 271

الطعام يسبّح والنبي يأكل··· 271

تسبيح الحصى في يده··· 271

حجر ما مرّ عليه النبي إلاّ سلّم عليه··· 272

حنين الجذع اليه··· 272

الذراع المسمومة تكلّم النبي··· 274

أمر الجبل فشهد له··· 276

رموا النبي وعلي عليهماالسلام بالحجارة··· 277

فكلّمتهما وأنطق اللّه الجنائز لتشهد لهما··· 277

ص: 395

تكلّم البساط والسوط والحمار··· 278

شهادة الشجرة بالتوحيد والنبوة والولاية··· 279

تكملة اللطائف··· 280

شجرة من مكة نطقت بالشهادة على نبوته··· 280

فصل 13 : في كلام الحيوانات

( 283 - 300 )

استنطق الضبّ فشهد الشهادتين··· 285

ظبية مربوطة تطلب من النبي أن يخلّيها··· 286

انقياد الجمل القطم··· 287

جمل يشكو اليه قلّة العلف وثقل الحمل··· 288

جمل يستغيث به من أصحابه··· 289

ناقة تشهد عنده على سارقها··· 290

تكلّم الحمار « عفير » معه

صلى الله عليه و آله··· 290

قصّة ناقته العضباء··· 291

عنز يسجد للنبي وأبو بكر ينوي الإقتداء به··· 292

قصّة سفينة مولى النبي والأسد··· 292

ذئب يخبر أبا ذر ببعثة النبي··· 293

ذئبان يحثّان الراعي على الإسلام ويكلّمان النبي وعلي··· 295

حيّة عظيمة عرّفت نفسها للنبي··· 297

صبي ابن شهرين يسلّم على النبي بالرسالة··· 297

ص: 396

صبي شبّ لم يتكلّم فسأله النبي فتكلّم··· 298

وافد السباع يطلب من النبي رزقه··· 298

دفع الحية عن الوادي وردّ النخلة من ساعتها··· 299

أنا مالك بعثني رسول اللّه

صلى الله عليه و آله··· 300

فصل 14 : في تكثير الطعام والشراب

( 301 - 314 )

( وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )··· 303

أصاب الناس مجاعة في تبوك··· 303

تميرات أكل منها ثلاثة آلاف رجل··· 304

طبخ له ضلعا وقت بيعة العشيرة··· 304

أطعم القوم بيت جابر بجدي وصاع شعير··· 304

يا أم سليم هلمّي بما عندك··· 305

صحفة أصحاب الصفة··· 306

في عرس زينب بنت جحش··· 306

عكة أم شريك··· 306

أعطى لعجوز قصعة فيها عسل··· 307

أطعم رجلاً وسق شعير··· 307

جراب أبي هريرة··· 307

جاشت البئر فاغترفوا وهم جلوس على شفتها··· 308

أيّها الماتح دلوي دونكا··· 309

ص: 397

اغرز السهم في بعض قُلب الحديبية··· 309

وضع يده ويد علي في التنّور فنبع الماء··· 310

نبع الماء من بين أصابعه يوم الشجرة··· 310

غرز سهما في ركي ففار الماء··· 311

وضع يده تحت وشل فانخرق الماء··· 311

تفجّر الماء من بين أصابعه في غزوة بني المصطلق··· 311

وضع يده في الإناء ففار الماء من بين أصابعه··· 312

نبع الماء من بين أصابعه حتى روى القوم··· 312

وضع يده في القدح فشرب الجيش··· 312

فصل 15 : في معجزات أقواله صلى الله عليه و آله

( 315 - 342 )

الآيات··· 317

انقضاض الكواكب··· 317

كشف اللّه عنهم بدعاء النبي ثم عادوا كفارا··· 318

ما قاله صلى الله عليه و آله عن فارس والروم··· 318

إخباره بموت النجاشي··· 319

إخباره عمّه العباس بماله الذي خبّأه في مكة··· 320

إخباره جماعة أنّهم لا يزكون··· 321

حكمه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ واعتراض عمر··· 321

النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب··· 322

ص: 398

حكمه على اليهود أنّهم لن يتمنوا الموت··· 322

حكمه على أهل نجران··· 322

إخباره بهبوب ريح عظيمة··· 322

إخباره بموت رجل عظيم النفاق··· 323

إخباره بمقتل الأسود العنسي··· 323

إخباره بانتصار العرب على العجم··· 323

إخباره بشهادة اللواء في مؤتة··· 324

إخباره سراقة أنّه سيلبس سواري كسرى··· 324

إخباره سلمان أنّه سيلبس تاج كسرى··· 325

إخباره أبا ذر أنّه يُخرج من المدينة··· 325

إخباره بقطع يد زيد بن صوحان··· 325

إخباره بفتح مصر··· 325

إخباره بفتح رومية··· 326

إخباره عن طوائف من أمّته تغزو في البحر··· 326

إخباره أنّ الزبير يقتل ياسرا··· 326

إخباره طلحة والزبير أنّهما سيقاتلان عليا وهما ظالمان··· 326

إخباره عائشة أنّها ستنبح عليها كلاب الحوأب··· 327

إخباره فاطمة أنّها أول أهله لحوقا به··· 327

إخباره عليا أنّه سيعطى الراية غدا··· 327

إخباره عليا أنّه يقاتل الطوائف الثلاث··· 328

إخباره أنّهم لن ينالوا مثلها أبدا··· 328

إخباره بقتل علي والحسنين وعمار··· 328

ص: 399

إخباره أنّهم يغزون ولا يُغزون··· 328

إخباره بارتداد أحد أصحابه··· 329

إخباره بإحراق سمرة··· 329

إخباره بقتل أبي بن خلف··· 329

إخباره الأنصار أنّهم سيرون بعده إثرة··· 330

إخباره بدخول رجل من ربيعة يتكلّم بكلام الشيطان··· 330

إخباره أنّ أحد جبابرة بني أمية سيرعف على منبره··· 331

إخباره أنّ الأئمة من قريش··· 331

إخباره بنسب رجل من بني سهم··· 332

إخباره بما جرى في الإسراء

عليهاالسلام··· 332

إخباره بمقتل خبيب في مكة وردّ سلامه··· 332

إخباره أنّ دينه يطبّق الأرض··· 333

كتب عهدا يوصي بحيّ سلمان « كازرون »··· 333

كتابه لأهل تميم الداري··· 334

كتابه للعباس··· 335

عجائب تدبيره أمر دينه··· 335

إخباره بما سيبلغ ملك أمّته··· 335

إخباره عدي بن حاتم ببعض الفتوحات··· 336

إخباره عن ملك كندة··· 336

إخباره كنانة والربيع بموضع آنيتهما··· 337

إخباره بما في نفس الجارود وسلمة··· 338

إخباره بما في نفس الأنصاري والثقفي··· 339

ص: 400

إخباره بما في نفس أبي بدر··· 340

تحويل كيس الدراهم الى دنانير··· 340

إخباره أبا ذر بقتل ابن أخيه··· 340

إخباره بما يقوله الجلندي··· 341

إخباره السائل بما رأى في المنام··· 342

إخباره أبا شهم بما جرى له مع الجارية··· 342

فصل 16 : في معجزات أفعاله صلى الله عليه و آله

( 343 - 364 )

شفاء جابر··· 345

شفاء الطفيل من الجذام··· 345

شفاء حسان الخزاعي من الجذام··· 345

شفاء قيس اللخمي من البرص··· 345

شفاء البراء ملاعب الأسنة من الإستسقاء··· 346

شفى ساعد محمد بن خاطب··· 346

دعاؤه لغلام أن يعيش قرنا··· 347

شفاء صبي من عاهته··· 347

لزق يد عبد اللّه بن عتيك المقطوعة··· 347

نفخ في عين علي فصحّ من الرمد··· 348

ردّ العين التي فقئت··· 348

مسح على رجل وركبة وعين أصيبت فعادت سالمة··· 349

ص: 401

ردّ على زهرة بصرها··· 350

شفاء رجل عبد اللّه بن عتيك··· 350

قتل أبيّ بن خلف بخدشة··· 351

تفل في بئر فعذب ماؤها··· 352

تفل في بئر ففاضت··· 352

إمرأة متبرزة أكلت من فلق فيه فصارت ذات حياء··· 352

نفث على يمين جرهد فما اشتكاها··· 352

أعطى قتادة عرجونا يستضيء به··· 353

أعطى عبد اللّه بن الطفيل نورا في سوطه··· 353

أسمع الطفيل وقد حشى أذنيه بكرسف وجعل له آية في سوطه··· 353

ضرب ثلاث ضربات في كلّ ضربة لمعة··· 354

نضح الماء على الكذانة فعادت كالكندر··· 355

صار الجريد حساما صقيلاً··· 356

غمز أصول آذان الغنم فابيضت··· 357

أكلت الشاة النوى من يده··· 357

رمى الأصنام بكفّ من حصى ناوله علي فانكبت لوجهها··· 357

وضع يده على تمثال العقاب فأذهبه اللّه ··· 357

مسح على ضرع شويهة خباب فدرّت··· 358

قصّة نخلة الجيران··· 358

شاة أم معبد الخزاعية··· 359

مسح ضرع شاة حائل فدرّت··· 361

ص: 402

قصة العوسجة المباركة··· 362

شقّ القمر شقّتين··· 363

غرس نوى فنبت نخلاً··· 364

فصل 17 : في معجزاته في ذاته

( 365 - 382 )

أوصاف الأنبياء فيه قبل المبعث··· 367

ثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه··· 368

خصال دلّت على نبوته··· 368

خصال أثبتت له الملك··· 369

شهادة كلّ عضو منه على معجزة··· 370

أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه و آله··· 379

استيقان كافتهم بحدوده··· 379

انتشار دعوته واقتران اسمه باسم ربّه··· 379

الاستجابة للحجّ والصوم وباقي العبادات··· 380

الفهرست··· 383

ص: 403

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.